هل طلبت السعودية وألمانيا قوانين لحماية استثماراتهم بمصر خشية رحيل السيسي؟

ألمح تقرير نشره موقع “الاستقلال” إلى أن طلب السعودية وألمانيا قوانين لحماية استثماراتهم بمصر/ جاء بهدف خشيتهم من رحيل السيسي ومطالبة الشعب باسترجاع ما باعه السيسي من أملاك المصريين.

ففي غضون خمسة أيام فقط، طلبت ألمانيا ثم السعودية من نظام عبد الفتاح السيسي توقيع اتفاقية لحماية وضمان استثماراتهما في مصر، ما طرح تساؤلات حول الأسباب.

هل لديهما، بجانب دول أخرى، مخاوف من عدم الاستقرار وربما خلع أو سقوط عبد الفتاح السيسي، وضياع أموالهم؟

أم أن الأمر مجرد اتفاقيات روتينية لحماية الاستثمارات، ضمن مسؤولية الدول في حالة مخالفتها لبنود اتفاقيات الاستثمار، وتحديد كيفية تسوية المنازعات الناتجة عن الاستثمار، وأبرزها التحکيم؟

وهل استعادتها مجددا حال تغيير النظام، يجوز قانونا بفرض أنه “استرداد لأموال الشعب” التي فرط فيها السيسي؟

يبدو أن تهديد مصريين بعدّ هذه الاستثمارات، خاصة السعودية والإماراتية، غير شرعية ولا معترفا بها، وسيتم استعادة الأصول المباعة فور زوال نظام السيسي لأنها تضمنت تفريطا، أثار قلقا ومخاوف من طالبوا بقوانين لحماية استثماراتهم.

وطلب حماية الاستثمارات أمر غير عادي في الاتفاقيات بين الدول، ولكن يتم طرحه غالبا في الدول التي يخشى المستثمرون عدم الاستقرار بها، حسبما يقول خبراء قانون واقتصاد.

ألمانيا تشكو

كانت البداية حين زار الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، مصر يوم 11 سبتمبر/أيلول 2024، وطرح خلال لقائه مع السيسي مخاوف بلاده بشأن استثماراتها وطلب توقيع اتفاقية لحمايتها.

هذا القلق من جانب الرئيس الألماني، اضطر السيسي رأس النظام نفسه لمحاولة طمأنتهم.

أكد له السيسي “التزام مصر بحماية الاستثمارات الأجنبية بصفة عامة ومنها الاستثمارات الألمانية، والوفاء بمستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مصر”، بحسب “سي إن بي سي” في 11 سبتمبر.

قال له: “نؤكد للشركات الألمانية أن عليهم أن يتأكدوا أن استثماراتهم مؤمنة ومحمية بشكل كبير جداً، وهذا التزام أود أن أسجله هنا في المؤتمر الصحفي”

لكن إثارة الرئيس الألماني مسألة القلق على الاستثمارات الألمانية، والتي تقدر بـ7.1 مليارات دولار في مصر، وأيضا مستحقات الشركات الألمانية المتأخرة في مشاريع مصرية، ظل يزعج وسائل إعلام ألمانية.

وتحذر تقارير أجنبية من مخاطر الاستثمار في مصر في ظل سياسات النظام التي أفقرت المصريين والمخاوف من ثورة شعبية قد تؤدي بمنع ووقف بيع مشاريع لدول خليجية.

وقبل زيارة الرئيس الألماني لمصر، تحدثت تقارير إعلامية عن انسحاب شركة سيمنس الألمانية من تشغيل أكبر محطتين للكهرباء في مصر نتيجة تأخر مستحقاتها المالية.

وهو ما نفاه مجلس الوزراء المصري في يوليو/تموز 2024، مؤكدا التزام مصر بسداد المستحقات المالية للشركة في مواعيدها المحددة.

وشهد لقاء السيسي والرئيس الألماني قيام السيسي بتكرار سرد ما قدمه من خدماته للغرب.

وتأكيده أنه يمنع 9 ملايين لاجئ في مصر من السفر لأوروبا، ما عده معارضون محاولة للابتزاز وطلب أموال واستثمارات مقابل هذه الخدمات.

ضد الثورة

كان الخبر الأبرز خلال زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي للسعودية، ليس الاستثمارات السعودية، بقدر ما هو كيفية حماية مصر لها، وتوقيع اتفاق لحمايتها، ربما خشية من تغييرات سياسية قادمة في مصر تؤثر عليها.

