كلما شاهدت أو استمعت لتصريحات رئيس السلطة الفلسطينية العدمية والتي تفوح منها روائح تزكم أنوف المناضلين والمجاهدين من أبناء شعبنا وأمتنا وأحرار العالم، وتضر بقضيتنا وتاريخ شهدائنا الأبرار، تبادر إلى ذهني السؤال التالي:
هل التاريخ يعيد نفسه أم إننا نرتكب نفس الأخطاء؟
بعد قراءة متأنية لتاريخ الشعوب التي وقفت ضد الغزاة وجدت أن التاريخ لا يعيد نفسه, إذ لا يمكن أن نعود بنفس الشخصيات إلى نفس المكان والزمان مرة أخرى، كما أن الاحساس الذي شعرنا به في اللحظة الأولي لا يمكن أن يعود في اللحظة التالية. التاريخ يقدم لنا عظة، لكن البشر يكررون نفس الخطأ باتباع نفس الخطوات التي سار عليها السابقون.
وهكذا ..نرتكب نفس الخطأ للمرة المليون!
التاريخ لا يعيد نفسه بل نحن لا نتعظ من التاريخ.
بعد سيل تصريحات وأحاديث السيد محمود عباس للإعلام الصهيوني، وجدناه يصر أصرارًا عجيباً على استنساخ صورة حديثة لابن العلقمي المشهور في التاريخ، حتى أن البعض أطلق عليه لقب “ابن العلقمي الفلسطيني”!
ابن العلقمي السابق هو محمد بن أحمد مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بـ “ابن العلقمي”؛ وزير الخليفة العباسي المستعصم بالله، وهو شخصية تجسد الخيانة وممالأة أعداء الأمة على مر العصور، وقد كتب المؤرخون صفحات سوداء عن جريمته وما الحق بالأمة، حيث وثق فيه الخليفة فألقى إليه زمام أموره، لكن ابن العلقمى خان الأمانة بتحالفه مع التتار الأعداء طمعاً في الملك، مما تسبب في زوال الخلافة العباسية وسقوط بغداد في يد المغول عام 656 هـ (1258 م) .
في سيل الإسهال الإعلامي لمحمود عباس مع الإعلام الصهيوني؛ أكد لمذيعة القناة الثانية الأسرائيلة قبل أيام أن القوات الأمنية التابعة للسلطة في الضفة الغربية تفتش حقائب تلاميذ المدارس بحثًا عن سكاكين لمنع العمليات، وأن أجهزة الأمن الفلسطينية عثرت في مدرسة واحدة على 70 سكينا في حقائب التلاميذ وجردتهم منها، وأقنعتهم بعدم جدوى القتل أو الموت على الحواجز الإسرائيلية!
وقد برئ عباس في المقابلة الاحتلال الإسرائيلي من جريمة إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في منطقة تل أرميدة وسط الخليل، بعد أن كان ملقى على الأرض ولا يشكل أي تهديد على حياة المحيطين به، لكن الجندي الصهيوني أطلق الرصاص على رأسه من مسافة قريبة، و الجريمة موثقة بالصور.
( وقد تزامنت تصريحات عباس مع زيارة وفد فلسطيني رسمي نيابة عنه لتعزية عائلة الجنرال في الجيش الإسرائيلي منير عمار الذي ينحدر من الطائفة الدرزية، الذي لقي مصرعه بعد تحطم طائرة مدنية صغيرة كان يقودها في جبال كمون بالجليل الأسفل، ورأس الوفد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، محمد المدني، الذي أشاد بالجنرال عمار وبما تحلى به من صفات “إنسانية طيبة”، وتعامله الإيجابي مع نظرائه الفلسطينيين في الضفة)!
وجاء اللقاء بعد أيام من استقبال عباس في مدينة رام الله وفدا من 60 إسرائيليا، من اليهود الذين ولدوا في بلدان عربية، وقام الفنان الإسرائيلي شموئيل بن عامي بتقديم هدية لعباس عبارة عن تمثال من صنع يده، أما الحاخام إبراهام جولان فقد قام بمباركة عباس..!!
بعد أن انتشى عباس بمباركة الحاخام اليهودي قال إنه يحب الاستماع يميا لأغاني المطربين الإسرائيليين, مثل موشيه إلياهو وغيره!
لم تكن هذه الخطيئة الأولى لمحمود عباس وهو الذي استلب من شعب فلسطين جهاده ونضاله وتضحياته.
كيف نعتب على شخص أسقط شعبنا في حفرة ” أوسلو” التي أسقطت حق اللاجئين والعودة، وقطعت أوصال شعبنا الفلسطيني، ووصف جهاد الشعب الفلسطيني ضد أشرس غزوة استعمارية استيطانية صهيونية عنصرية استهدفته بالإرهاب، وأن الفلسطينيين هم السبب في معاناة اليهود، أن يقول ما قاله؟!
