بقراءة سريعة لمجريات العمليات العسكرية، التي شنها التحالف العربي، بقيادة السعودية على مليشيات المخلوع علي عبدالله صالح والحوثيين، والتي طوت عامها الأول، نجد أن التحالف حقق تفوقا عسكريا بشكل كبير، على المليشيات الانقلابية في الجو والبحر، واستطاع تقويض قدراتها العسكرية، وتدمير جزء كبير من مخازن أسلحتها الاستراتيجية، غير أن المليشيات مازالت في حوزتها ترسانة من الأسلحة الثقيلة، كالمدفعية والدبابات وصورايخ الكاتيوشا، تقصف بها المدن المحاصرة، كمدينة تعز، ومناطق تمركز الجيش الوطني والمقاومة الشعبية. وعلى صعيد الأرض، تمكنت القوات الموالية للشرعية، بإسناد من التحالف العربي، من تحرير عدن وعدد من محافظات الجنوب، ومأرب وأجزاء واسعة من محافظة الجوف، والوصول لمشارف العاصمة صنعاء، وإذا كان التحالف قد أحكم السيطرة على الأجواء اليمنية، في الدقائق الأولى من شن عملياته العسكرية، فإدارته للمعركة البرية، فيها بطء ملحوظ؛ بسبب خشيته من تعرضه لخسائر كبيرة مادية وبشرية، في حال توغله في الجغرافيا اليمنية، ذات التضاريس الوعرة، ولأن التشكيلات المسلحة المقاومة للمليشيات الانقلابية، في نظر التحالف، لم تتحول لجيش نظامي، تتبدد معه مخاوف تزويدها بالأسلحة الثقيلة، حيث ذهب جزء منها، في محافظات عدن ولحج وأبين، إلى جماعات غير نظامية، وأخرى توصف بأنها متطرفة.
أسقطت المليشيات الانقلابية هيبة الدولة، في 21 سبتمبر 2014م ، وعطلت النظام العام، فأدى ذلك للانقسام فالنزاع، مظهرة صراعها مع الشعب اليمني، بغير صورته وخلفيته الحقيقية، مرتهنة لأجندة إقليمية، معادية لمحيط اليمن العربي، فاستشعرت السعودية الخطر، وقادت تدخلا عسكريا ضد المليشيات الانقلابية، التي ردت عليه بإطلاق مقذوفات صاروخية ومدفعية، على المناطق الجنوبية للسعودية المحاذية لليمن من جهة محافظة صعدة، وبمحاولات انتحارية لمجاميع مليشياوية لاختراق الحدود السعودية، كانت صيدا ثمينا لطائرات التحالف، ولأن المليشيات تسمي عمليات التحالف عدوانا خارجيا، كان ردها أن واصلت حربها ضد مناوئيها في الداخل اليمني ذهب ضحيتها، كما تشير الإحصاءات الأولية، أكثر من 28 ألف قتيل وجريح، ونزوح نحو 120 ألف يمني للخارج، وأكثر من 2.5 مليون من مناطقهم إلى مناطق أخرى داخل اليمن، إلى جانب تداعيات عديدة ومدمرة، كان لها الأثر الكبير على حياة اليمنيين في جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية؛ فارتفعت الأسعار بصورة جنونية، وتدهورت الخدمات العامة، وتضاعف عدد المشردين والمعاقين والمتسولين، في بلدٍ كان نصف سكانه قبل الحرب بحاجة للمساعدات الإنسانية، وأصبح بعد الحرب أكثر من 80% من سكانه في أمس الحاجة لمد يد العون لهم لإنقاذهم من شبح المجاعة.
بعد عام من الحرب، على الشرعية والتحالف حساب المكاسب والخسائر، وما الذي تحقق من الأهداف وكيفية الحفاظ عليها؟ وما الذي لم يتحقق؟ وتقدير الحقائق والوقائع على الأرض، وإجراء مراجعة دقيقة لآلية العمل العسكري والسياسي للشرعية والتحالف، تنطلق من تفكير استراتيجي هجومي لا دفاعي، فالبرغم من الإعلان عن تحرير 80% من الأراضي اليمنية من سيطرة المليشيات، بحيث لم يبق تحت سيطرة الانقلابيين سوى ثماني محافظات من أصل 22 محافظة، إلا أن الشرعية لم تتمكن من ضبط الأوضاع الأمنية في بعض المناطق المحررة، ولم تعد لليمن لتدير معركتها مع المليشيات ملتحمةً بالجماهير، متلمسةً همومها، ممارسةً مهامها على الأرض مما أدى إلى فقدان ثقة الشارع بها، وظهور الانقلابيين وكأنهم أكثر تماسكا وصلابة.
استفادت المليشيات الانقلابية، من استمرار الحرب حتى الآن دون حسم، بأن قدمت نفسها قوة ضاربة، لا يمكن تجاوزها، امتصت آلاف الضربات الجوية، واستطاعت الصمود في وجه تحالفٍ يملك أقوى وأحدث الأسلحة، كما أن تأخير الحسم أفسح المجال لأن تدخل ورقة الجماعات المتطرفة على الخط، فظهرت داعش، متبنيةً عددا من التفجيرات في محافظتي عدن ولحج، فسوقت المليشيات نفسها أمام المجتمع الدولي، بأنها شريك فاعل في محاربة الإرهاب؛ لتحجز لها حاليا ومستقبلا موقعا في الساحة اليمنية، تحت شعار مكافحة الإرهاب والتطرف.
الوضع اليمني معقد, ليس فقط من ارتهانه لإرادة قوى إقليمية متدخلة فيه، بل لعجز اليمنيين عن تحقيق شراكة سياسية منصفة، وعن التصالح مع أنفسهم، وتجاوز الأحقاد والثارات المناطقية والقبلية. وكي يتعافى اليمن، وينطلق نحو المستقبل، ويتجاوز الآثار التي خلفتها الحرب، يحتاج اليمنيون لاحتجاب بؤر النزاعات والصراعات عن المشهد، وتضافر جهود سلطة شرعية قوية، مع الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، متسلحة بالوعي، وتغليب المصلحة العليا لليمن؛ للحد من الانهيار، وإيقاف الكارثة التي رسمها المقامرون والمغامرون باليمن، في الداخل والخارج