بوابة “الهيئة العامة للاستعلامات” الحكومية المصرية، نقلت عن “مدبولي” قوله في 16 سبتمبر 2024: “نعمل حاليا على الانتهاء من اتفاقية حماية الاستثمارات المشتركة، والتي من شأنها أن تسهم في زيادة الاستثمارات بين البلدين”

كشف عن “الانتهاء من صياغة اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات السعودية”، وأكد أنها حاليا قيد اللمسات الأخيرة تمهيدا لبدء الإجراءات التشريعية والقانونية لإصدارها رسميا في مصر، متوقعا دخولها حيز التنفيذ الفعلي في أقل من 3 أشهر.

وأكد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، إحراز الجانبين المصري والسعودي تقدما في “اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين البلدين”، والتي قال إنها “تهدف إلى حماية المستثمرين السعوديين الذين يتطلعون إلى مضاعفة استثماراتهم في مصر”.

وكشف موقع “انتربرايز” الاقتصادي في 17 سبتمبر 2024، أنه سيتم الانتهاء من اتفاقية حماية وتشجيع التجارة والاستثمار لحماية وتشجيع الاستثمارات السعودية، وستدخل حيز التنفيذ “خلال الشهرين المقبلين على الأكثر”

وقبل توقيع اتفاق حماية الاستثمارات السعودية بمصر، كشف وزير الاستثمار والتجارة الخارجية “حسن الخطيب” لموقع “الشرق بلومبيرغ” في 9 سبتمبر 2024 أسباب توقيع مثل هذه الاتفاقية، التي عدها “أولوية” و”الشغل الشاغل” لمصر.

قال إن من ضمن أهداف الاتفاقية “ضمان الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات”

كما تضمن الاتفاقية “حماية الاستثمارات من أي إجراء يمس ملكيتها أو تجريد مستثمريها كلياً أو جزئياً من بعض حقوقهم مع منع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى”

وضمن طمأنة مصطفى مدبولي، السعوديين بشأن حماية استثماراتهم، أعلن إنهاء كل مشاكلهم الاستثمارية في مصر قبل نهاية عام 2024، وحصيلتها الإجمالية 95 مشكلة تبقى منها فقط 14، وفق تأكيده لعدد من المستثمرين في الرياض.

أكد مدبولي أن الحكومة حريصة على حماية استثمارات السعودية حتى ولو تجاوزت القوانين.

قال: “كنا بنأخذ القرارات داخل مجلس الوزراء مش عاوز أقول بنتجاوز بس كنا بنعلو ونتخطى الإجراءات القانونية التي كانت موجودة على الأرض” لحل تلك المشكلات بطريقة “خارج الصندوق”

ومظاهر القلق على الاستثمار الخارجي في مصر ليست قاصرة على السعودية، فقد أظهرت الإمارات قلقا مماثلا وترددت أنباء عن توقيع اتفاقات مماثلة لحماية الاستثمارات حال تغير نظام السيسي، دون وجود ما يؤكد ذلك رسميا.

واستغرب محللون مصريون من إقبال خليجيين على الاستثمار في مصر رغم أن مصر غير جاذبة للاستثمار في الوقت الحالي؛ لأسباب منها غياب القانون وانعدام الشفافية والفساد، مفسرين ذلك بأنه “يأتي لمصر الفاسدون لينهبوا ثرواتها؟”

ووصف تقرير لـ”معهد واشنطن” مصر بأنها “أكبر من أن تفشل”، ولكنه أكد أنه “من المحتمل أن يستمر التدهور وسط تصاعد الديون، وارتفاع معدلات التضخم، وتأخر سحب الاستثمارات العسكرية”، أي سيطرة العسكر على الاقتصاد.

وقال الباحث في المركز “ديفيد شينكر” إنه في ظل التردد الحاصل لإخراج الجيش من الاقتصاد وغياب شبكة الأمان المالية الخليجية التقليدية، فمن الممكن حدوث مزيد من التدهور”

ورفضت بريطانيا استثمارات إماراتية لأنها “خطر على الأمن القومي” ومنعتها من شراء مجموعة “تليغراف” الإعلامية؛ خشية سيطرة أبو ظبي على المشهد الإعلامي في المملكة المتحدة، بحسب صحيفة “الغارديان” في 26 يناير/ كانون الثاني 2024.

كما منعتها يوم 24 يناير 2024 من امتلاك حصة تقدر بـ 15 بالمئة من شركة فودافون البريطانية.

وقالت الحكومة البريطانية إن الحصة التي تسعى الإمارات لشرائها “تشكل خطراً على الأمن القومي” وأمرت باتخاذ خطوات لإزالة الخطر بوقف الصفقة.

