مفاجآة: خطة الاحتلال الإسرائيلي لتهجير أهالي غزة تسعى لتسكينهم في القاهرة لا سيناء!
علامات أون لاين-صحف
مع تصاعد الحديث عن خطط لتهجير أهالي غزة إلى مصر وتحديدا سيناء، بغرض إخلاء القطاع حتى يدمره جيش الاحتلال بالكامل، بدأ الكيان الإسرائيلي يرمي بخطط واضحة على الطاولة.
يأتي ذلك متزامنا مع ما نشره معهد “ميشجاف” لشؤون الأمن القومي والاستراتيجية الإسرائيلي، تفاصيل خطة التهجير بالكامل في 4 صفحات عبر منصته العبرية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي نشر تفاصيلها موقع “الاستقلال”.
هذا المعهد يديره مائير بن شبات مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للأمن القومي، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، كما أنه أحد مهندسي “اتفاقيات أبراهام” للتطبيع مع أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
كما أنه أحد أهم المراجع والمصادر التي يستند إليها جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) وباقي الأجهزة الأمنية، بحسب موقع التلفزيون الإسرائيلي “إ24 نيوز” في 6 مارس/آذار 2023.
لذلك لفتت خطة التهجير المنشورة في موقع المعهد الذي يديره، الأنظار ليس فقط لتوقيتها بالتزامن مع سعي الاحتلال لغزو غزة بريا واحتلالها وتهجير أهلها بالقوة أو قتلهم، ولكن لما حملته من تفاصيل يصعب تصور نشرها دون ترتيب.
تفاصيل الخطة
الغريب هو أن هذه الخطة المثيرة للجدل تتحدث عن تهجير أهالي غزة، لا إلى سيناء، وإنما إلى القاهرة العاصمة، وتحديدا “حي 6 أكتوبر” شرق القاهرة، و”حي العاشر من رمضان” في محافظة الشرقية، التي يدخل في نطاق القاهرة، وتبعد 10 كم عن العاصمة الإدارية التي يبنيها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي “للتحصن داخلها”، كما قالت تقارير أجنبية.
واختار الكيان المحتل المدينتين اللتين توثقان لانتصار مصر على إسرائيل في حرب 6 أكتوبر 1973، لتسكين الفلسطينيين فيهم بنكبة جديدة، وهما “6 أكتوبر” و”10 رمضان”، لتحويل الانتصار باسمهما إلى نكبة أخرى.
ومع أن المعهد له حسابان أحدهما باللغة العربية والآخر بالإنجليزية على منصة تويتر (إكس) فلم ينشر هذه الدراسة إلا على منصته باللغة العبرية.
الخطة عبارة عن “ورقة موقف” باسم “خطة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لجميع سكان غزة والجوانب الاقتصادية لها”، وكتبها الذراع الأيمن لنتنياهو، أمير ويتمان، أقدم عضو في حزب “الليكود” الحاكم.
ملخص الخطة التي نشرها المعهد، تقوم على تهجير ما بين 1.4 إلى 2.2 مليون من سكان غزة إلى مصر، وانتهاز فرصة الحرب الحالية على غزة لتنفيذها، على أن تقدم إسرائيل ودول أخرى قرابة 8 مليارات دولار أو أكثر لنظام السيسي لينقذ به اقتصاده المنهار.
وتزعم أن “هناك حاليا فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بالكامل بالتنسيق مع الحكومة المصرية، وحاجة إلى خطة فورية وواقعية ومستدامة لإعادة التوطين والتأهيل الإنساني لجميع السكان العرب في قطاع غزة”
وزعم المعهد، الذي يستند إلى تقارير الموساد وأجهزة الأمن الإسرائيلية، أن الخطة “تتوافق بشكل جيد مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والسعودية”
وسرد أمير ويتمان، في ورقة “تقدير الموقف” معلومات غريبة ليبرر الخطة وتوطين الفلسطينيين في القاهرة لا سيناء التي أعلن السيسي رفضه تهجير الفلسطينيين فيها.
