شهدت المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، 28 يناير مواجهة بين أهالي عدد من السجناء السياسيين وممثلي الحكومة المصرية.
وتحدث أقارب سجناء سياسيين خلال فعالية شهادات من عائلات الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان التي عُقدت ضمن المراجعة الدورية التي تُعقد كل خمس سنوات عن انتهاكات لحقوق المعتقلين السياسيين.
سويف: حياتنا توقّفت
وفي كلمتها قالت الأكاديمية ليلى سويف، التي تواصل إضرابها عن الطعام لليوم الـ 121 على التوالي للمطالبة بالإفراج عن ابنها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، إن علاء لا يزال في السجن، رغم أن مدة حبسه انتهت في 27 سبتمبر الماضي.
وبيّنت سبب دخولها في إضراب عن الطعام، إن السلطات المصرية تقول إن مدة حبسه تبدأ من تاريخ التصديق على الحكم، ما يعني أن الإفراج عنه سيكون في 3 يناير 2027، بينما هو مسجون قبل لك بعامين احتياطيا ولم يتم احتساب هذه المدة وشددت على استمرارها في الإضراب حتى الإفراج عن علاء أو موتها.
وفي رسالتها التي وجهتها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قالت سويف: نحن عائلة علاء، منذ 2013 ونحن نذهب بين السجون والمحاكم، حياتنا توقفت تمامًا، هذا الوضع لا يمكن أن يستمر للأبد، وأنا مقتنعة إنه إذا لم يُفرج عن علاء الآن، فالوضع سيظل كما هو، لذلك بدأت الإضراب ومستمرة فيه
وأعربت عن أمنيتها في أن يساعد هذا الضغط في الإفراج عن علاء، رغم عدم وجود بوادر أو نتائج ملموسة حتى الآن.
وزادت: الوضع العالمي الآن سيء جدًا، وبعد ما حدث في غزة، لا توجد حكومة يمكنها أن تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان، أملنا في المنظمات الحقوقية، والبرلمانيين المستقلين، والجهات القضائية على مستوى العالم، ونحتاج إلى رأي عالمي أكبر
وحصل عبد الفتاح، الذي قضى معظم سنوات العقد الماضي في السجن، على الجنسية البريطانية في أبريل 2022، من خلال والدته المولودة في بريطانيا.
ويقضي علاء، الذي يُعدّ وجهًا بارزًا في ثورة يناير، حكمًا بالسجن مدته 5 سنوات في اتهامات تتعلق بنشر أخبار كاذبة.
وأُلقي القبض على علاء عبد الفتاح في 28 سبتمبر 2019، من قسم الشرطة التابع له محل إقامته أثناء تنفيذه عقوبة المراقبة الشرطية لمدة 12 ساعة يوميًا.
ووجهت له نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 1365 لسنة 2019 اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، على خلفية منشور على فيسبوك يتناول وفاة معتقل داخل السجن.
وفي 18 أكتوبر 2021، قررت نيابة أمن الدولة العليا إحالة عبد الفتاح إلى المحاكمة في قضية جديدة برقم 1228 لسنة 2021 بتهمة نشر أخبار كاذبة، وضمت القضية المحامي محمد الباقر والمدون محمد أكسجين، ليصدر الحكم بالسجن خمس سنوات لعبد الفتاح، وأربع سنوات لكل من الباقر وأكسجين ولاحقًا أصدر السيسي عفوًا رئاسيًا عن الباقر في 19 يوليو 2023.
الطنطاوي والبديل المدني
أما الإعلامية رشا قنديل، زوجة المعارض المصري أحمد الطنطاوي، فقالت إنها تمثل زوجها أحمد الطنطاوي، وعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي والضمير، ومعتقلي الحملة الرئاسية التي منعت بكل سبل الوحشية، بالاعتداء على مرشحها ذي النبوغ السياسي والشعبية الكاسحة، ومدير حملته وزملائه بالبلطجة والعنف الموثق، بل ومحاولة ترهيبها والباقين المتصدّرين الآن لهذه السلطة بندّية، المخلصين لمبدئه في المجال العام، أو بمحاولات فاشلة لاختراق حزب “تيار الأمل” أمنيًا وسياسيًا.
