هل بدأ ترامب تنفيذ “صفقة القرن 2” بمطالبة مصر والأردن استضافة فلسطينيين؟

لم يمر أسبوع على دخوله البيت الأبيض، حتى بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُفصح عن خططه للمنطقة العربية، ويعيد طرح “صفقة القرن”، التي حاول فرضها في فترة رئاسته الأولى عام 2019، ولكن بصيغة جديدة.

طرحها هذه المرة بصورة أكثر وقاحة وعدوانية، بالمطالبة بإفراغ قطاع غزة من أهله وتسليمه للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لاقى ترحيبا واسعا من تل أبيب ورفضا من دول عربية.

وعلى متن الطائرة الرئاسية المتجهة من لاس فيغاس إلى ميامي، قال ترامب للصحفيين 25 يناير/كانون ثان 2025: إنه “يجب نقل الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن”، واستخدم عبارة “تطهير”

وأوضح خطته بقوله: “تأخذ مصر بعض الأشخاص، والأردن بعض الأشخاص، وكل ما علينا فعله هو تنظيف هذا الأمر برمته”، ما بدا أنه يتحدث عن “تهجير دائم”، ولكن مُغلف بطابع إنساني احتيالي، بحجة أن غزة مُدمرة ولا تصلح للسكن.

تصريحات ترامب تشير إلى سعيه استعادة تنفيذ “صفقة القرن”، وتوسيعها بمحاولة فرض ما فشل الاحتلال في تنفيذه من تطهير عرقي لقطاع غزة بالقصف الإجرامي والإبادة الجماعية، حسبما يرى محللون عرب.

ولكن هذه المرة عبر ضغوط سياسية على أنظمة عربية، ترهن كراسي حكمها للإدارة الأميركية، بحيث تتولى هي التنفيذ.

كما أنها مكافأة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لقبوله وقف الحرب على غزة بعد 15 شهرا، عبر تنفيذ حلم إنهاء القضية الفلسطينية الذي يداعب اليمين الصهيوني ويعمل على تنفيذه.

وحيلة ترامب اليوم لتنفيذ ذلك تتمثل في الأنظمة العربية، بعد فشل الضغط على المقاومة بقوة السلاح والإبادة.

وبعد الحديث عن الخطة، أعلنت كل من مصر والأردن رفضهما تهجير الفلسطينيين وأكدتا على أن إنهاء الصراع يكمن في حل الدولتين.

صفقة القرن 2

وفي 20 يونيو 2019، كشف جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره خلال الولاية الأولى عن خطة أميركية سُميت “صفقة القرن”

كانت خطة ترامب للسلام المزعوم في الشرق الأوسط تكلف 50 مليار دولار، وضمنها إقامة مشروعات في سيناء “تفيد الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة وتسمح بانتقال بعضهم”، وفق ما كشفت وثائق حينها.

وفي 28 يناير 2020، أعلن ترامب خطته الرسمية للسلام في الشرق الأوسط التي لم تنص على حق اللاجئين الفلسطينيين في “العودة إلى ديارهم” وتوزيعهم على دول عربية وإسلامية.

أظهرت بنود هذه الخطة السياسية أن هدفها الأساسي هو إغلاق ملف القضية الفلسطينية وتصفيتها تحت مسمى السلام، والانتهاء بشكل نهائي من مسألة الحقوق السياسية للفلسطينيين، والاكتفاء ببعض الفوائد الاقتصادية.

وهذه المرة، وفي ظل الحروب الأخيرة، تحاول إسرائيل وأميركا استغلال الواقع الجديد لإعادة رسم الجغرافيا والحدود وتوسيع حدود دولة الاحتلال.

ترامب قال إنه يود أن يرى الأردن ومصر ودول عربية أخرى تزيد من عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تقبلهم من قطاع غزة، بما يؤدي إلى إخراج ما يكفي من السكان و”تطهير” المنطقة التي مزقتها الحرب لإنشاء “سجل نظيف”، وفق مزاعمه.

أكد أنه ضغط علي ملك الأردن عبد الله الثاني، ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بالفعل لتنفيذ خطة إخلاء قطاع غزة، وسط توقعات أن الهدف هو تخفيض عدد سكانه ليصل إلى مليون بدلا من 2.2 مليون نسمة.

بحيث يتم تفريغ نصف القطاع الشمالي القريب من دولة الاحتلال ليصبح منطقة عازلة، بعد هدمت إسرائيل كل مبانيه تقريبا، وبقاء المليون المتبقي في جنوب غزة (خانيونس ورفح فقط).

ترامب أفصح عن هذا بقوله: “أنت تتحدث عن مليون ونصف المليون شخص على الأرجح، ونحن فقط ننظف هذا الأمر برمته ونقول بالتالي انتهى الأمر”، بحسب وكالة “أسوشيتد برس” 26 يناير 2025.

وبرغم أن ترامب حاول تغليف دعوته لإخلاء قطاع غزة من السكان، ضمن خطته السابقة (صفقة القرن) التي طرحها خلال رئاسته الأولى عام 2019، بغلاف إنساني، فقد ظهرت نواياه الحقيقية في المصطلحات المستعملة.

