في ظل الانقلاب الفاشل، الذي يعتمد على تلقى الرز والهبات والمعونات والمشروعات الوهمية الفنكوشية، سادت البلادَ حالةٌ من الانهيار الاقتصاديّ الذي أدى بدوره لانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، وشح العملة الصعبة, كما فشل في تنشيط الصادرات، وانهارت السياحة بسبب إعلانه فى كل مناسبة أن مصر تضم أكبر عدد من الإرهابيين في العالم، وتنفير المستثمرين الأجانب، لعدم وجود مناخ استقرار سياسي واقتصادي، ناهيك عن إهدار المليارات في مشروعات وهمية مثل تفريعة قناة السويس، التي كان القصد منها ـ كما أعلن زعيم عصابة الانقلاب ـ الدعاية ورفع الروح المعنوية للشعب!
كما أن التحذيرات التي أوردتها وكالات الأنباء من خطورة المنتجات المصرية خاصة المنتجات الزراعية ومشتقات الألبان، نظرًا لاستخدام مياه المجاري غير الصالحة للاستهلاك في عملية الري، واستخدام المبيدات القاتلة للإنسان والحيوان، اضطرت كثيرًا من الدول إلى رفض استيراد المنتجات الزراعية المصرية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي كشفت وزارة الزراعة فيها عن تحاليل مخبرية، تؤكد وجود منتجات زراعية رويت بمياه المجاري، الأمر الذي تسبب في ظهور بقايا لفضلات آدمية وحيوانية على العديد من المواد الغذائية التي تصدّرها مصر، كما قررت إثيوبيا وقف استيراد الأدوية من 11 مصنعًا مصريًا، في يوليو الماضي، على خلفية حملة إثيوبية لتفتيش المصانع التي تصدّر منتجاتها إلى السوق الإثيوبية، مما أدى إلى توقف آخر مصادر ضخ العملة الصعبة، من خلال تصدير المنتجات الزراعية ومشتقات الألبان.
كما أن الفساد المالي والإداري الذي يضرب بجذوره فى حكومات الانقلاب العسكري المتعاقبة، والتي كان آخرها فساد وزير تموين الانقلاب، وتورطه فى قضايا فساد بالملايين، فيما يعرف بصوامع القمح وغيرها، وتحويله وزارةَ التموين لتكية من تكايا الانقلاب تدار بمنظومة عمل من أجل رجال أعمال وسدنة الانقلاب، بسبب رفضها استلام الأرز والشعير من الفلاحين العام الماضي وتركهم للتجار، وعدم اتخاذ إجراءات لمراقبة السوق.
فإذا أضفنا إلى ذلك القبضة الأمنية وإطلاق يد داخلية الانقلاب في القتل والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان جعل العاملين في الخارج يعزفون عن تحويل أموالهم للداخل، خوفا من مصادرتها أو تآكلها بفعل انخفاض قيمة العملة المحلية والتضخم.
لذلك قرر البنك المركزي أن يقوم بتعويم الجنيه بعد اتفاق حكومة الانقلاب مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بقيمة اثني عشر مليار دولار، خلال ثلاث سنوات، وذلك مقابل التزامها بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي, أحدُ بنوده تخفيض سعر العملة بما يعكس قيمتها الحقيقية.
وهناك تصريحات من مسئولين فى حكومة الانقلاب بأن موافقة صندوق النقد على تقديم القرض ستكون في الفترة ما بين 4 و 9 أكتوبر، وهو الأمر الذي سيكون بمثابة كارثة اقتصادية ستحل على رؤوس المصريين!
ويتساءل كثيرون ماذا يعني تعويم الجنيه؟
بداية يمكننا القول بأن قرار التعويم مشروط بقدرة الحكومة على تأمين أربعة أشهر على الأقل من الفاتورة الاستيرادية للبلاد، أي ما يعادل عشرين مليار دولار.
وهو ما يصعب على سلطة الانقلاب توفيره فى الوقت الراهن، نظرا لتآكل الاحتياطي النقدي.
أما تعويم الجنيه فمعناه، أن تترك الدولة تحديد سعر الصرف لقوى العرض والطلب، وهو ما يقدم انعكاسا أكثر صدقا لحالة الاقتصاد المحلي، وقد يعني هذا في الحالة المصرية مزيدا من انخفاض قيمة الجنيه بسبب التراجع الاقتصادي، ومن ثم غلاء أسعار السلع وتفاقم معاناة المواطنين، بسبب استيراد البلاد كثيرا من السلع الأساسية من الخارج وتمويل هذه المشتريات بالدولار.
على أنه يمكننا القول بأنّ هذا التعويمَ المزمعَ إجراؤه ليس هو الأولَ فى ظل حكم العسكر، فقد كان أول تعويم حقيقي للجنيه قام به السادات، عندما سمح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء حقبة الاقتراض من الغرب، التي تحولت بعد ذلك لما يسمى بديون نادي باريس، لكن مع عدم قدرة السادات على تحرير الموازنة العامة سنة 1977، وعدم استمرار تدفق استثمارات الخليج، والضعف الاقتصادي العام في الثمانينات، حدثت أزمات الدولار مرة أخرى، ما أدى لإفلاس كثيرين، حيث كان القطاع الخاص يقترض بالدولار من البنوك ويعمل بالجنيه!
وصدق الشيخ “كشك” رحمه الله، فى توصيفه لحالنا، فى ظل حكم العسكر الذين حكموا البلاد منذ حقبة الخمسينيات قائلا:
الأول أكَّلنا المش،
والتاني علمنا الغش،
والتالت لا بيهش ولا بينش
ولو كان الشيخ يرحمه الله حيًا ورأى “بلحة” لقال:
والرابع بيلم الفكة!
وسوف يؤدى خفض قيمة الجنيه إلى موجة تضخمية كبيرة بسبب زيادة الفاتورة الاستيرادية في بلدٍ يعتمد على استيراد 80% من احتياجاته.
وكان زعيم عصابة الانقلاب قد ألمح في كلمته الأخيرة إلى قرارٍ وشيك بخفض العملة، فقد تعهد بضخ كميات من السلع بأسعار مناسبة بصرف النظر عن سعر الدولار.
وقد نشر جمال سلطان عبر حسابه على تويتر تغريدة قال فيها: ثلاثة أيام صعبة وقاسية في مصر هذا الأسبوع، نسأل الله أن تمر على خير، عدة قرارات اقتصادية متوقعة ستكون شديدة الوطأة! الحقونا .. الجنيه بيعوم .. ومصر بتغرق.