مصر والسودان .. من التضامن إلى التلاسن

العلاقات المصرية السودانية توصف دائما بالاستراتيجية ، خاصة وقد كونا معًا دولة واحدة  حتى إعلان السودان دولة مستقلة في عام 1956.

لكن ذلك بم يمنع أن تنتاب العلاقات بين البلدين حالات من الشد والجذب, والمد والجزر, حسب التوجهات السياسية للأنظمة الحاكمة

أما “موضوعات” الخلاف فأبرزها الخلاف حول مثلث «حلايب وشلاتين», وقد أضيف إليه مؤخرا الخلاف حول الموقف من سد النهضة الإثيوبي، إلى جانب قضية لجوء معارضين مصريين إلى السودان هربا من الانقلاب العسكري في مصر، واتهام الخرطوم للقاهرة بدعم المعارضة السودانية في مناطق الجنوب، فضلا عن حظر السودان استيراد عدد من المنتجات المصرية.

وفي كل مرة يجتمع مسئولون من الدولتين لبحث الأزمات العالقة والمؤجلة يخرج بيان صحفي تتصدره عبارة «ضرورة العمل المتواصل على توثيق أواصر التعاون والتضامن والتنسيق المشترك» حسبما كان أخر بيان مشترك لوزيري خارجية مصر والسودان في 21 مارس الماضي، رغم أن تطورات الاحداث لا تشي بذلك.

تأشيرة الدخول

آخر حلقات التوتر بين البلدين، تم الإعلان عنها الاثنين 10 أبريل، عندما أعلن متحدث باسم الشرطة السودانية أن الخرطوم قررت، فرض تأشيرة دخول على المصريين الذكور، ما بين 18 و50 عاما، وذلك بعد أن كان مسموحا لكل المصريين، دخول جارتهم الجنوبية، دون تأشيرة.

وقال المتحدث إن وزارة الداخلية تسلمت القرار من مجلس الوزراء على أن ينفذ على الفور, وأوضح أن القرار لا يشمل السيدات.

وأكد المتحدث باسم الخارجية السودانية، قريب الله الخضر، صدور القرار، لكنه أشار إلى أنه «مُتفق عليه مُسبقا بين البلدين، والمسألة فقط مسألة تطبيق».

وتفرض مصر، منذ سنوات، تأشيرة دخول على ذات الفئة العمرية من السودانيين، مع إعفاء السيدات.

وتلى ذلك موعد اجتماع لجنة المشاورات السياسية بين البلدين، الأحد الماضي، بالخرطوم، لبحث العلاقات الثنائية، وإزالة المعوقات التي تمنع انسياب حركة التجارة البينية، والعمل على زيادة معدلات التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين.

ولجنة المشاورات السياسية هي إحدى اللجان المنبثقة عن اللجنة العليا المشتركة بين البلدين على المستوى الرئاسي، والتي عقدت لأول مرة في القاهرة في 5 أكتوبر 2016، وتناقش العلاقات الثنائية والموضوعات الإقليمية والدولية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف, وإبراز أنشطة العلاقات الثقافية المشتركة على ضوء أن عام 2017 هو عام الثقافة المصرية في السودان، وعام الثقافة السودانية في مصر.

الانقلاب في مصر أساس الخلاف

ومن أبرز حلقات التوتر بين البلدين “الانقلاب العسكري” على إرادة الشعب المصري، ففي الشهر الماضي وصفت إذاعة «صوت القوات المسلحة» السودانية، السيسي بأنه قائد الانقلاب العسكري، الذي أطاح بمحمد مرسي؛ أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في البلاد، والذي لا يزال حتى الآن، الرئيس الشرعي لجمهورية مصر العربية، وفق الإذاعة السودانية.

و«صوت القوات المسلحة» السودانية، هي الإذاعة الرسمية والوحيدة المعبرة عن الجيش السوداني.

ويأتي وصف الإذاعة في ظل اتهام مصري للسودان، بإيواء معارضين مصريين للانقلاب العسكري، حيث لجأ إليها الكثير من الإسلاميين، عقب مذبحة «رابعة العدوية»، التي نفذتها سلطات الانقلاب بحق معارضيها.

وفي فبراير الماضي، ادعت نيابة أمن الدولة العليا في مصر أن تشكيل «حركة سواعد مصر» (حسم) المعارضة، تلقوا تدريبات في السودان.

جاء ذلك على خلفية تحقيقات تجريها مع العشرات من المتهمين بالانضمام إلى «حسم»، وشن 14 هجوماً مسلحاً تضمنت محاولات اغتيالات لشخصيات عامة وقضائية واستهداف تمركزات أمنية شرطية.

ورغم النفي الرسمي المتكرر من «جماعة الإخوان المسلمين» لأي علاقة لها بحركة «حسم»، وتأكيدها على التزامها السلمية في مواجهة الانقلاب، زعمت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا أن «جماعة الإخوان عقب فض اعتصام رابعة (في 14 أغسطس 2013) والقبض علي عدد كبير من القيادات قرروا عودة التنظيم المسلح وإنشاء جهاز استخباراتي خاص بالإخوان، أنشأ تشكيلا مسلحا تلقى تدريبات خارجية، شملت دورات عسكرية واستخباراتية، تحت إشراف كتائب عز الدين القسام في دولة السودان بعدة أحياء فيها منها حي البربري وحي الرياض».

