أتشرف بأن كانت آية كريمة عنواناً أساسياً لكلماتي هذه، بخاصة أني أرجو أن تكون نبراساً لكل من تسول له نفسه التعرض لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأردد مع الشاعر:
وما مدحتُ محمداً بمقالة .. ولكن مُدحتْ مقالتي بمحمد
ويلزم أن أقدم نقاطا مهمة هنا، أعرف وأعلم أن قصة حوار الزند مع حمدي رزق على قناة صدى البلد مساء الجمعة الماضي 11 من مارس ما هو إلا فقاعة، بل إنه كان مقدراً لها أن تكون إحدى “اشتغالات” النظام الانقلابي المصري .. ولكن:
تقفون والفلك المسخر دائر .. وتقدرون وتضحك الاقدار
“1”
لم يكن السياق في الحلقة التي قدمها “حمدي رزق” يحتمل ذكر سيدنا محمد من الأساس، أو حتى المتوقع لا من قريب ولا من بعيد، ولكن لربك، سبحانه تدابير تعجز عنها العقول والأفهام، وإذا أراد فأمره بين الكاف والنون.
قدر الزند أنه في موقف بطولة نادرة، فهو رغم فضائحه وسوابقه، ورغم علم قائد الانقلاب ونظامه البالغ الفساد والإفساد بالقضايا التي تمس الشرف والأمانة التي تلاحق “الزند” إلا أن السيسي في تحد جديد لإرادة المصريين عينه وزيراً للعدل، رغم استيلائه على أراضٍ وغيرها، ورغم أنه في عهد الرئيس محمد مرسي حرض الغرب على مصر، وطالبه بالتدخل لإقالة رئيس منتخب بإرادة جموع المصريين، وبالديمقراطية والصندوق الانتخابي النزيّه.
وطالما جاء رجل مثل الزند وزيراً انقلابياً للعدل، رغم طرده من منصب قاضٍ بالإمارات سابقاً، وهو جزء من تاريخه الملوث، وعمله كإمام بأحد مساجد إمارة رأس الخيمة، وهو شرف لا يدركه مثله، ومن قال إن الذي لم يصلح للقضاء يُعين في الإمامة بالمساجد!
الموقف واضح إذن .. الرجل منذ جاء يتحدى لتصفية خصومة، ويسخر القضاء المصري لمصالحه الخاصة، وعلى “عينك يا تاجر” كما يقول المصريون، وهو في نفس لقاء رزق يقول:
ـ لماذا لا أحبس الصحفيين فهناك قضاة يسجنون!
ولعله يقصد القاضي الفاضل الذي سجن في قضية بيان رابعة المستشار” أمير عوض” في 21 من فبراير الماضي، إذ إنه في سابقة نادرة تاريخياً أصدر رئيس مجلس تأديب القضاة أحمد جمال الدين عبداللطيف قراراً بسجن قاضٍ مثله لأيام بتهمة إهانة القضاء!
“2”
نحن أمام الزند وقد ظن أن مصر قد دانت له. في عهده يتم سجن القضاة الأشراف، وهو يستولي على المال العام كما يريد، و”يلعب” في السياسة كما يحب، ويسجن الأمناء بنفس التهمة التي أدمنها، بل هو يوزع المال العام على أهله وحماه وغيره كما يحب دون حسيب أو رقيب، ولم يستحيي من القول بأنه وأمثاله الأسياد فيها, وغيرهم هم العبيد، أي أن الشعب المصري في صورته الشريفة النقية اليد والقلب واللسان عبيد لديه، بل تمادى في الانحياز والجبروت فقال إنه لن يشفي غليله سوى قتل عشرة آلاف أمام كل ضحية للشرطة أو الجيش، والرقم الذي بالآلاف من الإخوان تحديداً، وكأنهم ليسوا بشراً مثله اختلفوا معه في الرأي والتوجه، مع إدانتنا بالطبع لمقتل كل إنسان من هنا وهناك، إلا وفقاً لشرع الله ثم القانون الصحيح، وهو مفترض أنه وزير لـ”العدل” لا يخجل من ذلك القول الذي يدعو فيه إلى حرب أهلية في مصر، والغرض استئصال الشرفاء في صورة الإخوان، وهم الذين مهما اختلف معهم صاحب هذه الكلمات لا ينكر أفضالهم على مصر، والزند القائل منذ أيام إنه في سبيله إلى سنّ قانون يحاسب فيه والديّ “الإرهابي” من وجهة نظره هو.
إذن فـ”من مأمنه يؤتى الحذر”، الرجل امتلأ وقارب الانفجار، والانفجار يساوي أن صحفياً أو اثنين استخرجا شهادة ميلاد لحماه في سبيل إثبات تربحه من خلاله، ولإثبات القرابة، وثوثيق أنه اغتصب أرضاً للدولة فيما يُعرف بقضية نادي قضاة بورسعيد، وعلم الزند فطار صوابه:
“وتقدرون وتضحك الاقدار”
كما قال وأبدع أبو العلاء المعري، رحمه الله.