لماذا حماية الاستثمارات؟

طلب السعودية وألمانيا قوانين خاصة لحماية استثماراتهما من الثورة والاضطرابات التي قد تحدث في مصر، أثار تكهنات حول: لماذا لا تثق السعودية وألمانيا في الاقتصاد المصري؟

هل ترى الحكومتان أن وضع نظام السيسي غير مستقر أو أن هناك أزمات اقتصادية أخرى ستتوالى والوضع الحالي هش ومؤقت لذا طلبوا تحصين مشروعاتهم من قرارات أي نظام مختلف محتمل قد يأتي بعد السيسي؟

ويرجع الخبير الاقتصادي “عبد الحافظ الصاوي” حرص دول مثل ألمانيا والسعودية وغيرها على وضع شروط وضغوط على مصر من أجل الاستثمار في البلاد لعدة أمور منها “غياب المؤسسية” عن الاستثمارات الأجنبية في مصر.

أوضح لـ “الاستقلال” أن معظم الاستثمارات الأجنبية في مصر يتم الاتفاق عليها بين الصندوق السيادي (التابع للسيسي مباشرة) أو مع القوات المسلحة (شركات الجيش)، وعبر قوانين خاصة.

ودخول هاتين المؤسستين في هذه الاتفاقيات “يثير مخاوف لدى المستثمر الأجنبي حال وقوع أي تغيرات عنيفة أو ناعمة في مصر، لأنه قد يحدث إلغاء أو تغيير في هذه الاتفاقيات الاستثمارية”، وتخسر دول استثماراتها في مصر.

فمعظم القوانين التي نظمت نشاط هاتين المؤسستين هي قوانين أشبه بالاستثنائية، فالصندوق السيادي أنشئ بقانون خاص، وكذلك القوانين التي أعطت الجيش الحق في شراكة الأجانب أتت في فترة غابت فيها المؤسسية بشكل كبير جدا.

ويقول “الصاوي” إن من عيوب هذه الاتفاقيات أيضا لطلب الحماية للاستثمارات أنها تأتي معها كثير من الشروط والضغوط على الجانب المصري نظير إعطائه بعض الاستثمارات، كما حدث في صفقة رأس الحكمة.

فالإمارات اشترطت اختيار مكان متميز، له علاقة بالأمن القومي المصري، لتشتريه وتبني فوقه “مشروعا سياحيا” لا تساوي قيمته شيئا للاقتصاد المصري، ولا يساعد مصر – مثل المشاريع الصناعية الجادة- على التحرر من التبعية للخارج.

ويضيف الصاوي أن السعودية وألمانيا تدركان أن وضع الاقتصاد المصري سيئ جدا وهناك خلل في بنية الاقتصاد المصري وما أُعلن عنه بشأن تحسن في الفترة الماضية ليس استقرارا حقيقيا ولكن “مُصطنع”

 بدليل أن القيود على الصرف الأجنبي بدأت تعود مرة أخري، وأيضا القيود على بعض الواردات في مصر، لهذا طلبت الدولتان ضمانات للاستثمار من أي فوضى اقتصادية قد يواكبها ثورة شعبية أو اضطرابات.

استرداد الأملاك

توقيع السعودية هذه الاتفاقية مع مصر لحماية استثماراتها في مصر في حالات “الاضطراب أو الثورة”، والنص على عدم جواز منع “مصادرتها أو تأميمها أو التحفظ عليها أو نزع ملكيتها أو إخضاعها لأي جهة”، حسب نص الاتفاق، بدا غريبا.

 عده الصحفي المصري جمال سلطان “قلقا سعوديا من مستقبل النظام في مصر”

وسخر منه المهندس ممدوح حمزة، في “نصيحة للإخوة السعوديين” كتبها عبر تويتر ثم حذفها، مؤكدا لهم أن مصطفي مدبولي “غير مخول بالبيع”

قال لهم: “لو بتشتري أملاك الشعب شركات أو أراضي فأنت بترمي فلوسك في الأرض”، و”مهما تكتب من عقود وضمانات، فالطرف الذي توقع معه غير مخول لك أنت والإماراتيين”

وسبق للمهندس يحيى حسين عبد الهادي، المعتقل حاليا، أن كتب يوم 12 يوليو/ تموز 2024، يحذر مثل “حمزة” من يشترون من السعوديين والإماراتيين أراضي ومنشآت باعها لهم السيسي.

