“المرأة” كرمها الخالق وحفظها الإسلام، بينما صنعت منها المادية الغربية قضية انبرى في الدفاع عنها شياطين الإنس والجنّ، واندلع جراء حملة التغريب بشأن المرأة الجدل في عالمنا الإسلامي، كما استُغلت للتأثير في المنظومة الأخلاقية التي تتحكم في الأسرة، وتحكم روابطها عن طريق اتفاقية “سيداو” وأخواتها.
وإذا كانت اتفاقية “سيداو” تمثل المشروع الدولي في إطار الأمم المتحدة، فإن المؤتمر الدولي لميثاق الأسرة الذي نظمه الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بتركيا أيام 3 إلى 6 أبريل 2016، يعد أول ملتقى بهذا الحجم للرد على ما يراد بالأسرة المسلمة في العالم.
اتفاقية تغريبية
اتفاقية سيداو، رزمة تشريعات من ثلاثين مادة متعلقة بالمرأة والأسرة، وفق منظور حداثي تغريبي، مطاردة لأنماط اجتماعية ثقافية للمجتمعات، وضعتها منظمة الأمم المتحدة تحت عنوان “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، يراد فرضها على العالم الإسلامي، الذي لا يزال من هذا الجانب خارج مقررات الغرب، فالأسرة في العالم الإسلامي لا تزال متعلقة بدينها وبما يقرره من أحكام خاصة بالمرأة وعلاقتها بالرجل وبكل ما يتعلق بالأحوال الشخصية.
عرضت هذه الاتفاقية على دول العالم والمقصود في الغالب غير دول العالم الغربي المتقدمة بالطبع، لتصادق عليها، فتحَفَّظ البعض على مواد منها، وصادق عليها البعض ورفضها البعض الآخر.
وما نتوقعه في النهاية، هو أن يتعامل معها العالم بأسره كما يتعامل مع كل منتج استعماري، يقاومه الوطنيون والمحافظون والمتدينون وغيرهم من المتمنعين، ويخضع له المهزومون، ويهرول إليه الممسوخون من المستَلبين حضاريا؛ لأن هذه الاتفاقية في مجملها، صيغة غربية – أمريكية أوروبية-، يراد فرضها على كل العالم، فهي منظومة متكاملة, غالبة, مبنية على خلفية فكرية مستوية في أذهانهم، في مقابل منظومات لمجتمعات أخرى, مغلوبة, تختلف في جوهرها عن المجتمع الغربي الغالب، في قيمها وفي دينها وأخلاقها وفي عاداتها.
واتفاقية “سيداو”، مرجعها بالأساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعلن عنه في عام 1948، والبذرة الأولى لـ”أيديولوجية المرأة الجديدة”، التي طرحت الأسرة والمرأة كقضية عالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبداية نهاية الاستعمار التقليدي.
تركيا ستتقدم إلى منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الأمم المتحدة بوثيقة ” ميثاق الأسرة “، التي تحوي بنودا وميثاقا للأسرة يمكن اعتماده نصا تشريعيا للإنقاذ الحضاري بديلا عن اتفاقيات غربية مشبوهة.
خطوات الشيطان!
ابتداء من عام 1950م عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمراتها “الشيطانية”، في الموضوع بعنوان “تنظيم الأسرة”، ثم عقدت مؤتمراً آخر في المكسيك عام 1975م، وفي 1985 كان مؤتمر في “نيروبي” بعنوان: “استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقدم المرأة”، ثم كان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية في سبتمبر 1994م، ثم مؤتمر المرأة في بكين الذي عُقد في عام 1995م تحت عنوان: “المساواة والتنمية والسلم”، وهو المؤتمر الذي ختمت به الأمم المتحدة القرن الماضي –القرن العشرين- أعمالها ومخططاتها ضد الأسرة.
ومنظمة الأمم المتحدة، بطبيعة الحال ليست إلا منظومة الغرب الاستعماري، ولكن هذه المرة مختلفة الشكل، فلم يعد الاستعمار المباشر مجديا.
أما في القرن الجديد، وبداية الألفية الثالثة، فقد استمرت أنشطة الأمم المتحدة في نفس الاتجاه، مدعومة بالتقارير الصادرة عن مهزومي العالم الثالث، والجمعيات النسوية التي التقت مع الغرب في رفض الدين والأعراف المحلية مرجعية في الموضوع، وهي تقارير مؤدلجة، كاذبة ومبالغة في وصفها لتخلف المرأة في البلاد العربية والإسلامية ومظلوميتها، إلى أن وصلت إلى صياغة هذه المقررات والتشريعات المتعلقة بالأسرة والمرأة، التي تحمل في طياتها قيما، أقل ما يقال فيها إنها محل خلاف كبير بين الثقافة الغربية والثقافات الشرقية والشرائع الدينية.
وما دعت إليه هذه المؤتمرات خلال الستين سنة الماضية، هو القضاء على جميع القيم المحلية المتعلقة بالمرأة والأسرة، وعلى الكثير من القيم الإنسانية المشتركة بين بني الإنسان، مثل ذلك:
– حرية الإجهاض للمرأة
– الحرية الجنسية للمراهقين والأطفال
– تحديد النسل في العالم الثالث
– إلغاء الولي في تزويج البنات
– إلغاء تعدد الزوجات الذي يقره الإسلام
– إلغاء كل تمييز بين المرأة والرجل في الجنسية والدين
– شرعنة الشذوذ
ويؤكد المراقبون أن الجدل أوصل الغرب إلى إعادة النظر حتى في نظام الأسرة التقليدي، باعتباره صورة من صور الأسرة القابلة للتطوير، وتساءلوا: ما هو الثابت في العلاقات الأسرية؟ الثابت هو المتعة بين الرجل والمرأة.. فهذه المتعة يمكن تحقيقها بين رجلين أو امرأتين!.
