نشر موقع “ناشونال إنترست” مقالا لنائب مدير المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية إيلان بيرمان، يتحدث فيه عن الوضع الاقتصادي المصري.
ويقول الكاتب في مقاله، “قبل ثلاثة أعوام، في مثل هذا اليوم، خرج المصريون بأعداد كبيرة للاحتجاج، وتنفيس إحباطهم ضد حكومة محمد مرسي، وكان مصدر إحباطهم هو الركود الاقتصادي الواسع، والسياسات المدفوعة بالأيديولوجية التي تبناها مرسي وحكومته، التي سيطر عليها الإخوان المسلمون، ولم تكن النتيجة سوى ثورة مضادة، قادها جيش البلاد القوي، في انقلاب قاده وزير الدفاع في حينه الجنرال عبد الفتاح السيسي”.
ويضيف بيرمان أنه “بشكل مثير للدهشة، فإن الحياة الاقتصادية خاملة، ولا تقدم إلا قطرة مما كانت تقدمه في عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك (1981-2011)، وأقل من المعدلات التي شهدتها فترة حكم مرسي”.
ويتابع الكاتب قائلا إن “المتهمين بهذا الوضع عددهم كبير، من غياب الاستقرار في شبه جزيرة سيناء، إلى حادث إسقاط الطائرة الروسية في المجال الجوي المصري، الذي أعلن عنه تنظيم الدولة. ومن هنا، فإن النتائج المتراكمة لم تكن أقل من كارثية، وبحسب صحيفة (الأهرام)، فإن التراجع في نسبة السياحة وصل إلى 15% في عام 2015، وهو ما حرم الحكومة من مليار دولار تحتاجها بشكل ضروري”.
ويشير المقال إلى أنه في الوقت ذاته، فإن الحياة أصبحت بالنسبة للمصريين مكلفة جدا، وزاد مستوى التضخم للضعف منذ الخريف الماضي، وارتفعت أسعار البضائع، مثل الطعام والشراب بنسبة الثلث، وهو ما دفع الحكومة لدعم بعض المواد الأساسية، مثل السكر، والأرز، واللحم، وهو ما أدى إلى زيادة نقص العملة الأجنبية التي تتراجع بشكل مستمر.
وتذكر الصحيفة أنه في الفترة من منتصف عام 2007، وحتى نهاية عام 2010، كان الاحتياطي الرسمي من العملة الصعبة تقريبا 33 مليار دولار، وأصبح الرصيد اليوم حوالي 15.6 مليار دولار، وهذا هو الرقم المسجل في شهر تموز/ يوليو، مشيرة إلى أن “هذا التوجه لا يمكن تجاهله، ويمكن أن نلخصه بعبارة واحدة، وهي أن (الحكومة تأكل نفسها من أجل استمرار العمل)”.
ويعلق بيرمان قائلا إن “الأوضاع الاقتصادية الصعبة ترافقت معها مشكلات اجتماعية قاتمة، فنسبة 40% من المصريين، وعددهم 90 مليونا، هم من الشباب، ممن هم تحت سن العشرين، وكما كتب الباحث في معهد (بروكينغز) عادل عبد الغفار في ورقة مهمة حول السياسات، نشرها في الصيف، فإن نسبة البطالة بين الشباب تصل إلى نسبة 30%، وهو ضعف رم التقدير الوطني للبطالة 12.8%، وكشفت ورقة عبد الغفار أنه كلما زاد عدد المتعلمين المصريين تعقدت أمامهم فرص العثور على عمل، وتصل نسبة البطالة بين خريجي الجامعات إلى 34%، مقارنة بـ2.4% بين الشباب الذين لم يحصلوا على تعليم سوى الشهادة الابتدائية”.
ويجد الكاتب أن “نسبا كهذه في منطقة خطيرة، تعد البطالة بين الشباب هي الوضع السائد، فإنها من المفترض أن ترسل رسائل للسلطات المصرية، وهناك سبب مهم؛ لأن عدم حصول الشبان على فرصة عمل، أو إذا لم ينشغلوا، فإنهم سيتحولون إلى قوة متعددة الفوائد للجماعات الإسلامية التي تقاتل ضد الدولة، وتتراوح هذه من القوى الشبابية الإخوانية المقموعه والمهمشة إلى فروع تنظيم الدولة في سيناء والجارة ليبيا”.
ويستدرك بيرمان بأن “هذا السيناريو الكابوسي لم يحفز السلطات في القاهرة لتقوم بعملية إصلاح منظمة وجدية، ولاحظ تقييم قام به المجلس الأطلسي في الفترة الأخيرة، أن التعهدات التي تعهد بها السيسي عندما وصل إلى السلطة عام 2014 –من إصلاح نظام الدعم إلى تنويع مصادر الطاقة- لا تزال تحت التطوير”.
ويلفت المقال إلى أنه “بدلا من ذلك، فإن حكومة السيسي علقت بشكل متزايد آمالها كلها على المساعدات الدولية، أولا من المنظمات الدولية، ومن ثم من دول الخليج الغنية، ونجحت هذه الاستراتيجية في الوقت الحالي، ففي آب/ أغسطس، أعلن صندوق النقد الدولي عن اتفاق مع القاهرة، يشمل تقديم رزمة مساعدات من 12 مليار دولار؛ لتحفيز الاقتصاد، وزيادة ثقة المستثمرين، ويظل هذا ببساطة حلا مؤقتا، ولو أردنا استلهام دليل من التاريخ الماضي، فإنه سيتم تضييع هذه الأموال على مشاريع ضخمة لا قيمة لها، وفي الوقت ذاته، فإن التوجهات التي أشرنا إليها أعلاه ستظل تخيف الاستثمار، الذي تحتاج إليه مصر من أجل إدارة الاقتصاد”.
ويختم “ناشونال إنترست” مقاله بالإشارة إلى أنه “لهذا السبب، فإن دراسة بلومبيرغ توصلت إلى أن (مصر ستصبح مرة أخرى مكانا يستحق فيه الاستثمار -لكن قبل أن يحدث هذا يجب حدوث تغيير كبير)، ويجب أن يحدث في وقت سريع، وعليه، فقد تواجه حكومة السيسي المصير ذاته، الذي واجهته حكومة سلفه، وستنزلق البلاد مرة أخرى نحو الفوضى”.