قدمت منظمات حقوقية مصرية تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة، بمناسبة المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، استعدادًا لاستعراض الملف في يناير 20255 في إطار المراجعة الدورية الشاملة UPR التي تتم كل 4 سنوات.
وقد رصدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية 35 ملحوظة على وضع حقوق الإنسان في مصر، ضمن تقرير منشور على موقعها يتضمن استعراضًا للانتهاكات التي شهدتها مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، خلال حكم السيسي.
مع التركيز على فترة المراجعة، وهي السنوات الأربع من 2019 حتى 2023، وذلك من خلال التطورات في ملفات الحريات المدنية، والعدالة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق النساء والمساواة الجندرية، وحرية الدين والمعتقد، والسلطوية الأخلاقية.
استمرار الاعتقالات
تطرق التقرير إلى استمرار القبض على العديد من النشطاء خلال السنوات الماضية، على نحو فاق العدد المفرج عنهم بعد تنشيط لجنة العفو الرئاسي في عام 2022، مشيرًا إلى عدم وجود معايير واضحة ومعلنة لعمل هذه اللجنة.
ولفت إلى أنه خلال العقد الماضي بات من المعتاد أن معارضين سياسيين، وصحفيين، وعمالًا نقابيين، وطلابًا ونشطاء، ومحامين، وحتى مستخدمين عاديين للسوشيال ميديا، يتعرضون للاستدعاء غير القانوني أو الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري والتعذيب في كثير من الأحيان، على يد قطاع الأمن الوطني.
وألقت قوات الأمن الشهور الماضية القبض على العديد من السياسيين والصحفيين، حيث أُلقي القبض على رسام الكاريكاتير في المنصة أشرف عمر، في 22 يوليو الماضي، بعدما اقتحمت قوة أمنية بلباس مدني مقر سكنه
وأعلنت الحركة المدنية اختطاف القيادي البارز فيها يحيى حسين عبد الهادي، وهو في طريقه لحضور ندوة بحزب تيار الأمل “تحت التأسيس”، بينما ألقي القبض على الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق من منزله في 20 أكتوبر الماضي.
احتكار صنع القرار
في ملف الحريات المدنية، أشار التقرير إلى استمرار نهج الحكومة في تقييد قدرة المواطنين على المشاركة وحصر عملية صنع القرار السياسي في دائرة ضيقة موثوق بها، لا تخضع للرقابة أو المساءلة، بالإضافة إلى انتهاك الضمانات الدستورية لحرية التعبير والمعلومات والتجمع السلمي والتجمع والمشاركة السياسية، عبر سن التشريعات المقيدة والحرمان من الحقوق الأساسية في اتخاذ الإجراءات القانونية والتقاضي، ما أدى إلى القضاء على الفضاء العام بشكل شبه كامل خلال العقد المنتهي.
حجب 600 موقع
وأشار التقرير إلى استمرار حجب أكثر من 600 موقع إلكتروني بشكل تعسفي من دون اتباع الإجراءات التي نص عليها قانون تنظيم الإعلام.
كانت شركة ساندفين، المتهمة بتوفير تكنولوجيتها لحجب المواقع لأنظمة حكم قمعية، أعلنت في أكتوبر الماضي فض شراكتها مع الحكومة المصرية و31 دولة أخرى.
العدالة المفقودة
وفي ملف العدالة أشارت المبادرة إلى طول مدد الحبس الاحتياطي كعقاب أو ردع للمعارضة، وتدوير المفرج عنهم في قضايا أخرى، لافتة إلى سوء الأوضاع في السجون
وأن افتتاح سجون جديدة مثل مجمع بدر لم يحسن من ظروف احتجاز السجناء، وأن بعضهم اشتكى من انتهاك خصوصيتهم عبر مراقبتهم في زنازينهم بالكاميرات على مدار الساعة، إلى جانب تعريضهم للإضاءة القوية على مدار اليوم مما يحرمهم النوم.
وأشار التقرير إلى استمرار لجوء مصر إلى عقوبة الإعدام بـ”معدلات مفرطة”، مشيرة إلى أنها تحتل مركزًا متقدمًا بين أكثر دول العالم إصدارًا لعقوبة الإعدام وتنفيذها على مدار السنوات العشر المنقضية.
وذكرت المبادرة أنه في عام 2021 جاءت مصر في المرتبة الأولى عالميًا في إصدار أحكام الإعدام، والثالثة في تنفيذها، وفقًا لمنظمة العفو الدولية، وأنه في شهر واحد، أكتوبر 2020، سجل أعلى رقم من الإعدامات في تاريخ مصر الحديث، بإعدام 53 شخصًا على الأقل، وأنه بين عامي 2019 و2023 أصدرت محاكم الجنايات أحكامًا بالموت ضد 1890 شخصًا في 1091 قضية، وفقًا لرصد المبادرة.
