لو كان انقلاب 3 يوليو 2013م في مصر, انقلابا على فريق لصالح فريق آخر وكلاهما أصحاب مشروع واحد وانتماء لحضارة واحدة لهان الأمر وخفَّ المصاب، فقد حدثنا التاريخ عن انقلاب العباسيين على الأمويين، وحلول المماليك محل الأيوبيين، وتسلم العثمانيين راية الخلافة من العباسيين، لكن كان الجميع يسعى لتحقيق غاية واحدة، فالجميع حريص على إعلاء الشريعة، والجهاد في سبيل الله، حريص على تشجيع العلماء، وعلى القيم والأخلاق النابعة من ديننا وحضارتنا، حريص على لغتنا العربية؛ لغة الدين والحضارة, وعلى مصلحة البلاد والعباد حتى لو جانبه الصواب في بعض الأمور.
لكن ما رأيناه في انقلاب 3 يوليو ليس انقلابا على فريق من الناس فقط، ما رأيناه هو انقلاب على القيم والأخلاق، وها نحن نرى كيف يُفسحون المجال لنشر ثقافة التهتك الأخلاقي وانحدار القيم، كيف يُعلون من شأن ثقافة البلطجة، وكيف يحاربون تعاطي المخدرات والمسكرات بأفواههم ويشجعون عليها بفعالهم من خلال مسلسلات وأفلام وبرامج وحوارات ونقاشات.
ها نحن نرى المسلسلات التي يتابعها المصريون في بيوتهم مليئة بمشاهد العري والعنف، وتعظيم ثقافة الخروج على القانون بأساليب مثيرة ومشوقة، حتى لو أظهروا في ثنايا المسلسل أنهم يرفضون ذلك.
نراهم الآن يطعنون في ثوابت الدين، وياليتهم حين يطعنون في ثوابته يفسحون المجال للرد عليهم، بل يكتفون بإحضار مشايخ للرد تؤيد أقوال الطاعنين في الدين والعقيدة أكثر مما تدافع عنهما.
رأيناه أيضا انقلابا على الثوابت الوطنية، فقد خانوا بلدهم في قضية مياه النيل، وفرطوا في الأرض التي مات جنودنا من أجلها، ولا يجيزُ الدستورُ الذي وضعوه التنازل عنها، ونسمع الآن من إسرائيل من يقول أن السيسي وافق على التنازل عن جزء من سيناء لإقامة وطن فلسطيني مقابل احتفاظ إسرائيل بالأراضي الفلسطينية التي احتلتها بسبب خيانة أسلاف هؤلاء.
رأيناه أيضا انقلابا على الاحتياجات الأساسية للشعب، فبينما يتنفس الشعب من ثقب إبرة من أجل تحصيل لقمة عيشه، تُغْدَق الأموالُ بلا حساب على أركان الانقلاب من ضباط وقضاة وإعلاميين ورجال أعمال وبرلمانيين، وبينما تضيق فرص العمل أمام الشباب نرى العسكر يستولون شيئا فشيئا على مقدرات البلاد الاقتصادية والإعلامية والسياسية وحتى التعليمية، فقد سمعنا من ينادي بضرورة سيطرة العسكر على التعليم بحجة ضبط العملية التعليمية .
رأيناه أيضا انقلابا على روابط الأخوة التاريخية والدينية والقومية، فقد صارت حماس عدوا يجب محاربته، وإسرائيل صديقا يحرصون على رضاه ومودته.
نحن إذن نعيش زمن الانقلاب على كل شيء, وعصر الانحدار في كل شيء.
لا أدري هل يشعر الانقلابيون أنهم – بما يفعلون – يقودون البلاد إلى انتحار جماعي أم لا؟ أم أنهم – كما يقول البعض – يقصدون ذلك ويتعمدونه؟
لازلت أذكر أحد حوارات السيسي وهو مازال وزير دفاع في فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي القصيرة، وهو يتحدث عن خطورة استخدام العنف مع أهالي سيناء، وكيف أن ذلك يضع بذرة انفصال سيناء عن مصر، وذكر مثلا بقضية جنوب السودان كيف أن المشكلة بدأت منذ زمن بعيد يمتد إلى خمسين عاما مضت، أي أنه يعي مخاطر ما يحدث في سيناء، ويعي تماما أن استمرار الظلم الذي يوقعه بأهلها سيؤدي عاجلا أو آجلا إلى ظهور من يطالب بفصلها عن مصرنا، وبالطبع سيكون هناك من سيقدم لهم السلاح والتدريب والدعاية الإعلامية العالمية, وسيكون هناك من سيتبنى مطالبهم في المحافل الدولية المختلفة، مثلما حدث في جنوب السودان.
فهل سنبقى صامتين نائمين خائفين حتى يأتينا الموج العاتي ليكتسحنا اكتساحا، أم يجب علينا النهوض وبذل الجهود لحماية أرضنا وديننا وشعبنا وقيمنا وحضارتنا؟
هل سيكتب عنا التاريخ أننا كنا رجالا لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبدا على رأي الفسدة، أم سيكتب أننا أضعنا كل شيء بخوفنا وصمتنا ورضانا بالحياة الذليلة؟