أليس هو الذي أخذ الوطن إلى حرب أهلية ، ويحاصر ويحرض على حصار أكثر من 2 مليون من أبناء شعبه إلى درجة الموت، بل يطلب ويتوسل من العدو الصهيوني تدمير قطاع غزة على روؤس أبنائه لأنهم فضلوا المقاوم على المساوم؟!
أليس هو الذي خرج على التلفاز المصري يفاخر بأنه صاحب فكرة إغراق حدود رفح بمياه البحر، مقِرًا بتواطئه مع السلطات المصرية بإغراق الحدود بمياه البحر للقضاء على الأنفاق!
أليس هو الذي أكد أن لا عداء بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي؟!
أليس هو نفس الشخص الذي باتت الانتفاضة ــ في نظره ــ سوءة لا بد من تغطيتها أو إزالتها أو حتى نسفها حتى ترضى الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية عنه؟
أليس هو الذي اتهم انتفاضة الأقصى المباركة بالعسكرة التي أدت إلى تدمير كل ما بنته السلطة الفلسطينية!، وطالب بإنهاء الانتفاضة وتجريد الفلسطينيين من السلاح المقاوم، وو صل به الأمر حد اتهام فلسطينيي عام 1948م بإفشال الانتفاضة وإسقاط حق عودة اللاجئين إلى ديارهم!، واتهامهم بالمسئولية عن مقتل شهدائهم الثلاثة عشر الذين سقطوا في انتفاضة القدس والأقصى في شهر أكتوبر عام 2000؟!
أليس هو الذي يتساوق تماماً مع المخطط الصهيو ــ أمريكي الذي طالما تذرع بصواريخ المقاومة ليبرر حصاره الظالم لقطاع غزة ومجازره الوحشية ضد سكانه المدنيين، ووصم حركات المقاومة عموما، وحماس خصوصا بالإرهاب، رغم أن مقاومة المحتل حق كفلته الشرائع والقوانين الدولية؟
أليس هو الذي ربط بين حركتي حماس وتنظيم “القاعدة”، زاعمًا وجود تنظيم القاعدة بقطاع غزة، وتحالفه مع “حماس” التي تقوم بتسهيل عملية دخول وخروج عناصره على حد مزاعمه، وهو أمر خطير لا يمس حماس، بقدر ما يمس أمن الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة؟!
أليس هو نفس الشخص الذي جلب لشعبه الويلات من خلال “اتفاق أوسلو” الذي حول مسار شعبنا السياسي إلى مسار بدون هوية، وجعل تاريخنا يبدو وكأنه سجل مفتوح للإحباط واليأس والخيانة؟!
أليس هو القائل بعد اختطاف الجنود الصهاينة الثلاثة إن الفتية المخطوفين بشر وسنعمل على إعادتهم وسيكون لنا كلام أخر مع من اختطفهم؟
وفي شهر أغسطس الماضي تم “اختطاف” أربعة شبان فلسطينيين أثناء سفرهم من قطاع غزة إلى القاهرة داخل الأراضي المصرية، فهل سمع أحدكم أن عباس ذكرهم مرة واحدة؟
أليس هو صاحب شعار التنسيق الأمني المقدس مع العدو الصهيوني، وأنه مهم لنا لمنع اندلاع انتفاضة أخرى ؟
أليس هو القائل: ” بدأت التنسيق الأمني منذ 2005 م وحتى يومنا هذا ولم يتوقف التنسيق الأمني إطلاقا رغم أن “إسرائيل” تستغله لصالحها وللأسوأ”؟
وهو القائل: “هناك قتل وهدم واقتحامات ” إسرائيلية ” وكأننا غير موجودين ومع ذلك نحن ملتزمون بالتنسيق الأمني”!
أليس هو القائل: ” مـن حق إسرائيل الدفاع عنها نـفسـها، لكن دون تقوية ” حماس ، وأن أسر الجنود الصهاينة تجارة خاسرة”؟
أليس هو القائل: ” إن إسرائيل وُجدت من أجل أن تبقى دولة لها كيانها وليس لها أن تزول”؟
لقد أصبح المواطن الفلسطيني يتساءل:
لماذا يصر عباس على لعب دور ” ابن العلقمي”؟! وهل عباس حقا رئيسا للشعب الفلسطيني؟
إن مجموعة الأحداث المتعاقبة على الساحة الفلسطينية تشير إلى أن الشعب الفلسطيني في وادٍ, وعباس في واد آخر، فهو يهوى الفشل إلى أبعد الحدود، ويحترف الجمود عند مواقف ثبت بطلانها، وما زال يصر على التصرف وكأنه خارج المعادلة السياسية الفلسطينية، وأن لا يقيم وزناُ لنفسه ولا لشعبه، ويهوى استخدام سياسات غير منتجة, ويذكرنا عهده بآخر عهود الخلفاء العباسيين، حيث أخذ منهم الخور والضعف والهوان مأخذا، حتى صار الخليفة العباسي لعبة بأيدي بعض رجال العسكر من غير العرب، ودمية بأيدي الجواري.