فقد استخدم بوضوح عبارة “تطهير” أو “تنظيف” حيث تحدث عن تطهير قطاع غزة.

وقال: إن “المكان الآن (غزة) عبارة عن موقع هدم، فقد هُدم كل شيء تقريبا ويموت الناس هناك، لذا أفضل أن أشارك مع بعض الدول العربية في بناء مساكن في مكان مختلف يعيش فيه الفلسطينيون في سلام للتغيير”

لذا وصفت “سارة ليا ويتسون”، المدير التنفيذي لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN)، والمدير السابق في هيومن رايتس، خطة ترامب بأنها “إخلاء غزة والضفة الغربية من الفلسطينيين بتمويل عسكري أميركي”

خطة واسعة

ولم يكن ما قاله ترامب مجرد “زلة لسان” حسبما أوضحت صحف إسرائيلية بدليل الترحيب الإسرائيلي الواسع بفكرة تهجير أهل غزة، وإعلانهم أنهم يعدونها “خطة” وسيسعون مع الرئيس الأميركي لتنفيذها.

بحسب القناة 12 الإسرائيلية 26 يناير، “رحب المسؤولون الإسرائيليون بالمقترح، مؤكدين عزمهم العمل على تحويله إلى خطة عملية قابلة للتنفيذ”

نقلت عن مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهم إن “تصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة إلى دول عربية وإسلامية ليست مجرد زلة لسان، بل تمثل جزءًا من عملية أوسع وأشمل مما يبدو عليه الأمر في الظاهر”

وأصدر وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بيانا، زعم فيه أيضا رغبته في تحقيق رغبة ترامب في تقديم حياة أفضل للفلسطينيين خارج أرضهم.

وبين أنه سيعمل مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، “على صياغة خطة عملية لتنفيذ ذلك في أقرب وقت ممكن”، ووصفها بأنها “فكرة رائعة” و”تفكير خارج الصندوق عن حلول جديدة”

أيضا عبر وزير الأمن القومي المستقيل، إيتمار بن غفير، عن دعمه الكامل لتصريحات ترامب، مؤكدا أن خطة نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر، هي أحد الأمور التي طالبنا بها”

ودعا بن غفير، نتنياهو بـ “التمسك بالفرصة” التي يقدمها ترامب، والعمل على البدء بتنفيذ مخططات ممنهجة لدفع الغزيين إلى الهجرة من القطاع

وفشل الجيش الإسرائيلي في إطار “خطة الجنرالات” التي حاول تطبيقها شمالي القطاع خلال حرب الإبادة على غزة، في تهجير الغزيين.

وأثناء حملته الانتخابية في أكتوبر 2024، قال ترامب، وهو قطب عقارات سابق، إن غزة قادرة على أن تكون “أفضل من موناكو” لو “بُنيت بالطريقة الصحيحة”، وتحدث عن مناخها وهوائها وإطلالتها على البحر.

كما اقترح جاريد كوشنر، في فبراير 2024، أن “تُخرج إسرائيل المدنيين من غزة لإطلاق العنان لإقامة مشاريع عقارية على الواجهة البحرية”

وذلك رغم الرفض الفلسطيني القاطع، لمحاولات تهجيرهم من غزة وعده “نكبة ثانية” لن يسمحوا بتكرارها.

كان لافتا أن إفصاح ترامب عن خطة تهجير سكان غزة لمصر والأردن، تزامن مع إصداره قرارا تنفيذيا يوم 24 يناير 2025، بوقف جميع المساعدات الأميركية الخارجية، باستثناء القاهرة وتل أبيب.

ورغم الأهمية الإستراتيجية التي توليها الإدارة الأميركية للعلاقات مع القاهرة وتل أبيب، فإن قرار استثناء مصر من حجب 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية، بدا أن له صلة بحديث ترامب عن سعيه لمطالبتها باستقبال فلسطينيين من غزة.

كما يطرح تساؤلات حول الكيفية التي ستؤثر بها السياسات الأميركية المستقبلية على طبيعة هذه العلاقة.

ويؤكد “محمد عصمت سيف الدولة”، عبر فيديوهات على حسابه في فيسبوك، أن المساعدات الأميركية حيدت دور مصر ونجحت في انتزاعها وإبعادها عن محيطها العربي وإبقائها خارج الصراع ضد المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.

ضغوط على السيسي

وبينما يتخذ الأردن موقفا أكثر وضوحا بشأن تهجير الفلسطينيين ويقول إنها خطة مرفوضة تمثل “إعلان حرب”، فإن الموقف المصري أقل حدة، خاصة بالنظر إلى مكاسب نظام السيسي من صفقة مثل هذه.

وبعد تصريحات ترامب، أصدرت الخارجية المصرية بيانا بروتوكوليا فضفاضا عبرت من خلالها عن تمسكها بثوابت القضية الفلسطينية.

