بعد سبات عميق امتد إلى نحو 3 سنوات هي عمر الانقلاب العسكري على الشرعية في مصر وبعد مجازر راح ضحيتها نحو 5 آلاف شهيد على أقل تقدير و40 ألف معتقل سياسي, وآلاف المشردين والمطاردين، استيقظ الغرب فجأة ودون سابق انذار وأدرك أنه هناك نظامًا سلطويًا مستبدًا في مصر ينكل بجميع طوائف شعبه على اختلاف توجهاتهم السياسية سيما الإسلاميين, وحتى الطلاب الأجانب.
لكن استيقاظ الغرب من لم يكن من وازع ضمير إنساني على سقوط الضحايا يوميًا في الشوارع المصرية منذ 3 يوليو 2013 وحتى الآن واعتقال آلاف الأبرياء من علماء ومفكرين ونواب برلمان ووزراء، وحتى صحفيين فى سجون العسكر، بل كان بسبب مقتل طالب الدكتوراه الإيطالى “جوليو ريجيني” الذي اختفى منذ ليلة 25 يناير الماضي ولم يظهر سوى جثة هامدة بصحراء الجيزة على بعد أمتار قليلة من مقر الأمن الوطني بالجيزة؛ صاحب الشهرة الكبيرة في تعذيب المواطنين، ووجدت جثة الطالب “ريجيني” عليه آثار تعذيب وحشية بل “حيوانية” بحسب تقرير الطب الشرعي في إيطاليا.
وكانت السلطات المصرية قد نفت اعتقال ريجيني ومن ثم تعذيبه بعد ما أشيع عن ضلوعها في تعذيبه.
وعبر السفير الإيطالي في القاهرة، موريزيو ماساري، عن صدمته لحالة الجثمان، وقال “رؤية الجثة كانت أمرًا مدمرًا. لقد ظهرت آثار التعذيب واضحة، وقد لاحظت وجود جروح وكدمات وآثار حروق. ليس هناك شك في أن الشاب تعرض للضرب الشديد والتعذيب.”
بيان البرلمان الأوروبي
وكان البرلمان الأوروبي قد أصدر بيانًا عاجلاً، مساء الأربعاء الماضي، ممثلاً في أكبر كتلة سياسية تمثل أكثر من ثلثي البرلمان “أ ف د”، أوصى من خلاله دول الاتحاد الأوروبي، بحظر المساعدات إلى مصر، على خلفية مقتل الطالب الإيطالي بالقاهرة.
هذا البيان العاجل الذي أصدره “البرلمان” يتهم بشكل واضح وصريح السلطات المصرية بمسئوليتها عن قتل وتعذيب “ريجيني”، والتي حرك مجموعة من الملفات التي لم يكن الاتحاد الأوروبى يلقى لها بالاً من قبل، وكشفت قضية الطالب الإيطالي الوجه القبيح للعسكر وما يتخذونه من إجراءات ضد المعارضين.
ودعا البرلمان الأوربي الدول المشاركة فيه إلى اتخاذ عدة إجراءات ضد النظام المصري منها، مراجعة شاملة للعلاقات مع النظام الحالي في مصر وفيما يلي توصيات البرلمان الأوربي كاملة:
1- قال إن نهج مصر القمعي لا يتفق مع نهج الاتحاد الأوروبي وهو ما يستوجب مراجعة “شاملة” لعلاقة أوروبا مع مصر.
2- أكد في بيانه أنه يشعر بـ”الاشمئزاز” من أحكام الإعدام الجماعية الصادرة بحق الإخوان، واصفًا تلك المحاكمات بأنها “جائرة وصادمة” بحسب تعبيره.
3- قال إن قتل جوليو ريجيني رسالة جاءت لتوقظ الاتحاد الاوربي ليتخلى عن اعتقاداته المسبقة بأن الأنظمة الأمنية هي الأنسب لمصر والأقدر على ضمان شراكة بين القاهرة والاتخاد الاوروبي في مكافحة الارهاب .
4- طالب بوقف التعاون الأمني بين مصر والاتحاد الأوروبي مادام الجهاز الأمني المصري يرتكب الانتهاكات ولا يخضع مرتكبوها للعقاب.
5- أبدى استيائه الشديد من الاتفاقات التي وقعتها فرنسا وانجلترا مع مصر من أجل بيع بعض المعدات والأسلحة لها، مطالبًا بحظر أي صفقات من هذا النوع .
6- هاجم الموقف “الهادئ” الذي يتخذه الاتحاد الاوروبي ضد الانتهاكات في مصر، مشيراً إلى إنه لا يرقى لالتزامات الاتحاد الاوروبي بحماية حقوق الإنسان، داعيًا إلى اتخاذ “مواقف واضحة” ضد النظام المصري في هذا الصدد.