ويشار إلى أن هذه الاتهامات نفتها السفارة السودانية بالقاهرة، وقالت إنها غير صحيحة.

وكانت السودان فور الانقلاب على «مرسي»، قد استقبلت مجموعة من أعضاء الإخوان الفارين من مصر، حيث كانت بمثابة نقطة انطلاق للسفر لدول آسيوية وأوروبية.

الرئيس السوداني عمر البشير نفى احتضان بلاده لقيادات من الإخوان، قائلا: «نحن لم نأوِ أي قيادات إخوانية في السودان.. لأن سياستنا مبنية على عدم إيواء أي نشاط معاد لأي دولة».

وفي المقابل، تتهم السودان مصر، بدعم المعارضة, ويوم 10 أبريل قال «البشير» إن «النظام (أي المصري) يأوي معارضين سودانيين تدعمهم المخابرات المصرية».

ويعتبر مكتب القاهرة الذي افتتحته قوى تحالف المعارضة السودانية، قبل عام ونصف، لإدارة نشاطاتها السياسية المكتب الثاني للتحالف خارج البلاد، بعد مكتب الولايات المتحدة.

حلايب وشلاتين واجهة الخلافات

ومؤخرا, تجدد الخلاف بين البلدين حول مثلث «حلايب وشلاتين»، حيث عاود السودان المطالبة بحقه في المثلث الحدودي, حتى أنه في 19 مارس الماضي، نقلت وسائل إعلام سودانية عن رئيس اللجنة الفنية لترسيم الحدود بالسودان (حكومية) «عبد الله الصادق»، قوله إنه جرى «تكوين لجنة تضم كافة الجهات ذات الصلة» لحسم قضية منطقة مثلث «حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودي».

وأضاف «الصادق» وقتها أن اللجنة عقدت اجتماعا, تمهيدا لوضع خارطة طريق بشأن كيفية إخراج المصريين من المنطقة بالطرق الدبلوماسية.

وتقع منطقة «حلايب وشلاتين» على الحدود بين مصر والسودان، وتعد مدينة حلايب البوابة الجنوبية لمصر على ساحل البحر الأحمر.

جاءت هذه التصريحات، عقب رفض القاهرة، طلب الخرطوم، التفاوض المباشر حول منطقة «حلايب وشلاتين»، وهو الطلب، الذي لوّحت خلاله السودان باللجوء إلى التحكيم الدولي.

ويتطلب التحكيم الدولي أن تقبل الدولتان المتنازعتان اللجوء إليه، وهو الأمر الذي لم تعلن مصر في أي وقت الموافقة عليه بشأن «حلايب وشلاتين».

غير أن صحفا محلية مصرية، كشفت خلال الشهور الماضية، أن هناك مسؤولين مصريين طلبوا من نظرائهم السعوديين، القيام بدور لدى السودان لوقف المطالبة بضم «حلايب وشلاتين».

إلا أن السودان، جدد في يناير الماضي، شكواه لدى مجلس الأمن الدولي بشأن الحدود مع مصر وتبعية  المثلث للسودان.

ورغم نزاع البلدين على المنطقة منذ استقلال السودان عن الحكم الثنائي (الإنجليزي المصري) عام 1956، إلا أنها كانت مفتوحة أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود من أي طرف حتى 1995، حيث دخلها الجيش المصري وأحكم سيطرته عليها.

وكانت خطوة الجيش المصري رد فعل على محاولة اغتيال الرئيس الأسبق «حسني مبارك» بأديس ابابا، والتي اتهمت القاهرة الخرطوم بالضلوع فيها.

وتفرض السلطات المصرية قيوداً على دخول السودانيين من غير أهل المنطقة إليها، سواء من داخل مصر أو الحدود السودانية .

ومنعت السلطات المصرية في ديسمبر 2009 مساعد رئيس الجمهورية السوداني «موسى محمد أحمد» من دخول المنطقة، وفعلت نفس الأمر مع وفد يضم وزراء وبرلمانيين في مايو 2012.

وأثار قرار القاهرة ضم المنطقة لدوائرها في الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في مايو 2014، ردود أفعال غاضبة في الأوساط السودانية.

تلاسن إعلامي

أما الهجوم الإعلامي المصري، ضد السودان، فقد جاء على خلفية زيارة الشيخة «موزة»، والدة أمير قطر، لأهرامات البجراوية شمالي السودان، الشهر الماضي، وما تبعها من تعليقات في برامج وقنوات تلفزيونية مصرية ومواقع التواصل الاجتماعي، رأت وسائل إعلام سودانية أنها تناولت الحضارة السودانية وضيوف الخرطوم بشيء من التقليل والإهانة.

وهددت الحكومة السودانية بالرد «بكل جدية وحسم» على ما قالت إنها تعليقات في وسائل إعلام أجنبية تسيء إلى آثار وحضارة السودان وضيوفه.