وقال ويتمان إنه في عام 2017 أوردت إحصائيات أنه يوجد في مصر حوالي 10 ملايين وحدة سكنية فارغة، نصفها مبني والنصف الآخر قيد الإنشاء.
وأوضح أن الأقمار الصناعية (التجسسية الإسرائيلية غالبا) رصدت عددا كبيرا من الشقق السكنية الخالية المبنية والمملوكة للحكومة والقطاع الخاص وأراضي البناء التي تكفي لإيواء حوالي 6 ملايين شخص، وذلك في “6 أكتوبر” و “10 رمضان”.
ورأى أن التكلفة المتوسطة لشقة من 3 غرف نوم بمساحة 95 مترا مربعا لعائلة فلسطينية متوسطة مكونة من حوالي خمسة أشخاص في إحدى المدينتين المذكورتين تتكلف (ملكيتها) حوالي 19 ألف دولار.
وزعم أنه بذلك يكون “إجمالي المبلغ المطلوب تحويله إلى مصر لتمويل مشروع التهجير سيكون في حدود 5 إلى 8 مليارات دولار!!”
فائدة للسيسي
ويلمح عضو حزب الليكود، ويتمان، معد الورقة، إلى أن تنفيذ هذه الخطة “يتطلب تعاونا وثيقا بين مصر وإسرائيل والدول العربية الأخرى”.
ويقول إن أغلبية السكان في مصر، لا يستطيعون شراء الشقق رغم انخفاض سعرها للغاية وفق زعمه، لذلك هناك مخزون شقق خالية كبير جدا ومتاح على الفور لإسكان جميع سكان قطاع غزة.
ويؤكد أن التكلفة الإجمالية للمخطط الإسرائيلي حوالي 8 مليارات دولار، وهو ما يعادل قرابة 1.5 بالمئة أو 2 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ويمكن تمويله بسهولة من قبلها، حتى بدون أية مساعدة دولية.
وقال ويتمان إن “هذه المبالغ زهيدة بالمقارنة بالاقتصاد الإسرائيلي، لكن ضخها لنظام السيسي سيشكل تحفيزا فوريا للاقتصاد المصري، ويوفر فائدة للنظام ويحل مشكلته”
وأضاف أنه يمكن أيضا مضاعفة مبلغ الـ8 مليار دولار أو تثليثه أو حتى أربعة أضعاف (32 مليار دولار)، بهدف حل المشكلة الصعبة هذه، وهي تهجير سكان غزة وتوفير الأمن للإسرائيليين في دولتهم.
وذكر أن إسرائيل أنفقت في أقل من عام 200 مليار شيكل أي حوالي 50 مليار دولار، لعلاج جائحة كورونا، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنه لا يمكننا تحمل دفع 20-30 مليار شيكل على الفور (5-6 مليارات دولار) إلى مصر “لشراء (سكان) قطاع غزة”.
ويكشف المخطط الإسرائيلي بوضوح عن نية الجيش إعادة احتلال قطاع غزة من جديد بعد تفريغه من سكانه، وتوسيع الاستيطان به حتى حدود مصر، “ما يشكل تهديدا حيويا للأمن القومي المصري”
ويقول المعهد إن “هذا الضخ المالي لنظام السيسي سيشكل حافزا قويا وفائدة فورية للاقتصاد المصري ولنظام السيسي، ما يعني أنه سيدفعه لقبول الخطة”، معتبرا أن هذا “حل مبتكر ورخيص ومستدام”
ويشير إلى أن “الانخفاض في قيمة العملة المصرية أضر بالفعل بالاقتصاد المحلي من خلال ارتفاع تكلفة واردات الغذاء للدولة (حوالي 70 بالمئة من سكان مصر)”
وأيضا أفاد بأن “المصريين يكسبون دخلا يبلغ دولارات قليلة في اليوم، ويعيشون بفضل شراء الخبز والمنتجات الأساسية المدعومة، ولا يمكنهم مواجهة التحديات الاقتصادية”
أيضا أشارت الورقة الإسرائيلية إلى “احتمال حل آخر للأزمة الاقتصادية المصرية، من الناحية الدولية، عبر إسقاط جزء من ديون مصر لو وافقت على الخطة”
وتوضح الخطة أنه “ليس من الواضح متى ستتاح فرصة أخرى كهذه مرة أخرى، إن وجدت لذا يجب انتهاز الفرصة”، وتركز على المصاعب التي يواجهها نظام السيسي اقتصاديا وتلمح إلى استغلال الفرصة للضغط عليه لقبول الخطة.
