مثلت محاكم التفتيش الإسبانية التى لم تبقِ على طفل أو رجل أو شيخ أو أمرأة, واحدة من أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية، تماما مثل ما يجسده النظام العسكرى الحالي في مصر, فهو يسطر بدماء الشعب المصري أسوأ فصول التاريخ فى العصر الحديث، حتى أصبح لا يعرف إلا لغة واحدة تجاه الشعب كله؛ لغة “الضرب”، وكأنه وُجد أولا, ومن ثم سمح للشعب أن ينبت فى الأرض، فلا صوت يُسمع سوى صوته، ولا قلم يكتُب إلا فى مدحه، وأصبح صوت الكتابة على لوحة الكمبيوتر بمثابة طلقات تؤرقه ليل نهار, فاتجه نحو إعادة عصر محاكم التفتيش, لكن فى صورة ” محاكم التفتيش الإلكترونية”.
السيسي يعادي مواقع التواصل الاجتماعي ويخشاها, لذا اتجه بقوه إلى معاقبة كل منتقديه حتى وإن اضطر ليصبح أضحوكة العالم بسبب تسخير بعض رجال القضاء فى إصدار أحكام فى مدة لا تتجاوز الخمسة أيام حتى يحكم على من يدافع عن أرضه بالسجن خمس سنوات دون أوراق أو أسباب أو حيثيات للحكم.
أصبحت شبكات التواصل الإجتماعى بالنسبة للانقلاب بمثابة العدو الأول, فكرس إعلامه لتشويهها, ونوابه فى برلمانه غير الشرعي لتجريمها, وقضاة لا يعرفون إلا طريق المال لمعاقبة كل من يتجرأ وينطق أو يكتب حرفًا, حتى أن محمد فرج عامر؛ رئيس لجنة الشباب والرياضة في برلمان السيسي غير الشرعي اعتبر أن شبكات التواصل الاجتماعي أخطر من القنبلة النووية!.
حق التعبير مكفول قانونا
حق التظاهر والحق في التعبير هو حق ممنوح لكافة البشر وفقًا للمادة ٢١ من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، “يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تُفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”.
مقصلة “فيسبوك” تطيح بالإعلامية فادية الغزالي
بدأت الشؤون القانونية باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري التحقيق مع الإذاعية فادية الغزالي حرب، مذيعة شبكة الشرق الأوسط، بتهمة “استعداء الدولة وترويج الأفكار الهدامة”، بسبب ما كتبته على صفحتها الشخصية عبر “فيسبوك”.
وكانت إدارة التلفزيون قررت إيقاف فادية الغزالي عن العمل، بناءً على مذكرة قُدمت ضدها من مدير أمن الإذاعة يتهمها فيها بتبني أفكار هدامة.
ويأتي قرار الإيقاف بعد 20 عاماً من العمل أمام ميكروفون الإذاعة المصرية، قضتها حرب، بين جنبات إذاعة “الشرق الأوسط”.
وعلقت فادية الغزالي على قرار وقفها، بأن ذلك يعكس مدى التدخل الأمني والتضييق على الحريات للعاملين بالإعلام الرسمي.
وكتبت، عبر حسابها الخاص على “فيسبوك”، أن ما حدث جاء بناء على مذكرة قُدمت ضدها من مدير أمن الإذاعة يتهمها بتبني أفكار هدامة, واستدل على ذلك بآرائها وأفكارها التي تعبر عنها عبر حسابها الشخصي، مشيرة إلى أن مدير أمن الإذاعة دخل على حسابها وطبع ما تكتبه ووضعه في ملفٍ كدليل إدانة”.
وكان آخر ما تناولته عبر صفحتها على “فيسبوك”، تضامنها مع الناشطة سناء عبد الفتاح، موجهةً انتقادات لاذعة للدولة حيال تعاملها مع الشباب المحبوسين بتهمة خرق قانون التظاهر.
ويدل ما قامت به سلطات الانقلاب تجاه الغزالى على أن هناك حالة “فوبيا” تزايدت بقوة في الفترة الأخيرة تجاه شبكات التواصل الاجتماعي, وما يحدث يعد مؤشرا خطيرا على توسع سلطات الانقلاب في مراقبة المصريين بشكل هستيري.
عزل القضاة
من الإعلام إلى منبر القضاء حيث قرر وزير العدل حسام عبدالرحيم إحالة 4 قضاة إلى التفتيش القضائي بالوزارة، على خلفية تقارير لجنة متابعة صفحات التواصل الاجتماعي “فيسبوك وتويتر”، والتي زعمت أنهم أبدوا آراء سياسية حول أزمة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير فيما عرف بإعادة ترسيم الحدود مع السعودية.
