غزة أرض العزة .. التي طالما تحدث عنها المؤرخون والكتاب منذ القدم. غزة لها تاريخ مجيد في الصمود والتحدي ومقارعة المحتلين على مر العصور. غزة التى قال عنها أبو زيد الهلالي عبارته الشهيرة (غزة غزاها البين) حين عصت عليه ولم يستطع أن يحتلها واندحر.
تعتبر غزة من أقدم مدن العالم ومن أكبر المدن الفلسطينية فهى بوابة آسيا ومدخل أفريقيا. فتحها عمرو بن العاص وحررها صلاح الدين الايوبي عام1187 م في المعركة المشهورة بإسم حطين.
غزة التي كانت بوابة توحيد مصر وبلاد الشام في عهد محمد علي، والتي انهكت جيش نابليون. غزة التي تحدت الإحتلال الاسرائيلي بعد هزيمة 1967 وانتفضت في 1982 ومرة أخرى عام 2000 . غزة التي تمنى رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق إسحاق رابين أن يصحو من النوم ليجدها غارقة في البحر.
غزة التي تحبط كل مخططات الصهاينة للنيل من شعبنا.
هي غزة المدافعة دوماً عن شرف الأمة العربية والإسلامية
ولكن هناك تساؤلات عدة دائماً تراودني سأطرحها عليكم:
– هل حاضر غزة كماضيها؟
– هل الحراك التركي الإيراني يصب في مصلحة القضية الفلسطينية أم ينتقص من الدور السياسي والتاريخي للقضية ويمس القرار الفلسطيني المستقل؟
ـ هل التدخل الإيراني التركي في ملف غزة يعمق الأزمة الفلسطينية الفلسطينية؟
ـ هل توجد بين إيران وإسرائيل وتركيا مصالح وأهداف مشتركة بعيدة كل البعد عن القضية الفلسطينية؟
– هل أصبحت غزة رصيدا استراتيجيا تتلاعب به أنقرة وطهران؟
– هل أصبحت المصالحة شأناً تركياً إيرانياً غير خاص بالأحزاب الفلسطينية؟
– ما الثمن السياسي الذي سيدفعه الفلسطينيون إن وافقت إسرائيل على مشروع ميناء ومطار غزة؟
– ما الفائدة من تقارب بعض الفصائل الفلسطينية من طهران وأنقرة؟
– أأصبح القرار الفلسطيني يباع في المزادات الدولية؟
– هل أصبحت غزة أرجوحة تلهو بها الأجندات الخارجية؟
لو عدنا قليلاً إلى ماضي كل من إيران وتركيا مع الكيان الاسرائيلي لأدركنا أن هناك مصالح مشتركة تجمعهم منذ عقود.
نظرة على العلاقات التركية الاسرائيلية
العلاقات التركية الاسرائيلية قائمة منذ 1949 وتركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالكيان الإسرائيلي ومنذ ذلك الوقت أصبحت اسرائيل المورد الرئيسي للسلاح لتركيا، ويوجد تعاون وثيق ومهم بين الطرفين في المجالات العسكرية والدبلوماسية والاستراتيجية، علماً بأن تركيا واسرائيل تتفقان حول الكثير من الاهتمامات المشتركة في القضايا التي تخص الشرق الأوسط، وبرغم التوترات بين الطرفين خاصة بعد حادثة سفينة مرمرة التركية التي كانت تحمل مساعدات إلى غزة وقتل تسع أتراك على متنها إلا أن العلاقات التجارية بين البلدين كانت في أوج ازدهارها في تلك المرحلة، وتشير تقارير بأن الجنود الأتراك يتدربون داخل النقب على استخدام الطيارات بدون طيار. كما يوجد مستشارون عسكريون إسرائيليون في القوات المسلحة التركية, كما تعتمد تركيا بشكل كبير على الدعم الفني الإسرائيلي، حيث تعتبر إسرائيل مصدرًا للتقنية العسكرية لتركيا.
وبعد عامين على حادثة مرمرة، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو اعتذاراً نظيره التركي رجب طيب أوردغان على الهجوم، وتعهد بدفع تعويضات لأسر الضحايا، مقابل الاتفاق على عدم ملاحقة أي جهة قد تكون مسؤولة عن الحادث قانونياً, وذلك خلال مكالمة هاتفية شجع عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
أدهشني حقاً حل الأزمة بمكالمة، ليت الطرفين الفلسطينيين المتصارعين على السلطة، حلا ازمتهما بمكالمة هاتفية لكن من الواضح أن الطرفين ليست لديهما مصالح مشتركة (الوطن؟).