3 من 10 مصريين تم افقارهم
وعن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أشار التقرير إلى وقوع 3 من بين كل 10 مصريين تحت خط الفقر، بينما وقف ربع المصريين على حافته وذلك وفقًا لأحداث الإحصاءات الرسمية المصرية المنشورة حتى عام 2019
ولفت التقرير إلى أنه بحساب الموجات التضخمية المتتالية التي شهدتها مصر في العامين الأخيرين، إضافة إلى خفض سعر العملة المحلية وزيادة أسعار الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والطاقة عدة مرات، من المتوقع سقوط 4 من كل 10 مصريين تحت خط الفقر على الأقل، وبات ثلثا العاملين بأجر في القطاع الخاص تحت خط الفقر بالفعل.
وذكر التقرير أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن أكثر من 70% من المصريين ينفقون أقل من 6.85 دولار يوميًا وفقًا لمقياس معادل القوة الشرائية وساوى هذا المبلغ 42 جنيهًا في اليوم، وهو أقل من خط الفقر الوطني المعدل حسب التضخم في عام 2024 ليصبح 58 جنيهًا مصريًا في اليوم.
تزايد الديون
ولفت التقرير إلى ارتفاع الدين الخارجي بنسبة 75% على مدار السنوات الماضية الخمس ليصل إلى 168 دولارًا وليصل إجمالي الديون المضمونة من الدولة إلى حوالي 158% من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرًا إلى استهلاك أقساط الديون وفوائدها 86% من الإنفاق العام مزاحمة بذلك الإنفاق الاجتماعي، وهو ما يتسبب بدوره في إفقار ملايين إضافية من المواطنين.
كما زاد البنك المركزي المصري من اقتراضه الخارجي، حيث وصلت قروض البنك المركزي إلى 11.7% من الناتج المحلي الإجمالي ولا تخضع هذه القروض إلى الرقابة ولا تنتظر الموافقة البرلمانية، حسب المبادرة.
تسليع الصحة والتعليم
وأشار التقرير إلى تسارع إجراءات الدولة في تسليع الصحة والتعليم من خلال الخصخصة وتحويل المنشآت المقدمة للخدمات العامة من خلال الخصخصة إلى جهات ربحية انخفض الإنفاق العام على الصحة والتعليم إلى أدنى مستوياته ليصل إلى 1.2% من الناتج القومي للصحة و1.7% للتعليم.
وهي نسب تمثل نحو نصف المخصصات المنصوص عليها في دستور 2014، لافتًا إلى أن المصريين ينفقون ما يقرب من 70% من إجمالي الإنفاق على الصحة من جيوبهم.
وأشار التقرير إلى أن القوانين المستحدثة أضعفت من مستوى الشفافية والتنافسية في عقود الحكومة، بالموازاة مع توسع الشراكات مع القطاع الخاص.
تمييز ضد النساء
وعن حقوق النساء أشار التقرير إلى أنه على الرغم من ادعاءات الحكومة بمناصرة حقوق المرأة منذ 2014، استمرت النساء في مواجهة التمييز والعنف والإفقار. وأشارت المبادرة إلى أن مشاركة المرأة في سوق العمل انخفضت.
إذ لم يتعد الرقم الإجمالي للنساء العاملات 4.2 مليون عام 2022 انخفاضًا من 5.2 مليون في عام 2014. وذكر التقرير أن النساء تمثل 15.3% من إجمالي العاملين من السكان ومع ذلك فإنهن يمثلن 47.6% من المتعطلين عن العمل.
وأشار إلى أنه في بعض الحالات واجهت النساء تمييزًا منهجيًا في سياسات التوظيف في القطاع العام، مثل استبعاد المعلمات الناجحات في مسابقة رسمية، مثل مسابقة 30 ألف معلم، على أساس الوزن أو الحمل أو الولادة حديثًا أو اللياقة البدنية.
الحريات الدينية
وفي ملف الحريات الدينية قالت المبادرة: تعرض مسيحيون لهجمات عنيفة أثناء محاولتهم ممارسة حريتهم في العبادة، خاصة في المناطق الريفية، حيث وثقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ما لا يقل عن 58 حادثة منذ اعتماد قانون بناء الكنائس الجديد في عام 2016.
ولفت التقرير إلى وقوع 5 حوادث في قرى مختلفة في المنيا وحدها منذ سبتمبر/ 2023، مشيرًا إلى أن قوات الأمن تفشل بشكل عام في منع أو الاستجابة بشكل فعال لهذه الهجمات.