7- دعا الدول الأوروبية للتدخل والضغط من أجل وقف الاختفاء القسري وإجراء تحقيقات مستقلة في حالات التعذيب، وإصلاح أجهزة الأمن والقضاء.
8- قرار بإرسال تلك التوصيات إلى الرئيس السيسي والحكومة المصرية واللجنة الافريقية لحقوق الإنسان.
9- دعا مصر لتقديم المسؤولين عن قتل “ريجيني” للمحاكمة الجنائية السريعة.
10- طالب مصر بإلغاء قانون التظاهر الذي وصفه بـ”القمعي”.
الشريك التجارى الأول
يعد الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأول لمصر وأكبر مستثمر أجنبى فيها، فمع بدء تنفيذ اتفاقية الشراكة في عام 2004، تحسنت شروط التبادل التجاري بين مصر والاتحاد الأوروبي، وارتفعت التجارة الثنائية إلى أكثر من الضعف، ووصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2012، من 11.5 مليار يورو في 2004، لـ23.8 مليار في 2012 وهي فترة حكم الرئيس المدني محمد مرسي.
وقدّم الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2012 ما مجموعه 5 مليار يورو لمصر لمساعدتها في المجالات المختلفة، قسمت كالآتي:
التزمت المفوضية الأوروبية بتقديم مساعدات إضافية لمصر بمبلغ مجموعه حوالي 800 مليون يورو في هيئة منح وقروض، ويقدم 303 مليون يورو في هيئة منح (90 مليون يورو من ميزانية برنامج (سبرينج)، 50 مليون يورو كمنحة من عملية المساعدات المالية الكلية، و163 مليون يورو من NIF، و450 مليون يورو في هيئة قروض، وترتبط بإبرام القاهرة قرض البنك الدولي والذي لم يتم الانتهاء منه بعد.
وطالب البيان بوقف المساعدات العسكرية لمصر، فقد وقعت مصر عدة اتفاقيات تسليح مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لا سيما صفقة الطائرات «رافال» مع فرنسا، في فبراير 2015، حيث ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن الصفقة التي أبرمتها وزارة الدفاع الفرنسية مع مصر، تشمل تسلم 24 طائرة «رافال»، بالإضافة إلى صواريخ وسفينتين حربيتين، وفي أكتوبر الماضي، أعلن اللواء بحري أسامة ربيع، قائد القوات البحرية المصرية، الاتفاق مع ألمانيا للحصول على 4 غواصات بحرية من طراز 1400/209، موضحًا أن أول غواصة ستنضم إلى الخدمة بالقوات البحرية المصرية أخر العام الحالي.
الشعب يدفع فاتورة العسكر
وفى حال تنفيذ الاتحاد الأوروبي توصيات البرلمان فإن من سيدفع فاتورة هذه العقوبات هو المواطن المصرى البسيط الذى يحاسب على جميع فواتير العسكر منذ أكثر من 60 عامًا هي عمر حكم العسكر لمصر والتي تعاني حاليًا أزمة اقتصاديه خانقة ارتفعت معها أسعار كل شئ مع ارتفاع سعر صرف الدولار باعتبار مصر مستوردة لأكثر من 80% من احتياجاتها في ظل تراجع إيرادتها من قناة السويس بسبب اتجاه السفن العملاقة إلى استخدام طريق الرجاء الصالح بديلا للقناة نظرًا لانخفاض أسعار النفط بحسب تقارير ملاحية دولية، فضلاً عن تراجع السياحة واتجاه نحو 70 فندقا بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء إلى الإغلاق وتسريح العمال على خلفية حادث إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي المصرية وقرار الحكومة الروسية بمنع مواطنيها من السفر إلى مصر، وتمثل السياحة الروسية لمصر نحو 60% من حركة السياحة، وهو الأمر الذى أكده وزير السياحة المصرى فى إحدى تصريحاته مؤخرًا “بأن موسم السياحة 2016” هو الأسوأ فى تاريخ السياحة المصرية، بالإضافة إلى تراجع تحويلات المصريين بالخارج مع نقص شديد فى حركة الاستثمار الأجنبي المباشر ما أدى إلى تراجع الصادرات المصرية.
ويبقى السؤال الأهم: لماذا تصم حكومات أوروبا آذانها عن جرائم السيسي والتي منها التعذيب حتى القتل والاختفاء القسري؟ ولماذا تهتم أوربا بقضية ريجيني وقضايا اعتقال غير الإسلاميين مع تجاهل تام لاعتقال الإسلاميين والصحفيين الإسلاميين.