نجحت اسرائيل في بناء علاقات ذات طابع استراتيجي مع تركيا لتعويضها عن العزلة الاقليمية, كما تعتبر تركيا أكبر مستورد للمنتجات الإسرائيلية حيث يبلغ حجم ما تستورده من السلاح مليار دولار سنوياً، وتحولت أجواء تركيا ومياهها الإقليمية الى مساحات تدريب لسلاح الجو والبحرية الإسرائيلية وما زاد الطين بلة عندما وصل أوردغان للحكم أنه حرص على الحفاظ على العلاقة مع اسرائيل وزارها وزار ما يعرف بمؤسسة “الكارثة والبطولة”، التي تخلد ذكرى اليهود الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية، علماً بأن أردوغان لم يكن أول قائد تركي يوجه انتقادات لاذعة لإسرائيل فقد سبقه زعماء علمانيون؛ فرئيس الوزراء الأسبق بولانت أجاويد وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق شارون بالإرهابي, والرئيس التركي الأسبق سلمان ديميريل ظل يحمّل اسرائيل المسؤولية عن فشل جهود التسوية، علما بأن العلاقات الإستراتيجية مع اسرائيل بلغت في عهد أجاويد وديميريل مستويات غير مسبوقة، كما بلغت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين خلال فترة القطيعة الدبلوماسية بعد حادثة مرمرة أعلى مستوياتها.
من الواضح أن تركيا بحاجة لاسرائيل واسرائيل بحاجة لتركيا.
إسرائيل منذ تأسيسها ركزت على وجود أصدقاء لها في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت تركيا تعتبر إسرائيل البوابة الرئيسية للتواصل مع الدول الكبرى في العالم، فالطرفان بحاجة ماسة لبعضهما البعض، حيث قدمت إسرائيل اقتراح التعاون مع الأتراك في البحث عن الغاز ومصادر الطاقة الاخرى في حوض البحر المتوسط الى جانب نقل الغاز الإسرائيلي الى اوروبا عبر انبوب يمر بتركيا. مع العلم ايضاً تركيا ترغب في لعب دور الدولة الضامنة لوصول الطاقة الى أوروبا، ومع كل هذه العلاقات والمصالح المشتركة بين الطرفين.. أين غزة بينهما؟ أم غزة ميناء عائم في بحر المصالح التركية الإسرائيلية الذي يعزز حالة الانقسام والتشرذم وينهي حلم الدولة الفلسطينية.
للتذكير فقط تركيا في الماضي لعبت دوراً كبيراً في فتح الباب للنفوذ الصهيوني للتدخل في بلاد القوقاز حيث استطاعت العديد من الشركات الصهيونية بدعم وغطاء من الشركات التركية أن تبدأ مشاريع ضخمة في بلاد القوقاز، بعد أن مهدت تركيا الطريق لإسرائيل للدخول بقوة, وخاصة أن تركيا لها علاقات قوية مع هذه الدول ذات الأغلبية المسلمة.
بعد هذا التاريخ الطويل للمصالح المشتركة بين البلدين، أيعقل أن تكون غزة بمثابة حجر عثرة بين الطرفين؟.
العلاقات الإسرائيلية الإيرانية
ولو تحدثنا عن العلاقات الإسرائيلية الإيرانية، لوجدنا ان إيران من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وتوجد علاقات بين البلدين منذ أمد بعيد، حيث كانت إسرائيل تمد إيران بالسلاح أثناء الحرب العراقية الإيرانية ومدتها حينها بألف مستشار وفنى إسرائيلي، وتشير تقارير بأن هناك اتصالات سرية بين البلدين تتم خلف الكواليس، فالعلاقات بينهما تبدو ملتهبة على السطح، دافئة على أرض الواقع، لكن من خلف الستار لما بينهما من مصالح مشتركة، لا تعكسها الشعارات والخطابات النارية بينهما، ودليل ذلك عدم لجوء الطرفين الى استخدام وتطبيق مايعلناه من تصريحات، كما أن الدولتين تتشابهان في العديد من المحاور؛ فكلتاهما تريد أن تكون متفوقة على جيرانها العرب وترغب في الهيمنة على المنطقة وحين تصرح صحيفة هأرتس بأن هناك مصالح مشتركة بين إيران وإسرائيل وأن عبارات العداء ما هى إلا شعارات سياسية, اذن الهدف من تلك التصريحات الايرانية، خلق شعور عربي جامع معادٍ لاسرائيل بزعامة إيران، ودليل ذلك أن الساسة الايرانيين يتسابقون في اطلاق التصريحات المعادية مثل (ينبغي إزالة اسرائيل من على الخارطة)( ينبغي عودة اليهود إلى مواطنهم الأصلية)، أيضا الساسة الاسرائيليون يصدرون تصريحات مشابهة يطالبون فيها بالقيام بعملية عسكرية ضد طهران، ومع كل ذلك اسرائيل تستورد النفط الايراني ولكن بطريق غير مباشر عبر اوروبا، وإيران تستورد قطع غيارٍ للمعدات الزراعية بصورة غير مباشرة من اسرائيل، وأخيراً قبل يومين أدهشني خبر تناولته وكالات أنباء عدة بأن ايران واصلت إطلاق صواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى خلال تدريبات عسكرية، وكتب على الصواريخ: “يجب إزالة اسرائيل من الوجود” ، أليس من المضحك المبكي عندما تفكر دولة أن تحارب أعداءها أن تكتفي بكتابة العبارات العدائية على صواريخها دون أن تصل إلى العدو؟ فلو كانت إيران تريد حقا إزالة اسرائيل وتحرير فلسطين لماذا الانتظار؟ يجب على ساستنا الفلسطينيين أن يدركوا أن الرهان على تركيا وايران رهان خاسر، وعليهم التمسك بفلسطنة القرار الفلسطيني وإنهاء الانقسام حتى لا تبقى غزة ارجوحة في الملاهي التركية الايرانية .