نشرت صحيفة “المانيفستو” الإيطالية مقالاً قالت إنَّه “آخر مقال” كتبه الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثمانه بمدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة مؤخرًا، بعد أن قتل بالتعذيب في احد مقرات أمن الانقلاب.
المقال المنشور في الصحيفة الإيطالية، التي قالت إنَّ “ريجيني” يكتبه تحت اسم مستعار، هاجم فيه نظام السيسي و”ممارسات القمع” من قِبل الانقلاب ضد رافضي العسكر.
وإلى نص المقال..
عبد الفتاح السيسي هو رئيس البرلمان المصري لأنَّ المجلس يضم أعلى عدد من أفراد الشرطة والجيش في تاريخ البلاد، كما أنَّ مصر تعد من بين أسوأ الدول المعادية لحرية الصحافة، ومع ذلك فإنَّ النقابات المستقلة ترفض أن تستسلم.
وعلى الرغم من أنَّ أكبر غرفة في المركز تسع 100 مقعد فقط، فإنَّ قاعة الاجتماعات لم تتمكن من استيعاب عدد النشطاء الكبير الذين جاؤوا من جميع أنحاء مصر لاختيار الجمعية، وهو أمر غير عادي في ظل الظروف الحالية في البلاد.
على جدول الأعمال كان تناول توصية وزراء السيسي بتعاون وثيق بين الحكومة والاتحاد الرسمي الوحيد للبلاد، وهو اتحاد نقابات العمال المصريين، وكذلك مواجهة دور النقابات العمالية المستقلة وتهميش العمال.. وعلى الرغم من أنَّ المركز لا يمثِّل النقابات العمالية المستقلة في مصر فإنَّ دعوته كانت مسموعة، ربما بشكل غير متوقع، من قبل عدد كبير من النقابات.. وبحلول نهاية الاجتماع، كان هناك نحو 50 توقيعًا على البيان الختامي من النقابات التي تمثَّلت في مختلف القطاعات من جميع أنحاء البلاد، من النقل إلى المدارس، والزراعة، ومن سيناء إلى صعيد مصر، ومن الدلتا إلى الإسكندرية إلى القاهرة.
سياسة الحكومة تمثل هجومًا آخر على حقوق العمال والحريات النقابية، التي تمَّ تقييدها إلى حد كبير بعد الثالث من يوليو من عام 2013، ما كان حافزًا لغضب واسع النطاق بين العمال، ولكن حتى الآن فقد وجدت النقابات صعوبةً في تحويل إحباطهم إلى مبادرات ملموسة.
مصر شهدت بعد ثورة 25 يناير، توسعًا مذهلاً من الحرية السياسية، وظهر المئات من النقابات العمالية الجديدة، ما اعتبرها “حركة حقيقية”، وكان مركز الخدمات النقابية والعمالية” أحد الأطراف الرئيسية فيها من خلال أنشطة الدعم والتدريب.
على مدى العامين الماضيين، فإنَّ القمع والاستقطاب من قبل نظام السيسي قد أضعف هذه المبادرات، حتى إنَّ اثنين من الاتحادات الكبرى -الاتحاد المصري الديمقراطي للعمال والاتحاد المصري للنقابات المستقلة- لم يعقدا الجمعية العمومية الخاصة بهما منذ عام 2013.
تقريبًا كل اتحاد يعمل بصورة منفردة، داخل نطاقه المحلي وصناعته.. ومع ذلك فإنَّ الشعور بضرورة توحيد وتنسيق الجهود يتزايد بعمق.. وهو ما ساعد على زيادة المشاركة في الاجتماع، فضلاً عن العديد من الحضور الذين عبَّروا عن أسفهم لتفتيت الحركة، ودعوا إلى ضرورة العمل معًا بغض النظر عن الانتماء.
كانت التصريحات في كثير من الأحيان موجزة وعاطفية بنهج عملي للغاية، فكان الغرض منها إصدار قرار بشأن ما يجب القيام به في صباح الغد، وهو الأمر الذي تكرر كثيًرا خلال الاجتماع نظرًا لصعوبة اللحظة، والحاجة إلى وضع خطة عمل قصيرة ومتوسطة الأجل.
اللافت في الاجتماع هو وجود عدد كبير من النساء.. واختتمت الجمعية بقرار بتشكيل لجنة لتولي مسؤولية وضع الأسس لحملة وطنية حول قضايا الحرية العمالية والنقابية.. والفكرة هي تنظيم سلسلة من المؤتمرات الإقليمية التي تنعقد كل بضعة أشهر في جمعية وطنية كبيرة وربما احتجاج موحد، واقترح أحد الحاضرين أن يكون في ميدان التحرير.
جدول الأعمال كان مزدحما جدًا لكنَّه تضمَّن هدفًا أساسيًّا لمواجهة قانون 18 لعام 2015، الذي استهدف مؤخرًا العاملين في القطاع العام وهناك جدل واسع بشأنه في الأشهر القليلة الماضية.. وفي الوقت نفسه، في الأيام الأخيرة في مناطق مختلفة من البلاد، من أسيوط إلى السويس إلى الدلتا، وعمال صناعات الغزل والنسيج والأسمنت والبناء، قد أضربوا عن العمل قدر استطاعتهم، ومعظم مطالبهم تتعلق بتوسيع الحقوق والأجور والتعويضات للشركات العامة.
الفوائد التي توقف العمال عن التمتع بها في أعقاب موجة هائلة من عمليات الخصخصة خلال الفترة الأخيرة من عهد مبارك، تمَّ استرجاع العديد من هذه القطاعات التي تمَّت خصخصتها بعد ثورة 2011 من قبل المحاكم.. الإضرابات ضد إلغاء هذه الفوائد هي في معظمها لا علاقة لبعضها ببعض وليست على صلة بالنقابات العمالية المستقلة التي اجتمعت في القاهرة ولكنها لا تزال تمثِّل تطورًا مهما لسببين على الأقل: أولاً فهي تتحدى جوهر التحول الليبرالي الجديد للبلاد، الذي شهد تسارعًا كبيرًا منذ عام 2004، ورفضه شعار الثورة الشعبية في 2011 عيش حرية عدالة اجتماعية.
في السياق السلطوي والقمعي بقيادة الجنرال السيسي، هناك حقيقة بسيطة وهي أنَّ المبادرات الشعبية والعفوية لكسر جدار الخوف هي في حد ذاتها حافزًا رئيسيًا للتغيير.
تحدي النقابات لحالة الطوارئ ودعوات النظام للاستقرار والانضباط الاجتماعي والذي يتم تبريره بحجة الحرب على الإرهاب، يشير بشكل غير مباشر إلى محاسبة جريئة للخطاب الرئيسي الذي يستخدمه النظام لتبرير وجوده وقمعه للمجتمع المدني.