التخلي عن أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آثار سلبية على المجتمع منها:
محق ومحو الإيمان من القلب: ففي صحيح مسلم: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»[1] قال الأزهرى: الحواريون خلصاءُ الأنبياء، ومعناه: الذين أُخلِصوا ونُقُّوا من كل عيب، وحوارِى الدقيق الذى نُخل. وقال يونس: هم خلصاؤهم وخاصتُهم (الحَوارِيّ): هو الناصر للرجل، والمختص به، والمعين والمصافي, و”خلوف ” جمع: خلْف بالسكون, وهو الرديء من الأعقاب, والخلَف بالفتح: الصالح منهم, وجمعه: أخلاف. يقال: خلْف سوء, وخلَف صدق, قال الله تعالى: {فخلف من بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} مريم – 59. وإن أقل التغيير للمنكر تغيير القلب، وهو أضعف مراتب تغيير أهل الإيمان، وإن لم يفعل ذلك ولا أنكره بقلبه فقد رضيه، وليس ذلك من الإيمان “[2] . فيجب الإنكار عليه حينئذ كما يجب الإنكار على من أضاع شريعة الله عز وجل تفريطًا فيها باليد إن أمكن, وإلا فبلسانه, وإلا فبقلبه، فإن لم يفعل فليس في قلبه حبة من خردل من إيمان كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء في تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة: أدنى مراتب الإيمان أن لا يستحسن المعاصي ويكرهه بقلبه, فإن لم يمتنع عنه, أو اشتغل لأغراض دنيوية ولذات مخدجة عاجلة, فإذا زال ذلك حتى استصوب المعاصي, وجوز التدليس على الخلق والتلبيس في الحق, خرج من دائرة الإيمان خروج من استحل محارم الله, واعتقد بطلان أحكامه”[3]. فإن قيل: إذا رضي بالمنكر بقلبه ولم يكره ذلك فهل يكفر بذلك أم لا؟ قلنا: إن رضيه معتقدا جوازه فهذا تضمن تكذيب الشرع في تحريمه وهو كفر، وإن رضي به لغلبة الهوى والشهوة مع اعتقاده تحريمه فهو فسق لا كفر [4]. والسبب في ذلك أيضا: أن الإيمان يستلزم حب شريعة الله تبارك وتعالى، والرغبة في تحكيمها، وأن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فإذا لم يتحرك القلب تجاه المعصية فيبغضها ويبغض أهلها فمعنى هذا أنه رضي بالمنكر، والرضا بالمنكر إقرار له ومعنى هذا الانسلاخ من دين الله تبارك وتعالى ومضادة الإيمان به. فإذا انضاف إلى الإقرار والرضا الحب والمتابعة، والإشادة والمباركة فقد اجتمعت جريمتان: كفر وصد عن سبيل الله تبارك وتعالى لأن محبة المنكر أن يفشو والرغبة في أن يسود الباطل، إنما هو الرغبة في أن تكون كلمة الله دون كلمة الكفر[5]. والدنيا إذا خلتْ من الإيمانِ فلا قيمة لها ولا وزن ولا معنى. لا حياة للأمة إلا بالإيمان إِذا الإِيمان ضاع فلا أمان … ولا دنيا لمن لم يُحي دينا ومن رضي الحياة بغير دينٍ … فقد جعل الفناء لها قرينا
موت القلوب: ومن أسباب موت القلوب إعراضها عن قبول الحق بعد معرفتها له؛ قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}” الصف – 5. وقال تعالى: {ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} التوبة – 127. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} الأنفال – 24 . والقلب الميت يكون صاحبه أحط من البهائم ويكون مآله إلى جهنم؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف – 179, فيصبح هذا القلب مطموسًا منكوسًا مختومًا عليه لا ينتفع به صاحبه بسبب أنه أعرض عن الحق ورضي بالباطل فصار الباطل غذاءه, والضلال طريقه, والجحيم مصيره. ومن أسباب مرض القلوب فعل المعاصي؛ فإن المعاصي تؤثر في القلوب وتمرضها؛ قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} المطففين – 14, وفي صحيح مسلم: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»[6] قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أول ما تغلبون عليه من الجهاد، الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم ثم الجهاد بقلوبكم فإذا لم يعرف القلب المعروف ولم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفله[7]”)، ولما سئل حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه عن ميت الأحياء قال: “الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه[8]”.
تبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لم ينكر والحرمان من الورود على حوضه: ففي صحيح الترغيب أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لكعب بْنِ عِجْرَةَ: “أعاذَك الله مِنْ إِمارَةِ السُّفهاءِ”. قال: وما إِمارَةُ السُّفهاء؟ قال: “أُمَراءُ يكونونَ بَعْدي، لا يَهْتَدون بِهَدْيي، ولا يَسْتَنُّون بسِنَّتي، فَمَنْ صدَّقَهم بكَذبِهِم، وأعانَهم على ظُلْمِهِم، فأولئك ليسوا منِّي، ولسْتُ منهم، ولا يَرِدُون عليَّ حوْضي. ومن لم يُصَدِّقْهم بكذبِهِمْ، ولَمْ يُعِنْهُمْ على ظُلْمِهِم؛ فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون عليَّ حوضي.”[9] وفي صحيح الترغيب عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال:”ألا إنَّها ستكونُ بَعْدي أمَراءُ يَظلمونَ ويكْذِبونَ، فَمنْ صَدَّقَهُم بكَذِبِهم، ومَالأَهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فَلْيسَ منِّي، ولا أنا منه، ومَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُم بكذبِهِمْ، ولمْ يُمالِئْهُم على ظُلْمِهِمْ؛ فهو منِّي وأنا منه”[10].
الهزيمة أمام الأعداء: من سنن الله تعالى أنه ينصر من ينصر دينه، وعلى العكس من ذلك فإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أسباب الهزيمة أمام الأعداء؛ ” في صحيح الترغيب:”«يا أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني، فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم»، فما زاد عليهن حتى نزل”[11].
——————————————————————————————————————————————–
[1] صحيح مسلم (1/ 69) 1 – كِتَابُ الْإِيمَانَ 20 – بَابُ بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ
[2] الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 99)
[3] تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 132)
[4] التعيين في شرح الأربعين (1/ 291)
[5] الحد الفاصل بين الإيمان والكفر (ص: 74)
[6] صحيح مسلم (1/ 128) 1 – كِتَابُ الْإِيمَانَ 65 – بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامِ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ
[7] إحياء علوم الدين،2/ 311.
[8] شعب الإيمان للبيهقي،6/ 96، برقم: 7590.
[9] صحيح الترغيب والترهيب (2/ 540) 2242
[10] صحيح الترغيب والترهيب (2/ 542) 2244
[11] أخرجه ابن حبان في صحيحه، 2/ 67، برقم: 289، والطبراني في المعجم الأوسط 14/ 432، برقم: 6854، وأحمد في المسند،51/ 251، برقم: 24094، قال الألباني: (حسن لغيره)، صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 288، حديث رقم: 2325.