وأضافت: “نحن وغيرنا ممن يدفعون ثمن شرفهم، وتمثيلهم لعشرات آلاف الشباب المؤمن بالتغيير الحتمي السلمي، بعد حبس بعض أفاضل المفكرين فوق سن الستين والسبعين خوفًا من ندوة يحضرونها أو دراسة يكتبونها، ومن بقي من أعضاء حملته المخلصين، بل حتى المارة أو المواطنين المتعاطفين، الحبس في مصر للجميع، بلا معيار، خارج القانون
قال إن جريمة أحمد الطنطاوي، أنه سعى لتقديم بديل مدني ديمقراطي حقيقي بكل وسيلة سلمية تحترم الدستور والقانون لتقديم رئيس مدني أكثر من كفء، بفريق استهدفته هذه السلطة شديدة القمع خارج القانون تمامًا، الإجرائي والعقابي
وأشارت إلى حبس الطنطاوي و22 من زملائه في قضية مفبركة، تحرياتها واهية، لا ركن مادي فيها ولا معنوي، دون استدعائه ولا مرة واحدة للتحقيق، لمجرد الرعب من اكتساحه شعبيًا، لم يتمكن محاموه من زيارته ولا مرة واحدة، ولم يُمكّن من إيداع النقض آخر درجات التقاضي، ورُفض النقض دون حتى أن نُخطر، وبرغم المستحيل حضرنا، وقد ثبتت المحكمة حكم السنة مع الشغل.
وحذّرت قنديل، من أن الطنطاوي ومدير حملته محمد أبو الديار قد يتعرضان للتدوير على ذمة قضية جديدة في مايو المقبل، وشددت على أن زوجها يرفض الإفصاح تمامًا عن ظروف محبسه خوفًا من التنكيل بالآخرين.
وأكدت أنها وزوجها لم ولن يطلبا عفوًا رئاسيًا، وقالت: نحن لم نرتكب خطأ، مارسنا حقنا السياسي والدستوري، وسنمارس كل حقوقنا المشروعة حتى نصل إلى البديل الديمقراطي الذي ينقذنا من هذه السلطة، لكن الاختطاف والإخفاء القسري والتنكيل والانفرادي والحرمان من كل ما تسمح به لائحة السجون باتوا قدر أصحاب الرأي والضمير في مصر، بمدد لا نهائية وعلى ذمم قضايا واهية التحريات، تضيع أعمار أفضل سياسي ونخبة جيلنا
وقالت قنديل: “يتم دعم هذه السلطة ماديًا لقضاء مصالح في الإقليم المثخن بصفقات السلاح والاحتراب والتمزق وصفقات إعادة الإعمار دون حق والإبادة الجماعية التي لا تسقط بالتقادم، وولاية جديدة لترامب يطلب فيها ما يشاء من ديكتاتوره المفضّل، يُختطف فيها المعارضون ويُرحّلون لمسالخ التعذيب في دول الأوجه الناعمة للتطبيع، واستمرار دعم أنظمتنا الأوتوقراطية القمعية بالسلاح، وأدوات خلق ميليشيات وأمن رديفين لترهيب شعوبنا، أمرٌ لن نسكت عنه، فلا تكافئوا الطغاة من أجل مصالحكم، وتقتلوا أفضل كوادر جيلنا”.
هدي ضحية التدوير
وقالت المحامية جهاد خالد، ابنة المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان هدى عبد المنعم، إن والدتها التي تبلغ من العمر 66 عامًا، تقضي عيد ميلادها السادس في السجن بعيدًا عن عائلتها.
وقالت إن والدتها ضحية لتدوير القضايا، وهي ممارسة غير قانونية تستخدم لإبقاء السجناء السياسيين في الحجز لما بعد مدة عقوبتهم.
