أثناء حوار مكة بين حركتي فتح وحماس, والذي توج باتفاق مكة بين الحركتين في فبراير 2007 م, عانق الأخ خالد مشعل ” أبو الوليد ” رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المدعو حاليا محمد رشيد، وسابقا خالد سلام, أو خالد إسلام, المستشار الاقتصادي للرئيس الراحل ياسر عرفات قائلا له: ” أهلاً برفيق المهمات الصعبة “!
واكتشف محمود عباس أن مشعل كان يقيم عند محمد رشيد خلال زياراته المتكررة للقاهرة سابقا!
وانتظرنا أن ينفي مشعل أن يكون قد صافح رشيد؛ أحد أخطر وأهم رموز الفساد، وسارق المال الفلسطيني، مال الأرامل والثكالى واليتامى، وأبناء الشهداء، مال المقاتلين والأسرى والجرحى لا أن يعانقه، ولكن في ظل صمت مشعل غير المبرر كتبت مقالا تحت عنوان ” رفيق المهمات الصعبة” أوضح فيه حقيقة هذا الرجل الغارق حتى أذنيه في الفساد والإفساد، والمطلوب للشعب الفلسطيني، ماليّاً، وسياسيّاً، وأخلاقيّاً، وأمنيّاً , وحتى لا يكون عناق مشعل لهذا الرجل تبييضا و تلميعا وغسيلا له من خطاياه !
وإنه لا يحق لأبي الوليد, وهو قائد لأعظم فصيل مجاهد قاوم الاحتلال أن يلقبه برفيق المهمات الصعبة، حتى لا يظن الشارع الفلسطيني أن محمد رشيد, أحد قادة كتائب عز الدين القسام ، ورفيق الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي والشهيد القائد صلاح شحادة والشهيد القائد إبراهيم المقادمة والشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب، ومئات الاستشهاديين الأبطال!
فمحمد رشيد نتاج المدرسة السياسية الفاسدة الفاشلة التي باعت مؤسسها وراعيها ياسرعرفات للعدو الاسرائيلي، وهو على استعداد لبيع كل فلسطين من أجل حفنة دولارات!
في ندوة ” التحولات في الحركات الإسلامية ” التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات في الدوحة الأسبوع الماضي، تناول الأخ خالد مشعل الحركات الإسلامية، وتجربتها القريبة في التعامل مع الشأن السياسي، وزاد في القول:
” أخطأنا في حكم غزة وحدنا “، و” أخطأنا حين ظننا أن فتح قد انتهت”.
لقد أثارت كلمات أبو الوليد الكثير من البلبلة في عقول الذين كانوا شهوداً على تلك المرحلة، وكأن حماس هي التي رفضت الشراكة السياسية والتوافق الوطني مع فتح!
لقد فتحت كلمات أبو الوليد المجال لكل من هب ودب في تصريحات تحمل كل معاني وأشكال الضغينة والحقد على “حماس” و تحميلها المسؤلية عن الانقسام الفلسطيني!
حتى وصل الأمر بأحدهم أن طالب حركة حماس بالاعتذار الرسمي للشعب الفلسطيني لما مثله الانقسام من ” خدمة إستراتيجية للعدو المحتل”!
لا نريد أن ننكأ الجراح، فالجرح في الكف كما يقول المثل الفلسطيني، ولكننا نعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء لمعرفة حقيقة من الذي أوصلنا إلى يوم الانقسام في 14 / 6 / 2007؟
قبل الانتخابات التشريعية في 25 يناير 2006 م حذر محمد دحلان في مظاهرة حاشدة لأنصار فتح من فوز حركة حماس قائلاً:
” إذا فازت حركة حماس في الانتخابات فلا مكان لنا في هذا البلد! “
و بعد فوز حماس هدد دحلان أي فتحاوي سيشارك في حكومة حماس بضربه بالجزمة القديمة، وأنه “سيرقص حماس خمسة بلدي” طوال حكمها في الأربع سنوات القادمة!
أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني أعلن أن الشراكة بين فتح وحماس مستبعدة، وأن فتح ستركز بدلا من ذلك على إصلاحات داخلية وإعادة بناء قاعدتها وتقيم أين أصابت وأين أخطأت .
المجلس الثوري لحركة فتح الذي عقد في مارس 2006م في رام الله أصدر بياناً جاء فيه أن فتح قررت عدم المشاركة مع حماس في تشكيل الحكومة الفلسطينية.
في الأيام الأولى لتشكيل حماس للحكومة العاشرة منفردة في مارس 2006 م رغم سعيها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية ظهرت ظاهرة جديدة في الفكر السياسي الفلسطيني تسمى “مدرسة عباس في التآمر على حماس”!
وهدف هذه المدرسة الوحيد – التي رفعت شعار الإدارة الأمريكية والعدو الإسرائيلي بوجوب إفشال حركة حماس في قيادة الشعب الفلسطيني ــ هو تأجيج الكراهية، وممارسة التحريض علي الحكومة الفلسطينية المنتخبة ، والعمل على تطويقها والنيل منها ، تارة بالتحريض عليها، وتارة بالسخرية منها في حملة يومية متواصلة على حماس ورئيس حكومتها ووزرائها في الأجهزة الإعلامية التابعة للسلطة!
