تبدأ غدا الثلاثاء في القاهرة جولة جديدة من المفاوضات بين صندوق النقد الدولي والحكومة تركز على المراجعة الرابعة لاتفاقية قرض الثمانية مليارات دولار تمهيدا للإفراج عن شريحة جديدة من القرض بقيمة 1.2 مليار دولار.
ومع بدء المفاوضات المؤجلة مع صندوق النقد من سبتمبر الماضي، يتخوف كثير من المصريين من حدوث صدمات جديدة يرافقها زيادة في كلفة المعيشة والأسعار، وعودة لمستويات التضخم الجامح وتآكل المدخرات وارتباك الأسواق. وفي ظل تلك المخاوف بات قطاع من المواطنين يسأل أسئلة منطقية غالبا لا يتلقى إجابة عنها.
أول تلك الأسئلة: ماذا في جعبة بعثة المؤسسة المالية هذه المرة والتي ترأسها مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا، تعويم جديد للجنيه، غلاء المعيشة وزيادات في أسعار السلع والخدمات، ارتفاع في أسعار الوقود وفواتير الكهرباء والمياه والمواصلات العامة والضرائب والرسوم الحكومية ورغيف الخبز، مزيد من الدهس للمواطن وزيادة معدلات الفقر والبطالة، القضاء على ما تبقى من الطبقة الوسطى، دفع المصريين نحو اليأس من المستقبل؟
إجابة المصريين عن هذا السؤال هي أنه “لا جديد”، فقطار زيادة أسعار كل شيء في مصر متواصل منذ العام 2016 ولا يتوقف لحظة، ويدهس الغالبية الساحقة من المواطنين، دليل ذلك اعلان الحكومة اليوم عن زيادة أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في المنازل، والأنشطة التجارية المعادلة للاستخدام المنزلي، بأثر رجعي بداية من فاتورة سبتمبر/ أيلول الماضي، وكذا زيادة النقل السياحي.
وقبلها بأيام تم إجراء زيادات في أسعار البنزين والسولار للمرة الثالثة في أقل من عام، وكذا في فواتير الكهرباء والمياه وغيرها، إذ لا جديد في هذا الملف المزمن. فقد تعود المواطن على سماع تلك الأخبار من وقت لأخر.
السؤال الثاني هو: هل صحيح أن صندوق النقد يتحرش بمصر هذه الأيام، فمن وجهة نظر البعض فإن الهجمة هذه المرة كبيرة وغير معروفة الأسباب، فلا سوق سوداء نشطة للعملة، ولا يوجد سوقان للدولار، رسمي وغير رسمي، وبالتالي فإن القفز إلى توقعات مطالبة الصندوق مصر بإجراء تعويم جديد للجنيه، هو أمر غير منطقي وربما مستبعد لأسباب عدة.
نعم، هناك تراجع في إيرادات النقد الأجنبي من قطاعات حيوية مثل قناة السويس والسياحة والاستثمار المباشر وصادرات الغاز، وقد قدرت السلطات المصرية حجم التراجع بنحو سبعة مليارات دولار. لكن في المقابل، هناك تدفقات دولارية عوضت جزءاً من هذا التراجع، منها زيادة تحويلات العاملين في الخارج وتدفق الأموال الساخنة وحصيلة بيع الأصول.
ولذا قد يطالب الصندوق بمرونة أكبر في سعر الصرف والسماح بتحرك أكبر للسعر، لكن من المؤكد أنه لن يضغط في اتجاه تعويم جديد للجنيه إلا إذا كانت لديه بيانات تؤكد أن الفارق بين إيرادات الدولة المصرية من النقد الأجنبي والالتزامات المستحقة عليها من أعباء ديون خارجية وفاتورة واردات وعجز الميزان التجاري وغيرها كبيرة جداً.
السؤال الثالث هو، إذا كانت الحكومة التزمت بما وعدت به في اتفاق مارس 2024 المبرم مع الصندوق بما فيه رفع سعر رغيف الخبز والوقود والكهرباء والماء، وخفض الدعم، وبيع مزيد من أصول الدولة، والبدء في خصخصة أهم قطاعين خدميين، الصحة والتعليم، وسداد الجزء الأكبر من مستحقات شركات النفط والغاز العالمية. فأين نقاط الخلاف؟
لست مقتنعاً بقصة إصرار الصندوق على مطالبة الجهات السيادية بالخروج من المشهد الاقتصادي، فهذا بند مدرج ومطروح منذ اتفاق 2016، وبالتالي يجب البحث عن أسباب منطقية لعودة الخلافات الحادة بين الطرفين، هل هناك ما يتعلق بملف غزة مثلاً، وما يتردد عن زيادة الضغوط الغربية على مصر لتقديم مزيد من التنازلات للكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يقوم بها في غزة، لا يوجد لدي معلومات متاحة في هذا الشأن، بل مجرد تخمينات وشائعات وأقاويل غير مؤكدة.
السؤال الرابع: هل صحيح أن الحكومة المصرية طلبت من الصندوق زيادة قيمة القرض الحالي والحصول على مزيد من الديون، علما بأن الصندوق نفسه شجع على هذه الخطوة حينما قرر في مارس /آذار الماضي زيادة حجم قرضه لمصر إلى ثمانية مليارات دولار من ثلاثة مليارات دولار، وبالتالي تعمل المؤسسة الدولية وبشكل ممنهج على إغراق مصر في وحل الديون الخارجية وتعريض أمنها الاقتصادي القومي لمخاطر شديدة منها الارتهان للدائنين.
ويبقى السؤال المفتوح: ما الذي يريده الصندوق من مصر هذه المرة، ولماذا يسن أسنانه بقوة وبشكل يقلق المستثمرين الأجانب والشركاء الدوليين؟ وبغض النظر عن السؤال الأخير فإنه من المؤكد هنا أن ما يهم الصندوق بالدرجة الأولى هو استرداد أمواله التي تزيد عن 15 مليار دولار حتى لو جاء ذلك على حساب جثث ملايين المصرين.
والمؤكد ثانياً أن بعثة صندوق النقد الدولي المتواجدة حالياً في القاهرة تعرف عن مصر أكثر منا بكثير، تعرف مواطن القوة والضعف في الاقتصاد، تفاصيل مصروفات وإيرادات الدولة، مواطن الخلل في سوق الصرف، وفي ظل ضحالة المعلومات فإننا ننتظر الإجابة عن الأسئلة السابقة، إما من الصندوق، أو من مصادر ووسائل إعلام غربية.