إذا لا داعي للزواج بين الإناث والذكور، ومن هنا كانت فكرة الزواج المثلي، الذي شُرّع له ودخل حيز التنفيذ الرسمي في بعض دول العالم الغربية، كخطوة لتجاوز نظام الأسرة التقليدي الذي يحتوي على زوجين، رجل وامرأة تحديدا، وأبناء وإخوة وأخوات وأعمام وأخوال وجدود.
ذلك أن المنظومة الغربية بنيت على أن مؤسسات الدولة والمجتمع المدني تقوم بما كانت تقوم به الأسرة التقليدية من ضمانات اجتماعية وروابط إنسانية، وكأن الدولة أصبحت هي أم الجميع، وما دون ذلك من علاقات هي علاقات أفراد ببعضهم البعض لا اكثر ولا أقل.
ولذلك وجدت في الغرب بعض التشريعات يمكن أن تنتزع الطفل من أبويه, والابن يمكن أن يتخلى عن والديه، وخلو المجتمع الغربي من العواطف الأسرية – باستثناء الشهوة والمتعة-، شاهد على هذا التوجه اللاإنساني، الذي ترفضه الفطرة السليمة، والكثير من المنظمات الإنسانية في العالم.
أزمة مجتمع
ويشدد نشطاء في مجال حقوق الإنسان، على أن الغرب عندما يعرض على العالم هذه المقررات، فهو صادق مع نفسه، أي أنه يعتقد أن الأفكار التي يطرحها هي العلاج لقضايا الإنسان في المجتمعات المتخلفة، انطلاقا من منظوماته الفكرية، فالحرية الفردية التي آمن بها تفرض عليه إلغاء كل ما يتعارض معها، دينا كان او تقليدا أو عرفا إنسانيا، وكذلك المساواة تفرض إلغاء كل تمايز طبيعي فطري أو مكتسب، وطبيعة تدخل الدولة في تنظيم المجتمع…إلخ، التي جعلت من المواطن إبنا للدولة أكثر منه فردا في مجتمع له وعليه من الالتزام ما يحفظ توازن الجميع.
ولكن العجيب في تلك النماذج البشرية من أبناء المجتمع المتخلف، التي تمثل السوق لتلك البضائع الرائجة في صفوفها، إذ تسوق تلك البضائع وكأنها النتائج الطبيعية، والعلاجات الناجعة لما يعيشه العالم العربي والإسلامي وغيره من المجتمعات المتخلفة من أمراض.
وتطالب هذه النماذج بإلغاء الولي في الزواج مثلا، بحجة أن الوصاية على البنت في اختيار زوجها مرفوض، وإلغاء الفروق في الميراث بحجة المساواة بين الرجل والمرأة، في حين أن المشكلات التي تعاني منها المرأة في العالم العربي والإسلامي وغيره من المجتمعات المتخلفة، هي مشكلات مجتمع، يعاني منها الرجل والمرأة والطفل ومنظومة الحكم وقيم المجتمع.
فالمجتمع برمته يعاني مشكلات، انعكست على مجموع أفراده، فالاستبداد الذي تشتكي منه المرأة، يعاني منه الطفل في البيت، ويعاني منه الرجل في عمله مع مسؤوليه، ويعاني منه المجتمع في علاقته بحكامه، ولكن تلك النماذج البشرية تعرض لهذه المعاناة وكأنها خاصة بالمرأة دون غيرها، وسببها الدين والتعلق بالأحكام الفقهية المتصلة بالموضوع، وترفع تقاريرها إلى الهيئات الدولية شاكية باكية.
لا شك أن هناك الكثير من المشكلات التي تعاني منها المرأة في العالم المتخلف، وهي مشكلات متعلقة بتخلف مجتمع وليست خاصة بالمرأة، كما هو الحال مع المرأة الغربية التي تظاهرت في أربعينيات القرن الماضي من أجل المطالبة بحقوقها، التي حرمتها، في العمل، وفي الأجور، وفي تبعاتها المنزلية.
وهذه المعاناة تتطلب تدخلا خاصا لمعالجتها وفق الحاجة المحلية وليس بفرض الحلول المستوردة.
والغرب تدخل بالطريقة المشار إليها، انطلاقا من تصوره للموضوع وفق منظومته وبوشايات التقارير الكاذبة، وهو ما يعيبه مراقبون على الغرب الذي أهمل خصوصيات المجتمعات الثقافية والدينية والأعراف الاجتماعية، وعوضها بادعاء منظومته الكونية التي أصبح لا يرى لها مثيلا في التجارب الإنسانية.
ويؤكد المراقبون أن تلك العروض والمقترحات ليست إلا وجهة نظر يمكن مناقشتها، لا أن تتحول مباشرة إلى مقررات لا يسع النظم السياسية رفضها، بسبب غياب المبادرات، وخيانة النخب المنبطحة.