وهو ما دفع السودان ومصر، للاتفاق على التعامل بـ«حكمة» مع محاولات «الوقيعة» بين البلدين، بالإضافة إلى رفض «التجاوزات» الأخيرة، وعقد لقاء وزاري تم قبل أيام في الخرطوم.

وفي فبرايرالماضي، لخص «البشير»، أزمة بلاده مع مصر، حين قال في حواره مع صحيفة «الشرق الأوسط»: «العلاقات مع القاهرة ليست مصابة إلا بمرض الإعلام الذى يتعامل بصورة غير موفقة، ولكننا تعودنا عليه».

دعم جنوب السودان

وتعد زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكرى للخرطوم  الأولى لمسؤول مصري رفيع، للسودان، عقب تصريحات البشير بشأن دعم مصر العسكري لجنوب السودان، وهي التصريحات التي اعتبرتها القاهرة «غير مسؤولة».

ومؤخرا، بدأ التقارب المصري الأوغندي الجنوب سوداني يثير جدلا واسعا لدى أوساط سياسية إفريقية، لا سيما في السودان.

وبرز هذا التقارب مع زيارة قام عبدالفتاح السيسي، لعاصمة أوغندا، كمبالا، في ديسمبر 2016، وزيارة رئيس جنوب السودان «سلفاكير ميارديت»، للقاهرة في يناير 2017، في ظل تواتر المعلومات بشأن اتفاق أمني بين الدول الثلاث.

وأثرت التطورات في علاقة القاهرة وكمبالا وجوبا، بشكل أكبر على علاقة حكومة جوبا مع الخرطوم وأديس أبابا، فبعدما كانت العلاقات الإثيوبية-الجنوب سودانية قد شهدت تطورات إيجابية، أتت ردة فعل أديس أبابا بطلب استفسار من جوبا بشأن زيارة «سلفاكير» للقاهرة، لتعكس عدم ارتياح إثيوبي.

وأعرب مراقبون عن اعتقادهم بأن تمسك «الحركة الشعبية – قطاع الشمال» المسلحة بمواقفها بشأن عملية التفاوض مع الحكومة السودانية وتحفظاتها على مقترحات المبعوث الأمريكي السابق، «دونالد بوث»، حول التسوية، يشير إلى أن «الحركة» باتت تستند إلى دعم جديد من قوة إقليمية بارزة، لا سيما بعد تراجع الدعم الدولي ومحاصرة جوبا دولياً وإقليمياً.

ورجح مراقبون دخول مصر بقوة إلى المشهد السوداني، مرتكزين على التحرك المصري تجاه كمبالا وجوبا.

هذا الاعتقاد، ذكره «البشير»، باتهام النظام المصري بدعم جنوب السودان، وإمدادها بالأسلحة والذخائر.

وقال «البشير»، في فبراير الماضي، إن لدى إدارته معلومات تفيد بأن «القاهرة تدعم حكومة جنوب السودان»، مشيرا إلى أن الحكومة المصرية لا تقاتل في جنوب السودان لكنها تمد حكومتها بالأسلحة.

وكشف الرئيس السوداني، للصحفيين المرافقين له خلال زيارته إلى دولة الإمارات، عن وجود جهات مصرية لم يسمها تتعامل مع السودان بعدائية.

وتتهم الخرطوم الاستخبارات المصرية باستضافة شخصيات من المعارضة السودانية، وعرقلة تحسين العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، وكذلك بين الخرطوم ودول أخرى في العالم.

وكشف الرئيس السوداني عن أن حكومته تطلب الخرطوم من القاهرة في كل لقاء بين البلدين وقف دعم المعارضة السودانية.

حظر استيراد منتجات

وفي الشهر الماضي, قررت السلطات السودانية، حظر استيراد منتجات غذائية من مصر، واعتبارها سلعًا فاسدة مصنعة من مدخلات إنتاج ملوثة، في إشارة منها إلى الخضر والفاكهة المصرية.

وأرسل وزير الصناعة السوداني «محمد يوسف» خطابًا، موجهًا إلى وزير التجارة الخارجية بالسودان السفير «صلاح محمد الحسن»، يطالب فيه بحظر استيراد المنتجات المصرية.

جاء ذلك، عقب قرار سابق للسلطات السودانية في سبتمبر الماضي، بحظر استيراد الفواكه والخضروات المصرية، لفترة مؤقتة حتى تجرى اختبارات وفحوصا معملية للتأكد من سلامتها أو إصابتها من تلوثات محتملة.

وأعدمت السلطات السودانية أطنانًا من الفواكة المصرية المحظور دخولها، عقب ضبطها أثناء محاولة تهريبها للبلاد.

ولايخفى أيضا ملف سد النهضة وإثيوبيا الذي سبق واشرنا إلى أبعاده مرات عدة في تقارير سابقة .

شاهد أيضاً

بعد موقفهما تجاه ليبيا.. محاولات لبث الفتنة بين تركيا وتونس

منذ أن بدأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر محاولة احتلال طرابلس في إبريل الماضي، لم تتوقف …