وقال الإعلامي المصري وائل قنديل: “بيان الخارجية المصرية جيد لكن الملاحظ أنه يعبر عن موقف الوزارة ويتحدث باسمها، في كل فقراته تقريبا ولا يتحدث باسم مصر أو الجمهورية كما في كل البيانات الرسمية التي تصدرها الوزارة تعليقا على أحداث كبرى وإظهارا للموقف الرسمي منها

وللمقارنة والتدليل على وجهة نظره، أرفق قنديل في تغريدة على إكس بعض نماذج من بيانات عديدة صدرت عن الخارجية في الفترة الأخيرة.

وباتت مصر اليوم في مأزق من خطة ترامب لأن من طرحها هو رئيس أكبر دولة عظمى في العالم ويتحكم في السيسي.

ويزيد الضغوط على السيسي أن الكونغرس الأميركي بدأ يناقش، لأول مرة، ما أسماه “انتهاكات مصر لاتفاقية السلام”، بطلب إسرائيلي.

وطالب النواب الجمهوريون بإعادة تقييم التمويل المقدم من الولايات المتحدة لمصر، بسبب مزاعم إسرائيل أنها نشرت قوات ومعدات عسكرية زائدة في سيناء، وفق صحيفة “يسرائيل هيوم” 24 يناير 2025.

ويبدو أن زيارة ملك الأردن لمصر في 16 ديسمبر 2024، وقبل تولي ترامب ليست بعيدة عن مطلب الأخير للبلدين باستقبال الغزيين في أراضيهم.

إذ تسربت أنباء حينئذ عن أفكار أميركية مشابهة، ويعتقد أن اللقاء عُقد لتنسيق المواقف حال أصبح الطلب رسميا.

وفي أبريل 2017، وخلال أول زيارة له لأميركا منذ انقلاب 2013، للقاء ترامب في ولايته الأولى، حرص السيسي على إظهار الولاء له بقبوله صفقة القرن، برغم أنها تُلزم مصر بقبول تهجير الفلسطينيين لسيناء.

قال له بالنص: “ستجدني فخامة الرئيس داعم وبشدة لإيجاد حل في قضية صفقة القرن، اللي أنا متأكد أنه فخامتك هتنجزها”

وظهرت حملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي حينها من الذباب الإلكتروني التابع للسلطة، وزعموا أنها “زلة لسان”

لكن جاء تأييد السيسي لصفقة القرن المعلنة من قبل ترامب حينها، بعدما خصصت واشنطن 9 مليار دولار لمصر في الشق الاقتصادي للصفقة، وفق الوثائق المعلنة لها.

ووفق نص صفقة القرن، كان الدور المصري هو الإشراف على قطاع غزة، والتنسيق الأمني لوقف نشاط المقاومة ضد الاحتلال.

وأيضا تشغيل منطقة صناعية وزراعية على حدود رفح المصرية لتوفير عمل لأهالي غزة، ودور غامض في توطين الفلسطينيين في سيناء.

لكن هذه المرة وفي الشق الثاني من الصفقة، يبدو أن الخطة الأميركية أكثر عدوانية ووضوحا.

فبدلا من اقتراح شقها الأول عام 2020 بناء مناطق على الحدود لتشغيل فلسطينيين والتفكير في إيواء بعضهم، يجرى الحديث عن نقلهم لكل أنحاء مصر وليس سيناء فقط.

وتقول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” 26 يناير 2025، إن اقتراح ترامب “كان بمثابة خط أحمر بالنسبة للدول العربية، خاصة الأردن ومصر، التي تنظر إلى الهجرة الجماعية للفلسطينيين إلى بلدانها بصفتها تهديداً وجودياً محتملاً”

وبينت أن مصر لا تريد “أن يُنظر إليها بصفتها متواطئة في نفي الفلسطينيين”، وهو ما يفسر محاولة ترامب تجميل خطته بالتلميح أن نقلهم هدفه تنظيف قطاع غزة من الدمار.

وكشفت “تايمز أوف إسرائيل” أن إدارة ترامب كانت تفكر (قبل تنصيبه رئيسا) منذ البداية في نقل سكان غزة مؤقتًا إلى إندونيسيا، بحسب قناة “إن بي سي نيوز”، ولكنه الآن يتحدث عن مصر والأردن.

وفي ظل هذه الخطة، عاد عشرات آلاف النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله بعد انسحاب جيش الاحتلال ليثبتوا فشل كل مخططات التهجير وتمسكهم ببيوتهم حتى وإن كانت مدمرة.

وقال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس باسم نعيم في 26 يناير 2025 إن الفلسطينيين “سيفشلون مثل هذه المشاريع” كما فعلوا مع خطط مماثلة “للتهجير والوطن البديل على مدى عقود”

وأكد أن سكان غزة “لن يقبلوا أي عروض أو حلول، حتى لو كانت نواياها الظاهرة طيبة تحت راية إعادة الإعمار، كما اقترح الرئيس الأميركي ترامب”

شاهد أيضاً

مصر تحصر أعداد اللاجئين بها لمطالبة جهات دولية بدعمها اقتصاديا

أفاد تقرير لموقع “الحرة”، إن مصر تقوم بحصر أعداد المهاجرين، لتقديمها لجهات دولية من أجل …