عبدالواسع الفاتكي يكتب: السعودية وإيران .. اختلاف مشاريع أم تضارب مصالح؟

الراصد الحصيف لأداء ودور إيران، وعلاقتها بالمنطقة العربية، يخلص لحقيقة مفادها أن الذي يحرك طهران، ويوجه سياساتها، ويجعلها تمارس دورا عدائيا استفزازيا لكثير من الدول العربية، لاسيما الواقعة في المشرق العربي، تسعى من خلاله لاختراق المجتمعات العربية، وإضعاف جبهتها الداخلية، وتغذية التفكك الاجتماعي والسياسي، ليس مجرد تضارب مصالح بينها وبين العرب، إنما هو برنامج أو مشروع إيراني، واضح المعالم ومحدد الأهداف، رصدت له إيران جزءًا كبيرا من مقدراتها؛ ليكون واقعا ملموسا.

 ففي عام 2005م صاغ النظام الإيراني وثيقة، يعتبرها الإيرانيون أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني، أطلق عليها الاستراتيجية الإيرانية العشرينية ( 2005 -2025)، أو الخطة العشرينية إيران 2025م، وضعت التصورات المستقبلية لإيران خلال عشرين عاما، بما يحولها لدولة قوية ذات اليد الطولى في المنطقة العربية، وبالأخص في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، وتنص الوثيقة على أن إيران ستكن مصدر إلهام للعالم الإسلامي، استنادًا لتعاليم الإمام الخميني وأفكاره، ومن ثم درست طهران الواقع العربي بأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان لها المعرفة التامة لنقاط الخلل والضعف في المجتمعات العربية، فتسللت من خلالها؛ ليكون لها الحضور الفعلي الضخم والدرامي في المشرق العربي، ما بين النفوذ المطلق أو الضغط بذراع داخلي؛ كبوابة للاحتلال السياسي وإثارة الفتنة الطائفية.

الزائر للمكتبة العامة في طهران، يرى في الواجهة صفحة من كتاب تراثي؛ عرضها متر وطولها كذلك، موضوعة في صندوق بلوري مكتوب فيها (كيف للعرب الأنذال أن يسقطوا الإمبراطورية الفارسية، علينا أن نعيدهم للصحراء من جديد).

 بينما في الساحة الإقليمية العربية المقابلة لإيران، حالة من الاضطراب المصاحب لغياب أي تصور لاستراتيجية عربية، مناهضة للتوغل الإيراني، تحصن ماتبقى من الكيان العربي، وتنقذ ما وقع تحت الهيمنة الإيرانية، والمتأمل للصراع العربي الإيراني يجد أنه أخذ أبعادا وصورا مختلفة، باختلاف الظروف الداخلية العربية والإيرانية، متأثرا بمكاسب أو خسائر الدول الكبرى، من توقف هذا الصراع أو استمراره، ولذلك نجد أن الحرب العراقية الإيرانية، في العقد الثامن من القرن العشرين المنصرم، اتسمت بالطابع القومي، بينما, بعد غزو العراق عام 2003 م وإسقاط نظام صدام حسين، أعيد تعريف الصراع لينتقل من المربع الإثني للمربع الطائفي بصبغة سياسية أيدلوجية، أي أن أطراف الصراع لم يطرأ عليها أي تغيير، فقط تجدد الصراع بينها، بهوية جديدة للصراع والمتصارعين.

عندما نجحت الحركة الحوثية في اليمن، بتحالفها مع مليشيات وأنصار المخلوع عبد الله صالح، وبالدعم اللوجيستي الإيراني لها، في الانقلاب على السلطة الشرعية، والسيطرة على مؤسسات الدولة اليمنية، وأفصحت عن توجهاتها العدائية ضد السعودية، استشعرت الرياض الخطر، وقادت تحالفا عربيا عسكريا ضد الحوثيين وحلفائهم، وهذا يعني أن السعودية في صراعها مع إيران، دخلت مرحلة حاسمة وساخنة، انطلقت من رؤيتها لماهية الصراع ووسائله وحدوده، فأُجبرت على أن تتولى زمام قيادة محور صد النفوذ الإيراني في اليمن، ناهيك عن سوريا والبحرين، وإذا كانت السياسة السعودية إبان الملك عبد الله بن عبدالعزيز، قد فتحت الباب على مصراعيه؛ للتوسع الإيراني في المنطقة العربية، وضربت السياجات الأمنية القومية للرياض، فإن عليها بإمكانياتها الاقتصادية والسياسية وبمكانتها الدينية، أن ترعى وتقود مشروعا عربيا سنيا، يقف سدا منيعا أمام النزعة الإمبراطورية الإيرانية من جهة، مرمما البيت الداخلي للعرب من جهة أخرى، وخارجا عن النظرة الغربية للنزاع مع إيران، التي تحصره في بوتقة تضارب المصالح، فالغرب يبحث عن حماية النفط، بينما نحن ندافع عن هويتنا، ومستقبل وجودنا كمجتمعات أو دول، ساعين لتجديد بنية الدولة العربية التقليدية، التي مثل الربيع العربي المحاولة الأولى لتجديدها، لكن السعودية ناصبته العداء، لتفاجأ بتغير في مسار الصراع، من صراع أنظمة حاكمة وشعوب ثائرة، لصراع إيراني شيعي/ وعربي سني، دخل مرحلة المواجهة المسلحة في أكثر من بلد عربي، لتجد السعودية نفسها مرغمة على الدخول المباشر فيها، وسط تناقضات عربية داخلية، متموضعة في خنادق متقابلة.

يرتبط نجاح السعودية في وقف التمدد الإيراني، وإعادة اليمن والعراق وسوريا ولبنان للحضن العربي، بتبنيها مشروعا عربيا، لا يعتمد على التعاطي العسكري مع أدوات النفوذ الإيراني، بل يعمل على التأسيس لهوية عربية، لا تستمد وجودها من المعطيات التاريخية فقط، بل من قوة حضورها السياسي والاقتصادي والثقافي في المحيط الإقليمي والدولي، وبغير ذلك فإن المنطقة العربية مقبلة على سنوات عجاف من الفرقة والتناحر والشتات، ولن تتمكن من استعادة عافيتها إلا بعد عقود طويلة.

شاهد أيضاً

أ.د. إسماعيل علي يكتب : هل يستحق الإخوان المسلمون (العفوَ) مِن السيسي؟!!!

بعد ثورة_25_يناير 2011، مارَسَ الإخوانُ المسلمون حقَّهم المشروعَ ـ بل واجبَهم المنتظَرَ منهم ـ فتقدموا …