وأشار مصدر قضائي، في تصريحات صحفية، إلى أن وزير العدل أرسل طلباً للمجلس الأعلى للقضاء لندب قاضي تحقيق مع 6 مستشارين آخرين، لأن درجاتهم الوظيفية أعلى من درجة قاضٍ، موضحاً أن المجلس اتخذ عدة قرارات بشأن صفحات القضاة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح المصدر أن القضاة العشرة عبّروا عن رأيهم بشأن العديد من القضايا السياسية التي أثارت موجة من الجدل في الشارع المصري مؤخراً، بما يمثل مخالفة لقرار المجلس الأعلى للقضاء الذي يحظر على القضاة الاشتغال بالسياسة.
ونفهم من هذا الإجراء أن صفحات القضاة على شبكات التواصل الاجتماعي تخضع للمراقبة المستمرة والدقيقة, وهذا يدعونا للتساؤل عن موقف المجلس الأعلى للقضاء من تصرفاتٍ أخرى لقضاة آخرين تعتبر مخلة بالشرف, وخادشة للحياء, ومنافية للفضيلة, ومع ذلك لم يتخذ حيالها أي موقف.
أطفال الشوارع
واستكمالا لفكرة الإرهاب والترهيب الذى يمارسه النظام تجاه المصريين لم تتحمل سلطات الإنقلاب فيديو لا تتعدى مدته خمس دقائق, عبّر من خلاله شباب مصريين عن دفاعهم عن جزيرتى تيران وصنافير التى تنازل عنها قائد الانقلاب للسعودية، فقام بحبس 6 شباب مصريين أطلقوا على أعمالهم فرقة “أطفال شوارع”.
سلطات الانقلاب تريد أن تبعث رسائل بأن مواقع التواصل تحت المراقبة وسيتم معاقبة كل من ينتقد، وأنها سوف تتوسع في هذا الإجراء مستقبلا في محاولة لإرهاب المصريين للكف عن انتقاد سلطة الانقلاب.
فهي تدرك الدور الكبير الذي لعبته مواقع التواصل في ثورة يناير مما يؤكد خوف النظام الشديد من استعادة شبكات التواصل هذا الدور لإعادة إحياء الثورة من جديد.
مفاجأة
أصبح قانون معاقبة وتجريم مستخدمى شبكات وسائل التواصل الإجتماعى واحدًا من القوانين الأولى التى يتحدث البرلمان عن إصدارها، ويطلق عليه “قانون تنظيم استخدام مواقع التواصل الاجتماعى”.
وبعد مطالبة برلمان السيسى بإغلاق مواقع التواصل الإجتماعى فى مصر صرح رئيسه “إن البرلمان بصدد إصدار قانون لتنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعى”.
ويتجه مجلس نواب الانقلاب لإقرار قانون يعاقب مستخدمي الشبكات بعقوبات تصل إلى المؤبد والإعدام!
علمًا بأن الشباب المصري يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها إعلامًا بديلًا يتميز بالسرعة في نقل الوقائع والأحداث السياسية الجارية، ويُوثِّق الأخبار بالوسائط المتعددة، ويُعدُّ أكثر انفتاحًا على حرية الرأي والتعبير، ويُعبِّر عن مختلف فئات وشرائح المجتمع على الرغم من حالة الاستقطاب التي يواجهها، بينما تراجعت قيمة الإعلام التقليدي لكونه إعلامًا رسميًّا حكوميًّا لا يعالج الموضوعات الشائكة والحساسة.
ويعتمد مستخدمو هذه الشبكات عليها, كونها وسيلة تؤكد على ديمقراطية الاتصال وتسمح بالتفاعل مع الأحداث الجارية, ولا تخضع للرقابة أو سيطرة الحكومات، وتُفسح المجال لإنتاج محتوى يتضمن الأهداف التي دفعت نحو القيام بثورة 25 يناير, من عدالة اجتماعية وحرية وكرامة إنسانية وديمقراطية ووحدة وطنية وإصلاح سياسي واجتماعي.
بداية الخطر
زاد خطر شبكات التواصل على سلطان الانقلاب الحالى حينما بدأ نشطاء شبكات التواصل تفعيل “هاشتاج” يتضامن مع المعتقلين السياسيين فى مصر، وكان آخرها “هاشتاج” سجن العقرب الذى وضع الإنقلاب فى أسوأ صوره أمام الرأى العام.
ولا تتوقف الانتهاكات التي تتم بحق المعتقلين بسجن العقرب عند كونه سجنا “سييء السمعة”، يُطلق عليه “المقبرة”، إذ يعاني من وقع في براثن الاعتقال فيه من انتهاكات حقوقية وإنسانية جسيمة بدءًا من الزنازين الخرسانية التي تأكل أجساد المعتقلين وتفتقر للتهوية، إلى منع الطعام والشراب والأدوية ومنع الزيارات عنهم.
وبات الشعب المصرى – إلا أصحاب المصالح وهم قلة – يعرفون أن النظام؛ بكونه نظاما عسكريا, لا يفقه غير لغة القوة والقمع، وأن أي مستقبل لمصر لا يجب أن يمر عبر حكم ديكتاتوري عسكري، وأن الأنظمة العسكرية تزيد من “تخلف” البلد وليس العكس.