توفي شمعون بيريز عن عمر يناهز 93 عاما، إثر إصابته بجلطة دماغية، تاركا وراءه ميراثا دمويا. ولم تمر وفاة رئيس الكيان الصهيوني الأسبق مرور الكرام على النشطاء والمغردين العرب، فللراحل تاريخ مليئ بالجرائم استذكره المغردون يوم وفاته، حيث تصدرت هاشتاجات عدة, مواقع التواصل الاجتماعي في بقاع العالم، حاول المغردون من خلالها كشف جرائم المسؤول السابق بعصابة الهاجانا وأحد مؤسسي اسرائيل.
ورغم سجل بيريز الحافل بالجرائم، سارعت بعض الأنظمة العربية إلى إرسال برقيات عزاء ومواساة لدولة الاحتلال، مع مشاركة بعض المسؤولين العرب في جنازته. وأطلق نشطاء وسم “تعزية السفاح” احتجاجا على تقديم مسؤولين فلسطينيين وعرب التعازي بوفاة بيريز. وقالوا “لم يتأثر أوباما وكلينتون مثلما تأثر عباس وسامح شكري .. ولاء ووفاء منقطع النظير”. وقال آخرون “عباس لم يشارك في جنازتي مانديلا وتشافيز؛ أبرز داعمي القضية الفلسطينية، لكنه هرول لتشييع بيريز”، حيث أظهرت الصور الرئيس الفلسطيني عباس وهو يصافح رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وزوجته، وتبادل معهما أطراف الحديث. وتصريح رئيس السلطة الفلسطينية لمراسل القناة الثانية الإسرائيلية قائلا: ” هذا اليوم هو الأكثر ألما على نفسي بعد رحيل الرئيس عرفات.. البشرية فقدت أعظم رجلي سلام في الشرق الأوسط” !
كما تعرض وزير الخارجية المصري لهجوم واسع بعد بكائه في جنازة بيريز، وظهوره في الصف الأول، بجوار رئيس السلطة الفلسطينية، وقد بدا عليه التأثر الشديد. وغرّد نشطاء ساخرين “مرسي بعث هشام قنديل لغزة أثناء العدوان الإسرائيلي عليها، والسيسي أرسل وزير خارجيته اسرائيل لتقديم واجب العزاء في المقبور بيريز”. واستنكر رئيس تحرير صحيفة “العرب” القطرية، جابر الحرمي، المشاركة, وقال في تغريدة له: “.. متأثر جدا بفقد عزيز عليه.. بينما حصار غزة، وإبادة حلب، لا تعنيه بشيء”. وسخر بعضهم قائلا: “كان بيبكي علشان البكاء بيعذب الميت”. وقال آخرون إنه “يستحق جائزة نوبل في العمالة والسفالة”. واستذكروا موقف شكري بإلقاء ميكروفون فضائية “الجزيرة”، في مؤتمر صحفي حول سد “النهضة” الأثيوبي، بالعاصمة السودانية “الخرطوم”، قبل شهور، بدعوى أنها عميلة لإسرائيل. واحتج مغردون على عناوين بعض الصحف العربية، مثل “الموت يخطف شمعون بيريز”، واعتبروا كلمة “يخطف” تدل على أن الكاتب حزين لموت سفاح قانا، حسب وصفهم. كما صب المغردون جام غضبهم على نخب عربية ذرفت الدموع على رحيل”حمامة السلام”، وأقامت مراسيم عزاء للسفاح.