وأشار إلى أنه في كثير من الأحيان يفرض على المعتدى عليهم اللجوء إلى جلسات “مصالحة عُرفية” لفرض الهدوء، مع إعاقة المساءلة وضمان إفلات الجناة من العقاب
وأن هذه الجلسات أدت إلى إغلاق 27 كنيسة وقاعة صلاة للمسيحيين، على الأقل، منذ إقرار وسريان القانون الجديد، ما يشير إلى فشله في إزالة القيود على الحق في بناء أو ترميم أماكن العبادة لغير المسلمين. واستمر تقنين الكنائس القائمة ببطء، حيث يتم منح التصاريح بشكل اعتباطي ودون شفافية.
ورصد التقرير كذلك استمرار التمييز ضد الأقليات الدينية غير المعترف بها، مشيرًا إلى أن المجموعات الدينية التي ترفضها الدولة والأزهر والكنيسة الأرثوذكسية تشمل البهائيين، والمسلمين الشيعة، والقرآنيين، والأحمديين، وشهود يهوه.
ويحرم عدم الاعتراف القانوني هؤلاء المواطنين من حقوقهم في العبادة أو التنظيم جماعيًا، كما يحرمهم الحصول على وثائق الهوية الإلزامية التي توضح معتقداتهم، أو توثيق الزواج وغيره من التصرفات القانونية في المسائل الأسرية بما يتوافق مع عقائدهم، أو حتى الحصول على أراض لدفن المتوفين منهم.
وأكدت المبادرة أن البهائيين أكبر أقلية دينية غير معترف بها، ولا يزالون غير قادرين على توثيق زيجاتهم، كما رفضت المحكمة الإدارية العليا التماساتهم للحصول على مواقع دفن في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد خلال عام 2022.
ووثق تقرير المبادرة كذلك وقوع عشرات المصريين ضحية تهمة ازدراء الأديان، وأنه منذ عام 2014 تمت إدانة 60 شخصًا بتهمة ازدراء الأديان، وغالبًا ما حُكم عليهم بالسجن لمدد تصل إلى 5 سنوات، بما في ذلك 19 شخصًا منذ عام 2019، وكذلك شملت العقوبات التعسفية للضحايا الفصل من العمل والمنع من السفر.
اضطهاد الشواذ!
وكان مستغربا دفاع “المبادرة” عن حقوق الشواذ، حيث تحدثت عن تصاعد استهداف الشرطة لأشخاص على أساس هوياتهم الجندرية أو ميولهم الجنسية الحقيقية أو المفترضة، ووثقت اعتقال ما لا يقل عن 193 شخصًا بين عامي 2019 ويونيو 2024
وأن معظمهم اتهموا بـ”الفجور” بموجب قانون مكافحة الدعارة أو قانون الجرائم الإلكترونية، وحكم على العديدين منهم بالسجن لثلاث سنوات أو أكثر.
ولفت التقرير إلى تعرض ما لا يقل عن 45 شخصًا منذ عام 2019 إلى الفحوصات الشرجية القسرية، والتي تعد شكلًا من أشكال التعذيب والانتهاك الجسدي الذي يفتقر لأي قيمة طبية أو إثباتية.
ماذا يقول تقرير 2019
وخلال الاستعراض الأخير لمصر في 2019، تلقت الحكومة 375 توصية شملت 28 توصية بشأن وقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية تتعلق بالمحاكمات العادلة والمنصفة.
والاستعراض الدوري الشامل UPR هو آلية تتبعها الأمم المتحدة من خلال مجلس حقوق الإنسان منذ 2007، لمتابعة الوضع الحقوقي في الدول الأعضاء.
وتدفع الحكومة المصرية بإطلاقها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بالتحديد في 11 سبتمبر/أيلول 2021، التي ركزت على عدة مبادئ، من بينها أن جميع الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، مع التأكيد على ضرورة تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، واستقلال السلطة القضائية باعتبارها وسيلة الإنصاف الأساسية، لكنها تلقى انتقادات حقوقية باعتبارها لم تترجم إلى أفعال على الأرض حتى الآن.
واجتمع عبد الفتاح السيسي، مع وزير الخارجية بدر عبد العاطي، بصفته رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في مصر، حيث قدم ما يسمي “التقرير التنفيذي الثالث للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”.
واستعرض التقرير المزعوم التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية بكافة محاورها في مصر خلال العام الماضي، بما يضمن الارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان المصري بمفهومها الشامل، المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فضلًا عن تعزيز حقوق المرأة والشباب والطفل وكبار السن وذوي الإعاقة”، وفق بيان الرئاسة.