تختلف أشكال العنف الممارَس ضدّ المرأة في موريتانيا، ومنها الاغتصاب والتحرّش الجنسي والعنف الجسدي والمنع من الميراث والتحكّم في مصير الدراسة والزواج والعمل ، ولا يقتصر الأمر على فئة اجتماعية معيّنة، بل هو يطاول كلّ الفئات، ما دفع منظمات وهيئات حقوقية عدّة مهتمة بشؤون المرأة إلى دقّ ناقوس الخطر، محذّرة من تبعات العنف باختلافه على النساء في مراحل مختلفة من حياتهنّ.
وعلى الرغم من أنّ الفتاة الموريتانية كانت في السابق تحظى بمكانة مميّزة في عائلتها، خصوصاً الفتاة الكبرى التي تُكلَّف مهامّ كثيرة ويُحترم رأيها ويُسمح لها بتسيير شؤون الأسرة، فإنّ متغيّرات كثيرة طرأت على المجتمع جعلت احترام الفتاة وتقديرها في بعض الأوساط الاجتماعية يقلان تدريجاً، علماً أنّهما يكادان يختفيان في فئات معيّنة.
ويرى متخصصون في علم الاجتماع أنّ متغيّرات العصر ساهمت في إذكاء الذكورية من جديد في المجتمع، لينتشر أكثر العنف المعتمد على التمييز بحسب النوع ، وبسبب الضغوط المختلفة التي يتعرّض لها الأهل، من دون أن يكون ذلك مبرّراً للعنف، فإنّهم يعمدون إلى ضرب الفتيات والنساء بدلاً من نصحهنّ إذا وجدوا في سلوكهنّ ما هو غير مقبول اجتماعياً.
يُذكر أنّ ثمّة أمّهات يعمدنَ إلى الوشاية ببناتهنّ ويشجّعنَ الآباء على ضربهنّ عبر نقل كلّ “الأخطاء” التي ارتكبنَها
ويشيرون إلى أنّ ما يُعلَن من جرائم تُرتكَب في حقّ الفتيات والنساء، هو قدر قليل من الواقع، بسبب المحاذير الاجتماعية التي تمنع الإفصاح عن أسرار العائلات.
وتابعوا :رثمّة معتقدات تؤدّي دورها في السلوك العنيف الذي ترتكبه أُسَر مختلفة في حقّ بناتها، بهدف “تأديبهنّ”، وبالتالي تقمع طموحهنّ وتتحكّم كلياً بحياتهنّ من دون السماح لهنّ بأيّ دور بارز.
وفى المقابل يرى آباء وإخوة ذكور: أنّ قمع الفتيات والنساء كفيل بتهذيبهنّ وتقويم سلوكهنّ ليصير مثالياً بعيداً عن كلّ ما من شأنه تشويه سمعة العائلة أو “تلويثها” وتوريط المرأة في مشاكل اجتماعية لا حصر لها.
وفى هذا الصدد يقول محمدو ولد سيدي أحمد الباحث الاجتماعي : إنّ “تعنيف المرأة هو كل فعل ينتج منه أذىً أو معاناة، ويشمل التهديد والإكراه والحرمان، وينتشر غالباً في الأوساط التي تفضّل الذكور على الإناث والتي تحاول حماية الفتاة من المجتمع وممّا قد تقدم عليه ويسبّب لها الضرر، وكذلك لعائلتها”.
ويشير إلى أنّ “أسباب العنف متعدّدة، منها ما يرتبط بالمجتمع عموماً، كغياب القوانين التي تعاقب مرتكبي العنف ضد المرأة، وعدم توافر دور حماية لاستقبال الحالات المعنّفة، ومنها ما يرتبط بالوسط العائلي، أي بظروف المرأة المعنفة وعائلتها، كالأميّة والزواج المبكر ووفاة الوالدَين أو أحدهما، ما يجعل الفتاة تحت رحمة إخوتها، بالإضافة إلى تدنّي الأجور وعدم استقلالية المرأة والضغط النفسي الذي يدفع الأهل إلى تعنيف بناتهنّ”.
ويتابع ولد سيدي أحمد، قائلاً: إنّ “حالات العنف ضدّ المرأة لا تخرج إلى العلن إلا نادراً بسبب المحاذير الاجتماعية، وغالبية الحالات القليلة تكون من الفئات الهشّة. بالتالي لا تتوافر إحصاءات دقيقة حول تعنيف المرأة، لكنّنا كباحثين نلاحظ انتشار ذلك ومعاناة الفتيات والنساء من جرّاء العنف التربوي والنفسي واللفظي الذي يمارَس عليهنّ باسم التربية وتقويم السلوك والتعليم”.
ويلفت إلى أنّ “من يمارس العنف لا يدرك مقدار الألم والخوف والعقد النفسيّة التي يسبّبها تصرّفه، ولعلّ ظاهرة هروب الفتيات والنساء من منازل عائلاتهنّ، أصدق مثال على مدى الضرر الذي يسبّبه العنف في حقّهنّ”.
ويضيف : يؤثر الموروث الثقافي الاجتماعي في تكوين نظرة سلبية إلى المرأة وترسيخ ثقافة العنف بهدف تقويم سلوكها، وثمّة مقولات وأمثال عدّة تؤكد عدم أهليتها لنيل الثقة وإبداء الرأي السليم والتصرف بتعقّل. وهذا ما يشجّع الرجل “المسؤول عن المرأة” على ممارسة الضغط النفسي في حقّها وتعريضها للخوف والقهر.
ويختتم قائلا : في البلاد اليوم، يستوجب إثبات حالة عنف أو أخرى، أموراً عدّة، منها شكوى مباشرة من قبل المرأة التي تعرّضت للعنف، وتقريراً طبياً يثبت الحالة، فيما يضطر المدافعون عن حقوق المرأة إلى مواجهة إشكاليات كبرى بهدف عدم اعتبار الضرب نوعاً من أنواع التأديب وحقاً للأهل يمكنهم اللجوء إليه عندما يشاؤون ذلك.
وبالنسبة إلى المعنيين بعلم الاجتماع، فإنّ عائلات كثيرة تجهل تأثير الضرب على بناتها، ولا تعرف وسائل أخرى لتربيتهنّ، ويحذّر هؤلاء المعنيون من الآثار النفسية للعنف على المدى القريب، وكذلك البعيد، ومنها الانطواء والاكتئاب والميل إلى الانتحار.