كتب “فابيو سكوتو” مراسل صحيفة “لاريبوبليكا” الايطالية في القدس قبل أيام مقالاً تحت عنوان ( سجائر .. بنزين .. عقود والفساد : رام الله تحت أيدي عشيرة أبو مازن) .
أكد الكاتب أن كل شيء في الضفة الغربية يسيطر عليه الرئيس محمود عباس، وأن الثقة في السلطة الفلسطينية انهارت، ودلل على ذلك بالقول: ” في ساحة المنارة برام الله يسألني أحد المواطنين وهو جالس في مقهى وبيده سيجارة تهب منها حلقات الدخان: هل ترى هذه السيجارة؟ تم استيرادها بشكل حصري من قبل فالكون, وهي الشركة التي تنتمي وتتبع لنجل الرئيس، وحتى الهاتف الخلوي في جيبي هو لشركة ابن الرئيس، ومحطة البنزين حيث اليوم وضعت البنزين تابعة لعشيرة الرئيس، هناك أشخاص حققت وتنجز الكثير من المال مع الأزمة الإسرائيلية ــ الفلسطينية”.
ملايين الدولارات خرجت وصرفت من الصندوق القومي الفلسطيني، حيث التبرعات من الدول العربية للصندوق القومي تحت تصرف ومراقبة محمود عباس، ولهذا فإن كل المشاريع والمكافآت مع الامتيازات الخاصة تمنح فقط للموالين لعباس.
وخلص الكاتب إلى القول بأن تحديد شكل الدولة للسلطة الفلسطينية الحالية والتعريف الأكثر المناسب هو الفساد الحكومي المستفحل.
وما الجديد في الموضوع؟
فكل أبناء الشعب الفلسطيني بل والعربي والإسلامي يعرفون تفاصيل فساد سلطة رام الله، وكيف امتطى محمود عباس مسار النضال الفلسطيني طوال السنوات الماضية، فصال وجال مستهتراً بشعبنا ونضالاته، وغيّر مسار هذا الشعب من نضال ومقاومة وجهاد واستشهاد الى شركة خاصة له ولأبنائه تحمي مراكزهم التي أوجدوها، وامتيازاتهم التي سلبوها من قوت الشعب.
الجديد أن رائحة الفساد السلطوي العباسي قد فاحت ووصلت إلى أوروبا هذه المرة، وهو الذي أثار سفيرة عباس في روما الدكتورة مي الكيله ودعاها للطلب من عباس رفع دعوى على الصحيفة والكاتب!
في السنوات الأولى لقيام السلطة ( 1994 ــ 2002 م ) أضحت ” حـركة فـتح ” مشروعا استثماريا لدى بعض أصحاب البطولات المستعارة حيث تم اختطاف هذه الحركة التاريخية المناضلة, التي قدمت آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى والمعتقلين على مدار أربعة عقود ونيف, على يد زمرة الفساد والمفسدين من المفرطين والمتاجرين بقضايا الوطن للحصول على المكاسب والغنائم، مما أدى إلى ضياع الحركة ( التي أصبحت غابةً؛ الجميعُ فيها ينهش بعضه البعض) بين أنياب المنتفعين والمتسلقين الذين احتلوا مناصب ليسوا أهلا لها، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، وفوق الضوابط والحسابات، وحجة كل واحد فيهم أنه محرر الأوطان وقاهر الأعداء! حتى أضحت حـركة فـتح مشروعا استثماريا لدى المنـتفعين الذين قايضوا الحركة بثرائهم، وجعلوا منها بقرة حلوبا، وفضلوا المتاجرة بدماء شعبهم وقضية أمتهم ووطنهم.
وبعد خطاب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في 24 / 6 / 2002 م والذي طرح فيه خريطة الطريق، وطالب ” الإصلاحيين الجدد ” في الشعب الفلسطيني بعزل الرئيس ياسر عرفات، كشرط لاقامة الدولة الفلسطينية، ظهر تيارٌ من رفاق عرفات وأتباعه ومساعديه وخاصة من أولئك الذين ساهموا معه في عملية التفاوض ( العلني منها والسري في مراحل التفاوض وأشكاله المختلفة ) من أجل عزله سياسيـًا في هذا الوقت بالذات، وبالتالي إسقاطه من قيادة الشعب الفلسطيني!
إنهم ” المعارضون الجدد ” الذين يعيشون بفضل عرفات، ويضربون بسيفه، ويستفيدون منه إن لم نقل إنهم يستغلون إنـتماءهم إليه، وإطاعة أوامره في تحقيق أهدافهم المعيشية!
تآمر هذا التيار الذي هبط على الفلسطينيين فجأة من السماء في مظلة أمريكية الصنع حاملا العلم الإسرائيلي، وقد كانوا أصحاب حظوة حتى الأمس القريب .. أخبروننا بوجوب استبدال القيادة الفلسطينية، وبأن عهد عرفات المستبد والمتسلط الذي يأخذ القرار لوحده ولا يستمع إليهم قد ولى لغير رجعة!