وتابعت: والدتي، التي أمضت 40 عامًا في العمل كمحامية، محتجزة في ظروف قاسية تشكّل تهديدًا خطيرًا على صحتها، دون أفق واضح لنهاية هذا الوضع
ولفتت إلى أنها كانت حاضرة عام 2019، في الاستعراض الدوري الشامل لمصر لعرض قضية والدتها، مشددة على أن بعد 5 سنوات، لم يتحسن شيء، وأنها تأمل أن ترى نهاية لهذا الظلم.
وتعرضت عبد المنعم للتدوير في أكتوبر الماضي، بعدما تم التحقيق معها على ذمة قضية جديدة فور إنهائها فترة العقوبة بالسجن 5 سنوات في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، ووجهت إليها الاتهامات نفسها بالانضمام لجماعة إرهابية.
انتقادات حقوقية
وانتقد أحمد عطا الله، ممثل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، انتقد ما وصفه بالتغييرات الشكلية التي تقدم عليها الحكومة المصرية في ملف حقوق الإنسان، وقال، إن مع إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، اكتفت الحكومة المصرية بتغييرات شكلية بدلاً من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية الضرورية لضمان حقوق الإنسان وسيادة القانون والشفافية والعدالة في مصر.
ونفى عطا الله، أن تكون التدخلات الحكومية المتخذة في إطار الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أدت إلى تحسينات ملموسة في مجالات الحريات الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، مشددًا على أن الإستراتيجية لم تخدم سوى تحصين مصر من الانتقادات الدولية لوضع حقوق الإنسان المتردي فيها.
وزاد: “لا يمكن إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان في مصر دون وجود مجال عام حرّ، وإصلاحات سياسية تضمن الحريات الديمقراطية، بما في ذلك حرية المعلومات والتعبير وتكوين الجمعيات
واتهمت سمر الحسيني من المنبر المصري لحقوق الإنسان، في كلمتها، السلطات المصرية بالتوسع في استخدام القمع العابر للحدود لاستهداف المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الخارج، من خلال الحرمان من الأوراق الثبوتية، والإدراج على قوائم الإرهاب، والزج في قضايا جديدة في سياق التضييق العابر للحدود، إضافة إلى محاولات الترحيل القسري بالتنسيق مع بعض الحكومات عبر اتفاقيات التعاون الأمني.
وقالت إن القمع العابر للحدود يشمل أيضًا التضييق المستمر على النشطاء، ومنعهم من التنقل بحرية، وتهديد أسرهم داخل مصر، في محاولة لإسكات أي صوت معارض، حتى خارج حدود البلاد.
دافع وزير الخارجية
في المقابل، زعم وزير الخارجية المصري، رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بدر عبد العاطي، إن مصر حققت إنجازات في السنوات الخمس الأخيرة بتوجيهات من عبد الفتاح السيسي في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية في القانون والممارسة، رغم التحديات والأزمات المتتالية التي يشهدها الإقليم.
كما زعم أن المؤسسات المصرية كثفت جهودها خلال السنوات الخمس الماضية، منذ آخر جلسة استعراض، لتنفيذ التوصيات التي تم قبولها في إطار فلسفة مصرية تستند إلى عدة محاور رئيسية لخلق مناخ عام مواتٍ لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والتي كفلها الدستور لمصلحة المواطن المصري في المقام الأول وليس إرضاء لأي طرف خارجي، واتساقًا مع التزامات مصر الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
وتحدث عن القرارات والمبادرات التي اتخذها السيسي في إطار تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها إلغاء حالة الطوارئ في عام 2021، وتفعيل لجنة العفو الرئاسية، وإطلاق مبادرة الحوار الوطني، وتعديل عدد من التشريعات الوطنية، وصياغة عدد من التشريعات الجديدة لتحديث المنظومة التشريعية، وأبرزها مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وقانون العمل الأهلي، وغلق قضية التمويل الأجنبي، بالإضافة إلى تفعيل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وصياغة واعتماد أول إستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان.
يذكر أن مصر تلقت، في الاستعراض الدوري عام 2019، 375 توصية شملت 28 توصية بشأن وقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 توصية متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية تتعلق بالمحاكمات العادلة والمنصفة.