وكان بيريز حاضرا على الساحة السياسية لأكثر من ستة عقود، منذ قيام دولة الإحتلال عام 1948 وحتى نهاية ولايته الرئاسية 2007- 2014 . وكان الوحيد الذي تولى منصبي رئاسة دولة الاحتلال ورئاسة الوزراء. وطيلة تلك العقود، كان شاهدا ومشاركا ومهندسا للعديد من الجرائم. وبالرغم من المحاولات الإسرائيلية لتلميع صورة بيريز ووصفه زورا بـ “حمامة السلام”، إلا أن التاريخ يشهد أنه أحد كبار المجرمين الذين قادوا عصابات الهاجانا الصهيونية التي نفذت أبشع المجازر بحق الفلسطينيين قبل, وخلال نكبة 1948. ويعتبر داخل كيان العدو الصهيوني رجل الحرب الأول بعد أرييل شارون، حيث تقاسم معه المجازر في جنوب لبنان، كما شارك بتهجير العائلات الفلسطينية من أرضها، وأشرف على إصدار قوانين تتيح هدم بيوت الفلسطينيين أو الاستيلاء على ممتلكاتهم إن كانت قريبة من منشآت عسكرية إسرائيلية في ستينات القرن الماضي. اكتسب شهرته الدولية بعد اتفاقية اوسلو عام 1993 التي وقعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية. ومن المفارقات الغريبة أنه حصل على جائزة نوبل للسلام بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات. ولعل مؤهلات السفاح منذ بدايات حياته جعلته “حلما” إسرائيليا، للمشروع الصهيوني فوق أرض فلسطين، وهو ما عبّر عنه “بن جوريون” رئيس وزراء إسرائيل الأول، بأن حلم عمره أن يتولى الثنائي شمعون بيريز وأرييل شارون قيادة دولة الاحتلال، بحيث يكون الأول رئيسا للوزراء والثاني وزيرا للدفاع.
شمعون بيريز، ليس سوى أحد السفاحين الذي استخدم كافة الأساليب الإجرامية وعمليات الإبادة الجماعية للتطهير العرقي وإعلان الدولة الإسرائيلية، فهو خطط ونفذ العشرات من الجرائم الدموية التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين من الأطفال والنساء والشيوخ. وفي عام 1949 أصبح مسؤولا عن البحرية الإسرائيلية، ثم نائب مدير وزارة الدفاع عام 1952، ومديرا للوزارة من 1953 إلى 1959، وهي الفترة التي شهدت العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، حيث اشتركت كل من فرنسا وإسرائيل وبريطانيا بالحرب على مصر. ولمّا كان بيريز مديرا عاما لوزارة الدفاع، أصبحت إسرائيل القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، حيث اعتبره خبراء بأنه مؤسس البرنامج النووي الإسرائيلي، الذي جعل تل أبيب القوة النووية السادسة في العالم، حيث تمتلك 300 قنبلة ورأس نووي، وهي قادرة على إنتاج 35 قنبلة هدروجينية.
وينظر الفلسطينيون إجمالا إلى بيريز، كمجرم حرب والأب المؤسس للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، حيث يعتبر المسؤول المباشر عن إصدار التصاريح لبناء أوائل المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة عندما كان وزيرا للدفاع. كما يعد مسؤولا عن مجزرة قانا الأولى في جنوب لبنان سنة 1996، حين كان يشغل منصب رئيس الوزراء، بعد أن قصفت القوات الإسرائيلية ملجأ للأمم المتحدة يؤوي آلاف المدنيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، مما أسفر عن مقتل 106 من المدنيين، ليستحق بعدها لقب “قاتل الأطفال”. وحين كان رئيسا لدولة الاحتلال سنة 2008، شن عدوانا على غزة، اقترف خلاله الاحتلال مجازر عديدة، أدت إلى استشهاد 1417 فلسطينيا، من بينهم 926 مدنيا، و412 طفلا، و111 امرأة، وإصابة 4336 آخرين.
وفي بيان مشترك، أدان كل من المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الاسلامي، والمؤتمر العام للأحزاب العربية، مشاركة جهات عربية في جنازة بيريز, وقالت المؤتمرات الثلاثة إنها “تدين بشدة كل المهرولين إلى جنازة السفاح بيريز، وتعتبر المشاركة فيها دعما للإرهاب الصهيوني وتزكية لجرائمه، وتشجيعا لغيره على السير على خطاه في القتل والاحتلال والاغتصاب المتواصل لأرض فلسطين، وإقامة المستوطنات لتهجير الشعب الفلسطيني وإبادته”. واعتبرت المؤتمرات الثلاثة أنه “كان حريا بمن هرولوا إلى جنازة السفاح أن يسارعوا إلى حضور جنازات ضحايا الإرهاب الصهيوني من أبناء الشعب الفلسطيني البطل، من شهداء الانتفاضة الثالثة وشهداء الأسر في سجون الاحتلال، وأن يسارعوا إلى ملاحقة واعتقال ومحاكمة المجرمين الصهاينة من أمثال السفاح بيريز وغيره”.