بدأ قادة هذا التيار بتوجيه رسائل للرئيس ياسر عرفات في الصحف محملين إياه القسط الأوفر من الإخفاقات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أوسلو، ومنتقدين ممارسات السلطة ” التي تخلت عن أهم أحد أسلحتها وهو بناء المؤسسات القادرة على نيل ثقة الفلسطينيين”.
وذكرت إحدى الرسائل في سبتمبر 2002م أن ” سلطة أوسلو ” قد دمرت مؤسسات منظمة التحرير، وحركة فتح، ومؤتمراتها، وأقاليمها، ولجانها، ومكاتبها الحركية، وأنها تعاملت مع شعبها بروح وعقلية اقتسام الغنائم.
وباقي القصة معروف للجميع، فقد تم حصار ومن ثم اغتيال عرفات حتى تُفتح الطريق أمام هؤلاء للتعايش الذليل مع العدو الإسرائيلي.
ثم استلم محمود عباس قيادة المنظمة والسلطة وحركة فـتح منذ عام 2005 م، فبدأ نفس التيار بذبح وتسفيه وتشويه حـركة فـتح من خلال الإستقواء بالإدارة الأمريكية والعدو الإسرائيلي وبعض السذج والمغرر بهم من أبناء الحركة، خدمة للمخطط الأمريكي ــ الإسرائيلي، ولتحقيق الوهم الذي يداعب رؤوسهم من الإستيلاء على مقاليد الحركة.
وظهرت فئة من المفسدين ممن تكسبوا الملايين على ظهر الشعب الفلسطيني, وفرق الموت والقتل والعصابات والمسترزقين والعابثين في القضية والتاريخ والنضال الفلسطيني عبر عقود طويلة، إنها الفئة التي طعنت الشعب الفلسطيني في الصميم؛ في قضيته وحقوقه ونضاله وتضحياته وكرامته وشهامته, وحولته إلى شعب يناضل من أجل رغيف الخبز.
وأصيبت الحركة بالشلل التام في ظل غياب الديموقراطية داخلها، واستغلال البعض لـ ” فتح” للحصول على المكاسب من خلال غياب المساءلة والمحاسبة في صفوف الحركة، مما أدى إلى تفشي المصلحة الشخصية وانهيار الأداء والسلوك التنظيمي لدى أبنائها.
وعقدت مؤتمرات عدة للتأكيد على أنه لم يعد يجدي الصمت وتوجيه النصائح أمام كل الأخطاء التي مورست داخل الحركة على مدار السنوات الأخيرة، وأنه لا بد من رفع صوت أبناء الحركة عالياً للمطالبة بإعادة حركتهم إلى مسارها الوطني الصحيح بعيداً عن الانحرافات التي أراد هذا الطابور الخامس من الأدعياء والدخلاء عليها؛ من الغارقين في وحل الخيانة والتفريط وبيع المواقف المجانية، أن يسوقها باتجاهها، والتصدي لمحاولات حرفها عن المسار الوطني، وجرها إلى مشاريع غير وطنية.
ولكن لا حياة لمن تنادي..
بل عقد المؤتمر العام السادس لحركة فتح في 4 / 8 / 2009 م في بيت لحم، وانتخب محمود عباس بالتصفيق، لتختزل الحركة في شخص واحد هو محمود عباس!
هنا يتساءل الشارع الفلسطيني:
أين قيادات حركة فتح السياسية والعسكرية كي تلجم هؤلاء المأجورين والانتهازيين والخارجين على مبادئ وثوابت الحركة، والذين يحاولون شطب المحطات المضيئة في تاريخها، ونحرها من الوريد إلى الوريد؟
أين قيادات الساحات والأقاليم والاتحادات الشعبية؟ أهي غائبة, أم إنها اندثرت وفقا لخطة مبكرة نفذت خطوةً خطوة؟
أين كوادر ” فتح ” الشرفاء ليقفوا في وجه الذين يتطاولون على دماء شهدائها وجرحاها، ويلطخون تاريخها ونضالها، ويمسحون دورها، ويقضون علي مستقبلها، ويشوهون تاريخ الحركة النضالي ؟
أم أن ” فتح ” قد اختطفت واغتصبت من قبل حفنة قبلت الدنية، وقدمت مصالحها على مصالح شعبها وأمتها وعقيدتها، وعملت بموجب توجيهات الأعداء ونصائحهم؟!
من الظلم أن تتحول ” فتح ” إلى مجموعة من الساقطين في وحل الفساد، وقبائل وعشائر وعائلات وزواريب، وإلى مجموعة من الناعقين الذين يملؤون الفضائيات صباحاً ومساء لا يلوون على شيء إلا إثارة الفتنة والتحريض والكذب وقلب الحقائق، وأن تصل الأمور في هذه الحركة المناضلة إلى هذا الدرك بفضل حفنة من الصغار ” الانكشاريين” الذين يدوسون وجه الوطن بالبسطار الأمريكي.