وجاء توقيت نشر الخطة بالتزامن مع مطالبات جيش الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة بالخروج نحو مصر، للهروب من وطأة الحرب المتصاعدة، ووصول التهديدات في 22 أكتوبر 2023 حد “تخييرهم بين الخروج من غزة أو القتل فيها”
وتواجه حكومة النظام المصري ضغوطا شديدة من صندوق النقد الدولي لتطبيق إصلاحات اقتصادية صارمة، بما في ذلك تحويل العملة إلى سعر صرف مرن أوائل 2024، وهو ما يُخشى أن يؤدي إلى تعميق التضخم وتفاقم مشاكل غلاء المعيشة.
لماذا غزة؟
ليست القصة فقط هي “الأمن” كما تشير الخطة الإسرائيلية لتهجير سكان غزة، وإنما هناك “بعد اقتصادي” آخر خبيث لها هو السعي للاستيلاء على “غاز غزة” الذي يعرقلون استخراجه بحجة عدم استغلال “حماس” لعوائده في المقاومة، لكنهم يريدونه لأنفسهم.
وأشارت ورقة “تقدير الموقف” عن جانب آخر من المخطط، وهو غاز غزة المتزايد وفق التقديرات، والذي ترى أن التخلص من “حماس” سيسهل لها الاستيلاء عليه.
وفي 11 يوليو 2023 زار مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، القاهرة، وعقد محادثات مع مسؤولين مصريين تناولت ملف حقل غاز غزة مارين، الواقع قبالة سواحل قطاع غزة، حسبما قالت صحيفة “إسرائيل اليوم”
وكانت مصر أجرت مفاوضات مع تل أبيب، بهدف دعم السلطة الفلسطينية اقتصاديا، بحيث تشارك شركات الجيش المصري في المشروع، لكن الاحتلال عطل تشغيله.
وبموجب ما جرى الاتفاق عليه، ستكون السلطات المصرية هي المسؤولة عن تطوير حقل الغاز وتشغيله واستخراج الغاز لصالح السلطة الفلسطينية، وذلك بموجب قرار صادر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو حينئذ.
وهذا الحقل يقع على بعد 36 كيلومترا غرب غزة في مياه المتوسط، وقد طورته عام 2000 شركة الغاز البريطانية “بريتيش غاز” التي خرجت منه.
وبحسب التقديرات، يحتوي على 1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بما يعادل طاقة إنتاجية قدرها 1.5 مليار متر مكعب سنويا لمدة 20 سنة.
خطط تهجير أخرى
هذه الخطة وتفاصيلها تتشابه مع سيناريو التهجير الذي تحدثت عنه صحف أميركية، وتكاد تتطابق تفاصيلها مع عملية التهجير، مقابل حل مشكلة النظام المصري برئاسة السيسي المالية عبر مساعدات، وربما تقليص ديونه.
صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت في 15 أكتوبر 2023 أن المسؤولين المصريين ناقشوا بالفعل مقترح توطين 100 ألف فلسطيني من سكان غزة في سيناء، وجارٍ نصب خيام لهم في مدينتي رفح والشيخ زويد.
