محمد عبدالرحمن صادق :الإسلام دين المشاعر يا (شيخ)

من المعروف أن الدين الإسلامي يعتني بمشاعر الإنسان بصفة عامة والإنسان المسلم بصفة خاصة. ولذلك جاء في الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، أو تَكشفُ عنه كُربةً، أو تطرد عنه جوعًا، أو تقضي عنه دَيْنًا”. (حسنه الألباني في الترغيب والترهيب). 

ومن المعروف أيضاً أن الإنسان بفطرته يأنس للثناء الحسن والتشجيع ويأنف النقد والسخرية. عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: “قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أرأيتَ الرجلَ يعملُ العملَ من الخيرِ، ويحمدُه الناسُ عليه؟” قال:”تلك عاجلُ بُشرى المؤمنِ”.  وفي روايةٍ: ويحبُّه الناسُ عليه.  وفي رواية: ويحمَدُه الناسُ” (رواه مسلم).

وبين هذا و(العُجب) المنهي عنه شرعاً خيط رفيع مرجعه إلى القلب. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لو لم تكونوا تُذْنِبونَ، لخِفْتُ عليكم ما هو أكبرُ من ذلِكَ؛ العُجْبُ العُجْبُ”( صحيح الجامع). 

– عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثٌ مُنجِياتٌ: خَشيةُ اللهِ تعالَى في السِّرِّ والعلانِيَةِ، والعدلُ في الرِّضا والغضَبِ، والقصْدُ في الفقْرِ والغِنَى، وثلاثٌ مُهلِكاتٌ: هوًى مُتَّبَعٌ، وشُحٌّ مُطاعٌ، وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ” (صحيح الجامع).

– وقال ابن عقيل رحمه الله: “الإعجاب ليس بالفرح، والفرح لا يقدح في الطاعات؛ لأنها مَسَرَّة النفس بطاعة الرب عز وجل، ومثلُ ذلك مما سَرَّ العقلاء وأبهج الفضلاء، وإنما الإعجابُ استكثارُ ما يأتي به من طاعة الله عز وجل، ورؤية النفس بعين الافتخار، وعلامةُ ذلك اقتضاءُ الله عز وجل بما أتى الأولياء وانتظار الكرامة وإجابة الدعوة…”. 

– بعد هذا البيان وهذه المقدمة أود أن أعلق على ما قاله (الشيخ) ياسر برهامي، رداً على سؤال يخص (الإعجابات) على ما يتم نشره على صفحات التواصل الاجتماعي. 

حيث وجه أحد المترددين على موقع “أنا السلفي”، الذي يشرف عليه (الشيخ) ياسر برهامي، سؤالًا بشأن موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، وعدد الإعجابات التي يحصل عليها من متابعيه…. 

قال أحد أعضاء “أنا السلفي”: “هل عندما ينشر الإنسان منشورًا مفيدًا عبر “فيس بوك”، يُعدّ صدقة جارية؟ وهل مِن الرياء أن ينظر الإنسان بكثرة إلى عدد الإعجابات التي حصل عليها وإلى التعليقات، مع العلم بأنني قد أحزن أحيانًا بسبب قلة الإعجابات مع أني في نفس الوقت أشعر أنني أريد أن أنشر ما ينفع الناس على “الفيس بوك”، فهل أنا مخلص أم مُراءٍ؟”.

فأجاب (الشيخ) برهامي عبر الموقع قائلاً: “الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإذا كان ما تنشر علمًا يُنتفع به؛ فهو مما يبقى بعد الموت “. أما عن الإعجابات في “فيس بوك” مرض خطير مفسد للقلب في الأغلب؛ فاحذر مِن البحث عنها، واجعل نيتك لله – تعالى- وحده دون التفات إن كان سيعجب الناس أم لا ؟ “.

التعقيب

إن الإنسان عندما يتابع ردود الأفعال على شيء قام بفعله يعتبر ذلك مقياساً على مدى جودة عمله وتصرفه؛ مما يجعله يكثر من هذا ويطوره ويقلل من ذاك ويتلاشاه. والمتابعة لردود الأفعال هي أصل في الأمور كلها؛ فالزارع لابد أن يتعهد زراعته بالمتابعة والرعاية ويعجب لنموها ويحمد الله على ذلك، والتاجر لابد أن يتابع تجارته ويعجب لرواجها ويحمد الله على ذلك، ويتابع زبائنه وردود أفعالهم ولماذا يقبلون على سلعة دون أخرى. …. وهكذا. وكما قلت إن الفاصل في الأمور كلها هو أثر ذلك على القلب؛  فلا يعقل أن أقوم بزراعة البذرة وأهملها، ولا يعقل أن أراها تنمو وتترعرع ولا أُسَر لذلك!

إن قول (الشيخ): “أما عن الإعجابات في “فيس بوك” فهي مرض خطير مفسد للقلب في الأغلب”؛ فأعتبره رداً مقتضباً، وكان من باب أولى ذكر المزيد من التوضيح والتأصيل الشرعي لذلك.

 

اقتضاب مخلّ

– أما عن قول (الشيخ): “فاحذر مِن البحث عنها”. فقد كان من الأولى أن تكون “فاحذر من أن تُدخل العجب إلى قلبك، وإن وجدت ما يسرك فرد الفضل لله وتوفيقه، وإن وجدت غير ذلك فعدل من أسلوبك وطوره بما لا يخالف الشرع، ما دمت تبغي بذلك وجه الله تعالى….”. 