قال: “يجبُ إعلامُ وإعلانُ كل من اشترى أو يفكر في أن يشترى أَيَّاً من هذه الأصول أننا بُرَآءُ من هذه السُلطةِ وكُلِّ بيوعاتها”

أكد (وكرر معه مصريون عبر مواقع التواصل نفس الأمر): “لم أُفَوّض أحدا أَيَّا كان لبيع حِصَّتِي في المِلْكِية العامة، وهذه البيوعات باطلةٌ وفقاً لكل القوانين المحلية والدولية العادلة، لأنها ممن لا يملك لمن لا يستحق”

“وأحتفظ بِحقي في استرداد أملاكي بمجرد زوال هذا البائع الجاثم على أنفاس المُلَّاكِ الحقيقيين، فالبيع بلا توكيل والتوكيل مزور”

وبالتزامن مع توقيع اتفاق حماية الاستثمارات السعودية في مصر، ظهر مصريون على مواقع التواصل وهم يحذرون الإمارات والسعودية أن الشعب المصري لم يبع شيئا وسيتم إرجاع ما تم بيعه “لما يبقى لدينا رئيس وطني”

وقال حزب “تكنوقراط مصر”، في رسالة كتبها الدكتور يسرى عزيز، موجهة إلى السعودية تعليقا على طلبها صياغة اتفاقية حماية لاستثماراتها في مصر: لا أعلم لماذا ترغبون في حماية استثماراتكم في مصر؟

“هل هناك دلائل تثبت أن النظام المصري يرغب في الاستيلاء على استثماراتكم؟ هل انعدمت ثقتكم في النظام الحالي؟ أم أن هناك دلائل تثبت لكم أن هذا النظام لن يستمر وأن الانفجار الشعبي قادم لا محالة؟

وكرر “تكنوقراط مصر”، تحذيرهم لدول الخليج “الذين استولوا على ممتلكات الشعب المصري بشكل غير قانوني من مَغَبَة الاستيلاء على الأملاك المصرية” مؤكدين أن “كل أموالكم سوف تكون في مهب الريح بمجرد رحيل هذا النظام”.

وقالت وكالة “بلومبيرغ” في 16 سبتمبر 2024 إن اتفاقات الاستثمار السعودية مع مصر تأتي ضمن تشكيل دول الخليج مصدرا رئيسا للاستثمار بالنسبة لمصر، التي خرجت من أزمة اقتصادية استمرت عامين.

وذلك بعد تأمين حزمة إنقاذ عالمية بقيمة 57 مليار دولار بقيادة صندوق النقد الدولي والإمارات، التي رصدت 35 مليار دولار في صفقة شملت حقوق تطوير (شراء) بقعة رئيسة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط (رأس الحكمة)”.

الديون “استثمارات”!

لم يقتصر الأمر على توقيع حكومة السيسي اتفاقية لحماية الاستثمارات السعودية من “الاضطرابات والثورة”، حيث طرحت الاتفاقيات تساؤلا: هل سيبيع السيسي أصولا مصرية للسعودية في صورة استثمارات عوضا عن الديون؟

فقد أعلنت السعودية، عبر وزير استثماراتها، أنها تسعى لتحويل ودائعها لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات في مصر من خلال صندوق الاستثمارات العامة.

الوزير السعودي خالد الفالح قال إنه “يوجد توجّه لدى الجانب السعودي لتحويل الودائع إلى استثمارات”، من قِبل “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي.

وخلال اجتماع مصطفى مدبولي مع ولي العهد السعودي تم الإعلان عن استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودية بمصر.

لكن البيان لم يكشف أي تفاصيل حول الجدول الزمني أو الأهداف المحتملة للتمويلات الجديدة.

ولم يؤكد البيان الصادر ما إذا كانت الـ5 مليارات دولار التي يعتزم الصندوق السيادي ضخها بالسوق المصرية ستكون مقابل ودائع سعودية لدى مصر أم لشراء أصول؟

وتمتلك السعودية ودائع بالبنك المركزي المصري، قيمتها 10.3 مليارات دولار، تتوزع بين 5.3 مليارات دولار ودائع متوسطة وطويلة الأجل، و5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل، بحسب “الشرق بلومبيرغ” في 21 أبريل/نيسان 2022.

وتعد المملكة ثاني أكبر دولة مساهمة في الودائع طويلة الأجل لدى البنك المركزي المصري، فمن بين هذه الودائع البالغة قيمتها الإجمالية 14.9 مليار دولار، حتى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2023، للسعودية منها 5.3 مليارات دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.

 

شاهد أيضاً

قلق إسرائيلي من الجيش المصري والقاهرة ترد: الدولة الكبيرة تحتاج جيش قوي

بعد أيام من تساؤل مسؤول إسرائيلي حول سبب قيام مصر بتسليح جيشها رغم غياب التهديدات، …