إذا أردت أن تتخيل شكل العالم بعد مئة عام فلتعد لشكل العالم قبل مئة عام من الآن .
الذين عاشوا بداية القرن العشرين ورأوا أوروبا حتي منتصف القرن بؤرة صراعات وحروب تهدمت خلالها مدن أوروبية بأكملها، وأُزهقت فيها عشرات الملايين من البشر، بخلاف الجرحي والمعاقين والمشردين .. من منهم كان يتصور أنه مع نهاية القرن ستتوحد أوروبا برغم هذا الإرث الضخم من الحروب وما خلفته من دمار وانشقاق بين الدول وما خلفته من شحناء وبغضاء وكراهية بين الشعوب؟!
من كان يتصور أن “انجلترا” الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ستنحسر عنها الشمس في منتصف القرن وتعود الي جزرها وتكتفي بالشراكة اليورو أمريكية، ثم سيقرر شعبها التقوقع داخل الجزر والانسحاب من الشراكة الأوروبية؟!
من كان يتصور أن سيادة العالم ستتقاسمها “روسيا” التي كانت غارقة في الجهل والفقر والتخلف، و”أمريكا” المتقوقعة حول نفسها خلف المحيطات؟ من كان يتصور أن دولتين من أعظم دول العالم حضارة وهما “الصين” و”الهند” ، كانت الأولى غارقة في الحروب الداخلية ويعاني شعبها من غيبوبة الأفيون، والثانية كانت تحت الاحتلال الانجليزي كأكبر تجمع بشري يغرق في الفقر والمرض والتخلف، ستصبحان قوتان عظمتان؟
من كان يتصور هذا التقلب في التقسيم السياسي لأوروبا بين اندماج وانشطار من “الاتحاد السوفيتي” إلي خمسة عشر دولة مستقلة (روسيا – جورجيا – أوكرانيا – كازاخستان – أذربيجان – ……).
ومن “الاتحاد اليوغوسلافي” إلي ( البوسنة – كرواتيا – صربيا – الجبل الأسود – سلوفينيا – مقدونيا ).
من كان يتصور أن شُذاذ الآفاق المنبوذين من أوروبا ستقام لهم دولة في قلب العالم الإسلامي؟
نعود للسؤال ما هو شكل العالم بعد مئة عام؟
بعد هذا الاستعراض التاريخي، ومع استحضار ما يموج في العالم من صراعات صرنا نحن بؤرة الصراع فيها مع ما يشهده العالم من تغيير ديموجرافي (توزيع للسكان) ناتج عن الهجرات ومعدلات التناسل، وما يشهده العالم من تغيرات مناخية وما سيتبعها من ندرة في الماء والغذاء .
نقول بمليء الفم: لا ندري!
ولكن كل الذي ندريه من حال الدنيا والنظر في التاريخ وسنن الكون، أن حسابات البشر وتدبيرهم وتصورهم ليس لها القول الفصل في تدبير الكون مهما بلغت من قوة وعلم .
بل للكون ربٌ خالق مدبر حكيم، تجري أمور الكون عنده بمقادير، يُداول الأيام بين الناس، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، يورث أرضه لمن يشاء، يمُنُّ علي المستضعفين بغير حول لهم ولا قوة، يذل الجبابرة المتكبرين من حيث لم يحتسبوا .
وكل الذي ندريه أيضاً: أننا لن نُحَاسب على ما ستئول إليه أمور الدنيا, بل سنُحَاسب علي عملنا وموقفنا ومسئوليتنا ..
( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ) .