عبد الواسع الفاتكي يكتب: الحوار .. حل لصراع اليمنيين أم استمرار لإدارته!

توجهُ اليمنيين نحو الحوار والمفاوضات في الكويت، في 18 من الشهر الجاري، يمثل في حد ذاته عاملا إيجابيا، إذا كان نابعا من الإدراك بحتمية حقن دماء اليمنيين، فإيقاف الحرب في اليمن شيء، وإحلال السلام فيه شيء آخر، يحتاج لنوايا صادقة، وآلية واضحة وشفافة، ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية وقضائية، هدفها إيجاد ركائز لحلٍ مستدام؛ يعالج المشكلات التي أدت للحرب، وتلك الجديدة الناجمة عنها، وإذا كان الحوار هو أساس العملية السياسية الصحيحة، بين القوى السياسية اليمنية المختلفة التي تؤمن بالفعل بالحلول السلمية والممارسة الديمقراطية، لكن الوصول إليه ينبغي أن يكن عبر وضع طبيعي وصحي، وأن تكن البيئة المحيطة بالحوار، متسقة مع الدعوة إليه، أو الاستجابة له، وهذا ما ليس متوفرا لدى المليشيات الانقلابية، التي تستمر في الدعاية الشكلية للحوار دون أن تفي بمتطلباته المسبقة، أو ما يسمى بإجراءات بناء الثقة المتمثلة بوقف قصف المدن، ورفع الحصار عنها، وفتح ممرات للإغاثة الإنسانية، وإطلاق السجناء والمعتقلين المناوئين لها، ووقف ملاحقة الإعلاميين والصحفيين، والتي تعتبرها المليشيات شروطا مسبقة، بينما هي ضروريات سابقة؛ للتهيئة للدخول في حوار جاد يرسي سلاما واستقرارا دائمين.

قامت المليشيات الانقلابية، في 21 سبتمبر 2014 م، بانقلاب أطلقت عليه اسم ثورة؛ لتكتسب شرعية ثورية، تفضي بها لشرعية سياسية، وحينما لم تجدها، لجأت لتقويض السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي؛ لأن السياسة في نظرها، محصلة ما تملكه من وسائل البطش وفائض القوة، وما تؤمن به من هيمنة وإقصاء، واستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ولذلك رفضت كل الحلول السياسية، وأفشلت كل الاتفاقيات والحوارات السابقة، التي كانت طرفا فيها، وإن أبدت رغبة في التفاوض والحوار، فهو بالنسبة لها مرحلة من مراحل إدارتها للصراع لا وضع نهاية له.

الجيش الوطني والمقاومة على تخوم العاصمة صنعاء، وهذا يجعل المليشيات تبحث عن مناورات جديدة، لكسب الوقت، فستذهب للكويت في 18 من الشهر الجاري، وإذا ما قبلوا بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 ، فسيفرغونه من مضمونه، من خلال المناورة والبحث في التفاصيل، ريثما تأتي متغيرات جديدة، ترجح كفتها، أو يمل الطرف الآخر، فيقدم لها مزيدا من التنازلات.. فنجاح المفاوضات، أو الوصول لتسوية سياسية مع المليشيات، أصبح محكوما بمقدار ما تحصل عليه من امتيازات، أو ما تناله من مكاسب.

يرى كثير من اليمنيين تحالف المخلوع علي عبدالله صالح والحوثيين، أساس الكارثة التي حلت باليمن، وجعله جزءًا من الحل، ترحيل للمشكلة، وتفخيخ للمستقبل، وأي محاولة لبناء سياق سياسي لمليشيات هذا التحالف يضمن استمرار وجودها من خلال تدويرها بحل سياسي، يدمجها مع الجيش الوطني، ويبقيها ذراعا عسكريا لتحالف ( الحوثي صالح)، سيضعف مؤسسات الدولة، ويؤدي لفوضى أمنية شاملة، واتساع مساحة الاغتيالات والعمليات الانتقامية.

الراعون للحوار القادم في الكويت، بين السلطة الشرعية اليمنية والمليشيات الانقلابية، إذا لم يكن بمقدورهم إرغام المليشيات الانقلابية، على الإذعان لقرار مجلس الأمن الدولي 2216 ، وإجبارها على إجراء مراجعة شاملة، لمعادلات ارتباطها باليمن؛ دولة وأرضا وشعبا، ولطرائق تصرفها، وبالتالي تسليم السلاح الذي استولت عليه لمؤسسات الدولة الشرعية، فإن دعوتهم لحوار من أجل تسوية سياسية مع المليشيات، هو دعم لمليشيات فاقدة الأهلية بمسببات البقاء، وهو أيضا حوار فوقي، لا يزال يدور في دائرة مخاطبة النخب والطبقة السياسية، بعيدا عن الاستجابة لتطلعات الشعب اليمني للأمن والاستقرار.

شاهد أيضاً

د. عطية عدلان يكتب : الشعب المهضوم والوُعَّاظ الغلاظ.

لا يذهبنّ بك الظنّ بعيدًا، فلست بمتحدث عن الواعظين الذين يتشددون في وعظهم ويسرفون في …