– وللإنصاف إن هذا الرد المقتضب اقتضاباً مُخلاً من (الشيخ) أرجعته لعدم تفرغه لهذه المهمة أو لهذا الباب الذي فتحه ولم يستطع القيام بتبعاته كما ينبغي في عصر يعد الأنفاس ويتتبع العثرات. فمن باب أولى إما التفرغ لهذا الباب والرد بالردود الشافية وإما غلقه درءاً للمفاسد كما رأينا؛ لأنه بالتأكيد أن هذا الكم من العناوين قد أساء (الشيخ) إلا إذا كان الهدف هو إيجاد هذه الزوبعة ليطفو اسمه على الساحة من جديد أو لينافس حملة المباخر وما أكثرهم في هذا الزمان!

 

آيات وأحاديث في شأن المشاعر

وهذا الرد جعلني أبحث عن الآيات والأحاديث في شأن المشاعر وخاصة مشاعر (الفرح – الضحك) فوجدت منها الكثير، وسأذكر بعضها دون تعقيب:

– قال تعالى: “الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ {1} أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ {2} “( يونس 1 – 2). 

 – قال تعالى: “فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ {110} إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ {111} “( المؤمنون 111).

– قال تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {46} فَلَمَّا جَاءهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ {47}‏ “( الزخرف 47).

– قال تعالى: “أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ {59} وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ {60}”(النجم 62). 

– قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{29}‏..” إلى ختام سورة (المطففين 36). 

أما الأحاديث فمنها:

– عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يأيها الناسُ اسمعوا واعقلوا واعلموا أنَّ للهِ عزَّ وجلَّ عبادًا ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ يغبطُهم النبيون والشهداءُ على منازلِهم وقربِهم من الله، فجثا رجلٌ من الأعرابِ من قاصيةِ الناسِ وألوى بيدِه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ ناسٌ من الناسِ ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ يغبطُهم النبيون والشهداءُ على مجالسِهم وقربِهم من اللهِ؟! انعتْهُم لنا، حلِّهم لنا يعني: صِفهم لنا شكلهم لنا….”. (الحديث). 

– عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “دخل عليَّ قائفٌ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شاهدٌ، وأسامةُ بنُ زيدٍ، وزيدُ بنُ حارثةَ مضطجعان، فقال: إنَّ هذه الأقدامِ بعضُها من بعضٍ، قال: فسُرَّ بذلك النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأعجبَه، فأخبر بهِ عائشةَ “( رواه البخاري).

– عن نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتاهُ أمرٌ فسُرَّ بِهِ، فخرَّ ساجدًا ”  (رواه الترمذي). 

– عن علي بن ربيعة رضي الله عنه قال: “شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: (بسم الله) فلما استوى على ظهرها قال: (الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون) ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات ثم قال سبحانك ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم ضحك فقلت: يا أمير المؤمنين. من أي شيء ضحكت ؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك.  فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال إن ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبده إذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري “(رواه بن القيم في صيغ الحمد). 

– عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أهلِ الكتابِ فقال: يا أبا القاسمِ، إنَّ اللهَ يُمسِكُ السماواتِ على إصبَعٍ، والأرَضينَ على إصبَعٍ، والشجرَ والثرى على إصبَعٍ، والخلائِقَ على إصبَعٍ، ثم يقولُ: أنا الملِكُ أنا الملِكُ.  فرأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ضحِك حتى بدَتْ نواجِذُه، ثم قرَأ: { وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} “( رواه البخاري).

– عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “أنَّ امرأةَ رفاعةَ القرظيِّ جاءَت إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت: إنِّي كنتُ عندَ رفاعةَ فطلَّقَني فبتَّ طلاقي فتزوَّجتُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الزَّبيرِ وإنَّ ما معَهُ مثلُ هُدبةِ الثَّوبِ فتبسَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ أتريدينَ أن تَرجعي إلى رفاعةَ لا حتَّى تَذوقي عُسَيْلتَهُ ويذوقَ عُسَيْلتَكِ”( صححه الألباني). 

وختاماً:

لقد آثرت ذكر هذه الآيات والأحاديث في هذا الجانب فقط (الفرح – الضحك) لأرد بنفس البضاعة التي يجيدها (الشيخ) والتي كانت في مضمار تمرست عليه وحلبة ألفتها. ولو تتبعت باقي الآيات والأحاديث في باقي مجالات المشاعر الإنسانية لوجدنا أضعاف ذلك. 

– فأنى لنا أن نقلل من دور هذه المشاعر في حياتنا (دون إفراط أو تفريط)! وأنى لنا أن ننكر على من يتعهد عمله بالمتابعة (دون أن يكون للنفس حظ)! وكيف نرد على فتوى مثل هذه بهذا الرد الصادم دون ذكر آية أو حديث أو قول لأحد التابعين!

اللهم أصلح فساد قلوبنا، ولا تجعل للشيطان – من أنفسنا ولا من أعمالنا ولا من أقوالنا – نصيباً.

شاهد أيضاً

محمد فاروق الإمام : التوازن سر البقاء

التوازن سر عظمة هذا الكون وجماله، وهو سمة من سماته، قال تعالى في سورة الرحمن: …