“3”
ـ تسجن صحفيين إذن؟!
ـ أسجن من يتعرض لي .. ولو كان النبي، استغفر الله!
قالت العرب:
“مهما أضمر امرؤ من أمر فإنه يبدو في فلتات لسانه”!
قال البعض، ومنهم علماء دين وأدعياء:
ـ الرجل لم يكن يقصد .. لذا استغفر!
ومرت الجملة على حمدي رزق في البرنامج، وكان يلعب دور المذيع فيه، ببرد وسلام نادرين على قلبه:
ـ أسجن أي حد .. ولو كان نبي .. صلى الله عليه وسلم .. استغفر الله العظيم ..
في البداية كان “نبي” ولم يحدد الزند أي نبي .. أي نبي، ثم تطور الأمر للنبي، صلى الله عليه وسلم، ولما أفلت الامر من يده، فهو على الهواء مباشرة استغفر، ثم في اليوم التالي لما تصاعدت الامور قال:
ـ أثق في أن الرسول سيقبل اعتذاري كما قبل اعتذار “كفار مكة” يوم فتحها!
“باظ النظام” الخاص بالرجل تماماً فصار يقر بأنه مثل قريش يوم فتح مكة ممن لم يكونوا مع الرسول العظيم طبعاً .
وقال الشيخ الشعراوي، رحمه الله:
ـ دليل طيبة قلب محدثك أن عزمَ الشرِ لديه يبدأ كبيراً ثم يصغر، ودليلُ فسادِ القلب أن يبدأ الشرُ فيه قليلاً ثم يعلو، نبي .. ثم النبي، ثم يقبل اعتذاري كما قبل من “كفار قريش”.
“4”
كان الانقلاب والأجهزة السيادية وعلى رأسها السيسي ينوي ترك الزند يفتعل المشكلات مع جموع شرفاء المصريين ويسبهم ويتربح على حسابهم، وكل ما يصدر عنه من قبل ومن بعد يدخل في دائرة “اشتغال” المصريين .. ولكن كان لله تدبير آخر.
لم يذم الرسولَ العظيمَ أحدٌ، على مدار التاريخ كله وسلّم، وراح سليماً من بعدها، وبلاد المسلمين من أدناها إلى أقصاها تثور لمجرد “سب” كافر له، صلى الله عليه وسلم، ونظام السيسي أصلاً ليس عميق الإيمان بالله ورسوله، والزند هو وحمدي رزق ظنا إنها كلمة وستمر، والسيسي لم يعد يخشى في ظل هذه الأجواء الاستثنائية غضب الشارع المصري بل يكاد يكون الأمر على العكس تماماً، فماذا حدث إذن؟!
السيسي قبل التصريح بيوم واحد، الخميس 10 من مارس، التقى ملك السعودية، وأمير قطر وغيرهما في حفر الباطن للمناورة العسكرية السعودية، وهؤلاء فيهم ومنهم الذي يخشى أن يتم “تعييره” في بلاده أنه يلاقي رئيساً وزير عدله يسب الرسول العظيم.. ترتيب إلهي لم يكن ليخطر لا على قلب ولا فكر ولا حتى بال الزند أو السيسي أو شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، أما تمام الترتيب الإلهي والانتصار للرسول العظيم، فهو أن يرفض الزند تقديم الاستقالة بعد مكالمة الدقيقتين في عُرف جريدة “الوطن”، وتبوح “الشروق” و”اليوم السابع”، و”المصريون” بأنه “ركب دماغه” وقادته قدماه إلى قصر الاتحادية ليرفض السيسي لقاءه ويصدر إسماعيل قرار إقالته فحتى شرف الاستقالة لم ينله!
“5”
تحدث العاص بن وائل السهمي، وكان مشركاً ومات كذلك، عن الرسول العظيم في قلب الكعبة عقب وفاة ابن الرسول العظيم إبراهيم، فسأل العاصَ بعضُ المشركين لماذا تحدث؟ فقال:
ـ إن محمداً أبتر، (أي مقطوع الولد من الذكور) .. فلا يعظم في عينيكم أمره!
فأنزل الله قوله تعالى: ” إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ” سورة الكوثر.
وشانىء الرسول العظيم أي شاتمه وسابه .. والأبتر أي معدوم الذكر في الدنيا. وللحقيقة فإن القصة ليست نهاية الزند في الدنيا فسيعوضه أسياده من السيسي ونظامه، لكنه سيظل “ابتراً” على الأقل ما لم يتب في الدنيا!