شعار المتحكمين: من أجل مجتمع مدني أليف، يقول للباء تاء وللتاء ألف!
مفهوم الديمقراطية لدى المجتمع المدني يعـد مفهوما جوهـريا ومحوريا ضمن انشغالات هيئات المجتمع المدني، وركيـزة أسـاس فـي قوانينها الأساسية،هذه المؤسسات منذ نشأتها وهي تناضل وتسهم في بناء مجتمعاتها وتلعب أدوارا فاعلة وريادية في عمليات التغيير الاجتماعي والتحول السياسي والنبوغ الثقافي، وعليه، فكلما تطورت مؤسسات المجتمع المدني في هذا الاتجـاه، تأكدت مساهمتها فـي بلورة وبناء الأسس الديمقراطية لكل تغيير محتمل على مستوى هياكل الدولة القائمة أساسا على المأسسة، حيث يتعزز وجود المجتمع المدني المتطور والمؤسس على فعل الحرية والمبادرة والنزوع إلى العمل التطوعي، فما الذي يبرر لجوء بعض رجال السلطة بالمغرب إلى المنع والتحكم والتضييق؟
هل يريدون مجتمعا مدنيا، مطيعا، لا يفكر ولا يبدع! يسبح بحمدهم.. ويلهج بذكرهم… ويتلقى الأوامر من عندهم؟. لست أدري ما الذي يبرر هذا التضييق ونحن في المغرب الذي يشكل استثناء إيجابيا في التحول الديمقراطي؟. هل يردون العودة بالمغرب إلى الوراء، وخلق المعارك الهامشية، والصراعات التي لا يستفيد منها أحد؟. نحن نريد مغربا قويا بكل مكوناته؛ بمجتمعه المدني، اليقظ والفعال, وبسلطته العادلة والمواطنة، التي تحكم ولا تتحكم؛ تدير الأزمات ولا تختلق الصراعات؟.
إننا في المجتمع المدني نريد أن نبني شراكة حقيقية، واضحة ومنظمة كركن أساسي في بناء وترسيخ ثقافة دولـة المؤسسات، حيث تبرز العلاقة الوطيدة بين هيئات المجتمع المدني وآليات التحول الديمقراطي، وتظهر بوضوح متانة العلاقة أيضا بين مقولتي: ” الديمقراطية والمجتمع المدني ” حيث إن الديمقراطية تتبلـور إلى جملة قواعد وأسس لممارسة سلطـة الحكم، مع التوفر على آليات البناء والمأسسة المستمرة لتدبير الاختلافات بطرق سلمية ومرنـة، وبناء التوافقات حـول القضايا المختلف بشأنها, وهو الشيء الـذي نعتبره بعدا معياريا للمجتمع المدني؟.
غير أننا في الآونة الأخيرة، بدأنا نسمع هنا وهناك عن سلوك لا ديمقراطي يمارسه بعض رجال السلطة، في التضييق على الحريات ومنع بعض الجمعيات من أداء واجبها في تأطيـر المجتمع وإعـداد الطاقات الشابة، مما يسهــل عمليـة ادماجها فـي الحياة السياسية والاقتصاديـة فـي البلـد، وهـو الأمر الذي بات يقلق راحة بعض المسؤوليـن فجعلهـم يضيقـون ويمنعون بطرق مختلفة ضدًا على كل القوانين الجاري العمل بها؛ فأية شراكة، وأية ديمقراطية هذه؟ وأين هي الأدوار المتقدمـة التي خولها دستور 2011 للمجتمع المدني؟ وكأني بهؤلاء المتحكمين يقولون لا تتعبوا أنفسكم أيها الفاعلون المدنيون، أيها الجمعويون، أيها الحقوقيون، لاتبحثوا في قواميس اللغة عن معنى المجتمع المدني ولا عن أدواره, فنحن من يحدد المعاني ويفصّل الأدوار, وينتقي المعايير ويختار! نحن نريد مجتمعا مدنيا أليفا، يقول للباء تاء وللتاء ألف.. بمعنى آخر يسمي الأشياء بغير مسمياتها. نريد مجتمعا مدنيا، مطواعا ولأوامرنا سمّاعا، نريد مجتمعا مدنيا، يأتمر بأمرنا ويسير وفق رغبتنا. نريد مجتمعا مدنيا على المقاس، نؤسس به المشهد ونخاطب من خلاله الناس!
سألتهم في دهشة: وماذا عن الديمقراطية؟
فأجابوا: نحن من منحكم إياها، وسنسحبها منكم متى شئنا، فالديمقراطية كالدواء، له مدة صلاحية فإذا تم تجاوزها يتم سحبه من الأسواق، كـل ذلك لأجل مصلحة المواطنين وسلامة أجسامهـم! فـنحن نمنحكم الحريـة إلـى حيـن ثم نسحبها منكم حماية لأمنكـم. نسمـح لكـم بالديمقراطية إذا كان ذلـك يخدمنا، وإذا كان ذلك يخدمكم فلن نقبل بذلك منكم؟
ثم بادرته بالسؤال: من أنتم سيدي؟ فأجاب: نحن في الحقيقة أبطـال الدولة العميقـة، ولعمق رؤيتنا وعـلـو همتنا ومكانتنا، نعـطـل التشريعـات ونصدر التعليمات فمن أطـاع، حفطنا له وده وأبلغناه في المجتمع رشده, وأغدقنا عليه الدعم, ووصفناه بحسن الفهم… ومن خالف التعليمات، عمـقـنا له البحث في الثغرات وصنعنا له المطبات وشددنا عليه التضييقات…هذه هي الديمقراطية عندنا… فكفى من لومنا؟.
ونحن كمجتمع مدني وفاعلين جمعويين وحقوقيين، نقول لهؤلاء: إن زمن التحكم قد مضى إلى غير رجعة, وإننا كمجتمع مدني سنتصدى بقوة لمثل هذه السلوكات المشينة التي تسيء إلى سمعة الوطن، الـذي عرف طفـرة نوعية وقطع أشواطا كبيرة فـي إطـار تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. مجتمعنا المدني راشد ويجعل مصلحة الوطن أولى أولوياته, وقمعكم له لن يزيده إلا عزيمة وثباتا وتشبثه بحقوقه الدستورية دون من ولا صدقة.
…………………………………
رئيس القطب الجهوي للعمل المدني بجهة درعة تافيلالت – المغرب