مرة بعد أخرى أنظر إلى الشاشة أثناء كلمات قائد الانقلاب، أدقق في مشهده وهو يتحدث، وأسمع كلماته، واتدبر بعيد معانيها ومدلولاتها. أفعل “مغصوباً” متعجباً من عقلية كهذه استطاعت التسلل إلى وزارة الدفاع والمخابرات الحربية حتى اختاره الرئيس محمد مرسي، فك الله أسره، وزيراً للدفاع، رغم ما تردد عنه بقوة حين اختياره من كونه البطل الحقيقي الأصلي لموقعة الجمل في الثاني من فبراير 2011م، وهو ما قال به البطل الأسير الدكتور محمد البلتاجي.
في كل مرة استمع إلى السفاح أكتشف مقدار ما يُعانيه من تشويش عقلي, يجعله يتخبط في الكلام .. ويتهته ويتلجلج .. وأحياناً يتحول وجهه إلى وجهٍ آخر غير الذي رسمه “الماكيير” له، ينظر إلى كائن خرافي يكاد يبتلعه، ولا يراه غيره، فتنقلب سحنته .. وتنتفخ أوداجه بخاصة لما يُخيل إليه أن عدوه العملاق يناقشه فيما يقول، في نفس لحظة حديثه، وأنه يواجهه .. ويتحداه .. ويرد وينفعل عليه .. دون أن يكون للعدو المُتوهم أصلاً وجود ..
في كلماته التي قاطع بها وزير الإسكان السبت الماضي، وهي كلمات مُعدٌّ لها بإحكام بالطبع، لاحظتُ أن الرجل مُدمنٌ لعادةٍ صارت طبعاً لديه.. بخاصة في الكلمات التي يحاول بها تغيير سياقات الخطب المعروفة، بل البعد عما هو مكتوب، ومن تفاصيل ذلك البعد اختطاف الميكروفون والتحدث وهو جالس على مقعده .. لا اعتقد أن رئيساً جاداً محترماً فعلها قبله, فضلاً عن رؤساء مصر السابقين بخاصة من العسكر، أيّاً ما كان رأينا فيهم، فكلهم كان حريصاً على مواجهة كاميرا التلفزيون، منذ إنشائه، تلك التي تنقل صورته إلى الناس، وراجع حماسات جمال عبد الناصر، رغم حدة ورفع صوته التي تقربه من غير جنس الرجال، وراقب أسلوب السادات المتفرد في الكلام، وتَصَنُع مبارك له، كلهم كانوا يواجهون الشعب ويبالغون في “خداعه”!
أما السيسي قائد الانقلاب فإنه سنّ سنّة تُخبر هذا الشعبَ المسكينَ بها حركاتُه وسكناته، فهاهو يبالغ في خداعهم .. ويعطيهم ظهره وهو يفعل، وإلا فشاهده وهو يتحرك بسيارات موكبه الفارهة على بساط أحمر لعدة كيلومترات، يتحرك والموكب على البساط ، دع عنك أنه يقول للشعب “تقشف”، ولكن اسلوب “إخراج اللسان” من قبل السيسي .. يتمادى حين تراه لا يعطي وجهه للمصريين، وهو يحدثهم، في افتتاح مشروعات مدينة 6 أكتوبر السبت الماضي، التي قال عنها هو بنفسه إنها “ولا حاجة” مقابل ما تحتاجه مصر، وهي المشروعات التي ما كانت لتحتاج رئيس وزراء لافتتاحها لولا محاولة السيسي إيهام المصريين البسطاء ثم المُغرضين أنه يفعل شيئاً .. برغم سىء تقييمه لنفسه واعترافه بالفشل .. ولكنه، وهو يفعل، ويعترف.. لا يكلف نفسه مجرد الالتفات للمصريين الذين يحدثهم .. كما في مناسبات عدة، حتى يوم 6 من أكتوبر 2013م يوم المواجهة الدامية التي ذهب ضحيتها أكثر من 60 من خيّرة شباب مصر .. يومها قال وهو يواجه المغنين الأفاقين الكاذبين من أمثاله إن يديّه تنقطع لو مدها على المصريين، وهو قاتل لستين منهم على الأقل منذ ساعات قليلة.. وجثث الشهداء لم يتم دفنها بعد، قال وظهره للمتابعين في نفس القاعة:”وبكرة تشوفوا مصر”، ويبدو أنه يومها كان قد زاد من “عيار” الخمر، تلك التي أسكرته مع تعمّد المُصور تصويره من أسفل، أي الجلوس أسف قدميه رافعاً الكاميرا لتظهره عملاقاً.
ويبدو أنه من يوم “السَّكرة” هذا اعتاد السيسي أن “يغني” على الشعب وهو معطيه ظهره، ربما قال قائل إنه بلغة “جسده” يعرف أنه يكذب فلا يلتفت لمن يكذب عليهم، لكن إن صح الأمر فإن “العنجهية” هي سيدة الموقف.
مرة واحدة التفت السيسي فيها نصف التفاتة، تلك هي مرة “مفيش.. أنا مش مش عاوز أديلك .. أنا مش قادر أديلك”، وهو يقصد الشعب المصري المسكين الذي اختاره بعضهم مخدوعاً فيه، يومها كان نصف الالتفاتة لأن السيسي خلفه “عسكر” باختصار. . وكان نصف الظهر والوجه, منه, لهم, علامة على أنه سيعطيهم مما يسرق .. بمقدار الالتفات إليهم أو أقل قليلاً .. وهو ما لم يقصر السيسي فيه!
بقي أن قائد الانقلاب الذي “يستخسر” في شعبه أن يعطيه وجهه .. الذي يقول كلاماً عن التقشف ورفع الدعم عن السلع الضرورية .. بل المياه, تراه يسير بسياراته الفارهة فوق بساط أحمر لعدة كيلو مترات .. هو في حقيقته من دماء الشهداء .. ومن أموال المصريين.. ثم يهبط منه ليدعي التواضع ويبتسم للكاميرات في بلاهة.
ورحم الله أيام الرئيس محمد مرسي التي كان يسير في موكب بسيط.. ولا يعطل حتى إشارة للمرور!