وأكدت الصحيفة الأميركية أن “دولا خليجية (الإمارات) ستقوم بتمويل العملية وتقديم دعم مالي لمصر مقابل قبولها اللاجئين الفلسطينيين لفترة مؤقتة”
قبلها أكد موقع “مدى مصر” في 14 أكتوبر 2023 نقلا عن 6 مصادر رسمية مصرية “وجود ضغوط تتعرض لها القاهرة لقبول تهجير الفلسطينيين في سيناء بمقابل مادي من دول خليجية”
ثم سحب الموقع التقرير وألغاه بعد إحالة السلطات المصرية لصحفييه إلى التحقيق، لكن لم يتم ذكر تفاصيل الخطة في “وول ستريت جورنال” أو “مدى مصر”
كان لافتا أيضا، دعوة النائب اليهودي في حزب العمال البريطاني، ألف دوبس، إلى وضع خطة لإعادة توطين الفلسطينيين الذين لديهم روابط عائلية ببريطانيا ودول غربية، ضمن الخطة، بحسب صحيفة “الغارديان” في 20 أكتوبر 2023.
وتعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948، ففي ذلك الوقت، رأى القادة الإسرائيليون أن وجود الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يشكل “تهديدا لطابع الدولة اليهودية”
وقدمت أطراف إسرائيلية سياسية وأمنية وعسكرية مشاريع لرؤساء مصر المختلفين، تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وإعادة تشكيل الوجود السكاني في المنطقة.
وكانت هذه الجهود تستند إلى الاعتقاد بأن استمرار وجود الفلسطينيين في غزة يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي، ومع ذلك، “لم تُنفَّذ هذه المشاريع حتى الآن”
حينها قال أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، إن “العرب (الفلسطينيين) يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب في دولة عربية”.
تفاصيل كثيرة
ووفقا لتقرير سابق صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”، ذكرت أنه بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في 1967، شجَّعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.
ونتيجة لهذه السياسة، أُلغي اعتراف إسرائيل بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما في ذلك 42 ألفا من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها في الخارج، ولا يزال الكثير منهم عالقين في الخارج دون وثائق تُثبت هويتهم.
وفي عام 1968 نفسه، ناقشت لجنة في الكونغرس الأميركي خطة لتهجير طوعي لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة، ولكن هذه الخطة فشلت بسبب رفض كثير من الدول استضافة الفلسطينيين على أراضيها.
وفي عام 1970، حاول أرئيل شارون، الذي كان قائدا في الجيش الإسرائيلي وأصبح لاحقا رئيسا للوزراء، تفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل مئات العائلات الفلسطينية في حافلات عسكرية وألقاهم في مناطق مثل سيناء التي كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وتضمنت خطة منح تصاريح للفلسطينيين الذين يرغبون في المغادرة من غزة للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك.
وكان الهدف من هذه الخطة هو إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة؛ بهدف القضاء على المقاومة وتخفيف الاكتظاظ السكاني، حيث كان عدد السكان في ذلك الوقت يبلغ 400 ألف نسمة
في عام 2000، قدم اللواء في الاحتياط، غيورا أيلاند، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعا يُعرف باسم “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”.
ويستند المشروع إلى افتراض أن حل القضية الفلسطينية “ليس مسؤولية إسرائيل وحدها، بل هو مسؤولية تشترك فيها 22 دولة عربية”.
ووفقا للمشروع، ستقدم مصر تنازلا عن 720 كيلومترا مربعا من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وفي المقابل، يتنازل الفلسطينيون عن نفس المساحة المقترحة في سيناء من مساحة الضفة الغربية وتضمينها السيادة الإسرائيلية.
أما مصر فتحصل على تبادل للأراضي مع إسرائيل في جنوب غرب النقب (منطقة وادي فيران) بنفس المساحة، مع منحها امتيازات اقتصادية وأمنية ودعما دوليا.
وضمن مشروع “صفقة القرن” الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2020 تحت عنوان “السلام على طريق الازدهار”، كان مطروحا تنازل مصر عن أراضٍ في سيناء لإقامة مطارات ومصانع ومراكز تجارية ومشاريع زراعية وصناعية تسهم في توفير فرص عمل لمئات آلاف الأشخاص، وتأسيس دولة فلسطينية في تلك المنطقة.
وكانت الخطة على وشك التنفيذ بعد التوافق الذي جرى التوصل إليه بين ترامب والسيسي والسعودية وإسرائيل بشأن تفاصيل كثيرة، لكن خسارة ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2020 أوقفت التنفيذ.