لقد صدرت من تلاميذ هذه المدرسة اتهامات ضد حماس لم تصدر عن أعتى عتاة الليكوديين في إسرائيل، ولا عن رمز من رموز المحافظين الجدد في أمريكا الذين يملأهم الحقد على الفلسطينيين.
أحد تلاميذ مدرسة عباس وصف فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية بالنكبة الكبرى! وشبهها بنكبتي فلسطين في العامين 1948م و1967م ؟
ووصل الأمر بأحد هؤلاء التلاميذ الفاشلين إلى المسارعة ــ حتى قبل إعلان النتائج الرسمية ــ إلى إعلان مقاطعة الحكومة الفلسطينية، ومنهم من اعتبر الالتحاق بالحكومة ” عارًا ” يلاحق أي ” فتحاوي “، ومنهم من هدد بقتل كل من يحاول كسر احتكار فتح لأجهزة الدولة!
أحدهم لطم الخدود وشق الجيوب على “أوسلو” و”خريطة الطريق”، والآخر لم ينشغل إلا بالإلحاح على حماس للاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح المقاومة!
في اليوم التالي لفوز حماس صرح تلميذ من تلاميذ عباس بأن القيادة والسلطة عملت كل ما بوسعها، ولكن الشعب لم يقنع بما قسمه الله له، ولهذا إن طالبنا بالتغيير فيجب أن نغير الشعب!
بل وصلت الوقاحة بأحدهم إلى اتهام شعبه بـ ” العلمانية ” متنبئـًا بسقوط الحركة على يد الشعب العلماني بعد أشهر قليلة، وعودة حركة فتح إلى السلطة من خلال تلغيم الطريق أمام حماس لإفشال مهمتها، ومن ثم دفع محمود عباس إلى الدعوة لإجراء انتخابات جديدة بدعوى أن حماس لم تتمكن من النهوض بمسؤوليات الحكم التي أنيطت بها!
ولم يتوان عباس لتحقيق هدفه بإسقاط الحكومة التي وصفها بالارهابية، فعمل على إقامة حكومة موازية بديلة للحكومة المنتخبة التي شكلتها حماس وفازت بثقة المجلس التشريعي، ( حيث واجهت حصارا خانقا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية ) من خلال بعض التعيينات والمراسيم التي جردت الحكومة المنتخبة من أي صلاحيات، ومن اتخاذ إجراءات يومية وقرارات تعسفية لسحب صلاحيات الحكومة وحرمانها من كل الأدوات التي تمكنها من العمل والإنجاز وتوفير حاجات المواطنين ومحاربة الفساد والفلتان الأمني، وجعل الأمن والمال والإعلام والمعابر والسفراء والوظائف العليا بيده شخصيـًا.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل ظهر تيار إنقلابي وإستئصالي في حركة فتح من عصابات من القتلة والفاسدين والمفسدين والمخربين تحت مسميات ” فرقة الموت ” ، و “فرقة جهنم ” من أجل إسقاط الحكومة الفلسطينية بالسلاح بعد أن فشل مخططهم بإسقاطها بالحصار المالي والاقتصادي والمظاهرات والمسيرات المسلحة المخطط لها في الأقبية السرية للأجهزة الأمنية والإضرابات وحرق المؤسسات المدنية والوزارات واختطاف النواب وحشد الأدوات الإعلامية الرخيصة والصحف الصفراء لترويج حربهم الإعلامية ضد حماس!
نستطيع أن نكتب مجلدات عن ممارسات الأجهزة الأمنية لإسقاط حماس، وحالة الفلتان الأمني والفوضى الأمنية المنظمة التي اجتهد القائمون عليها من مسؤولي الأجهزة الأمنية والتابعين لهم أن يجعلوا من قطاع غزة ساحة حرب مفتوحة للقتل اليومي، وقد أحصت منظمات حقوق الأنسان مئات الحوادث لإطلاق النار التي أسفرت عن سقوط مئات المواطنين بين قتيل وجريح.
ست وسبعون شهيداً وأكثر من 500 جريح هم حصيلة عمليات الإعدام وإطلاق النار المباشر التي استهدفت الملتحين وأبناء وأنصار حماس من 8 / 4 / 2006 م إلى 14 / 6 / 2007 م وغالبية الشهداء مدنيون عزل جرى إعدامهم بشكل مباشر ورغبة الانتقام والحقد على الموحدين، وعدد منهم جرى اغتيالهم عقب اتفاقات وقف إطلاق النار التي كان يتم التوصل لها، أو بهدف نقل بؤر التوتر والفتنة لمناطق جديدة من قطاع غزة .
الأخ خالد مشعل
إن الفلسطينيين جميعا سيذكرون بفخر وامتنان يوم 14 من يونيو/ حزيران 2007 م في غزة باعتباره محطة لوقف الانقلاب على الشرعية، وأن حماس اضطرت إلى الحسم العسكري في غزة اضطرارا دفاعا عن الدم الفلسطيني، ولوقف الفلتان الأمني وحماية التجربة الديمقراطية.