احسبْ عدد الشهداء الفلسطينيين، ضحايا المذابح الإسرائيلية، في الأسبوع التالي لطرح الرئيس الأميركي ما سميت خطة إنهاء الحرب، مقارنة بعدد الشهداء في الأسبوع السابق لطرح المقترح، سوف تكتشفْ أنّ عدد جرائم الحرب الصهيونية يتناسب طرداً مع صفقات الهدنة والتبادل.
يتأسّس مقترح جو بايدن، الذي تلقّفته أطراف عدّة باعتباره خريطة طريق إلى السلام، على مسألتَين أساسيتَين: استعادة أسرى الاحتلال من غزّة، وفتح الطريق لتطبيع تاريخي بين السعودية وإسرائيل، فيما تحضرُ قضايا التبادل، وإعادة انتشار جيش الاحتلال في قطاع غزّة، وعودة النازحين، والبدء في إعادة الإعمار، مسائلَ ثانوية.
بعد دقائق من مذبحة النصيرات (السبت الماضي)، التي أسفرت عن نحو 280 شهيداً، جُلّهم من الأطفال والنساء، اكتست ملامح الرئيس الأميركي بالبهجة، وهو يُعبّر من العاصمة الفرنسية عن ترحيبه بعودة أربعة من الأسرى الإسرائيليين من طريق جريمة وحشية مشتركة بين تل أبيب وواشنطن، مُعلناً: “نتوقّف حتّى يعود كلّ الرهائن إلى إسرائيل، وحتّى نصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الشامل”. ما يقوله بايدن ترديد لما يقوله نتنياهو، الذي أعلن بعد يوم من المذبحة، بحسب ما نقلت هيئة البثّ الإسرائيلية: “لم تكن هناك صفقة رهائن، لأنّنا لن نتخلّى عن استكمال أهداف الحرب”.
في اليوم التالي لاحتفال الصهاينة الصاخب بالمذبحة، التي استردّوا بها أربعة أسرى أحياءَ، واعتبرها نتنياهو إنجازاً “يُدّرس في تاريخ العسكرية”، بدأت الحقائق تتكشّف، إذ حصل الاحتلال على أربعة أسرى أحياءَ. وخسر، في اللحظة ذاتها، ثلاثة أسرى، قتلهم بيده، ومعهم ضابط صهيوني من رتبة كبيرة قتلته المقاومة التي خاضت معركةً باسلةً ضدّ القوات الغازية، لتكون النتيجة النهائية صفراً في امتحان العسكرية، وجريمة حرب جديدة تضاف إلى السجلّ الإسرائيلي الأميركي الإجرامي، منذ بدء العدوان على غزّة.
لم يتذكّر بايدن قتل أكثر من 280 فلسطينياً ثمناً لعملية عسكرية فاشلة، وجريمة ضدّ الإنسانية ناجحة تماماً، فالرجل محدّد الأهداف منذ البداية؛ استعادة الأسرى، والقضاء على المقاومة، وضمان أمن الاحتلال، حتّى لو تطلّب الأمر إبادة الشعب الفلسطيني كلّه، إذ يخوض بايدن المعركة بالاعتبارات والأهداف التي يحملها جيش الاحتلال. من المُهمّ، هنا، التذكير بأنّ الزيارة الأولى للرئيس الأميركي إلى المنطقة بعد انتخابه كانت إلى الكيان الصهيوني، يسبقها اعتزازه بانتمائه للصهيونية. لذا، كانت فرحة المجتمع السياسي الصهيوني، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين المُتطرّف، بزيارة الرئيس المسنّ، لا تقلّ عن مثيلتها لسابقه دونالد ترامب، إن لم تكن تزيد عنها، إذ وصف رئيس حكومة الاحتلال، وقتها، يائير لبيد، الرئيس بايدن بأنّه “أفضل صديق لإسرائيل في تاريخ السياسة الأميركية، حتّى من دون الحاجة للتذكير بمقولته (بايدن) إنّه “لا حاجة لأن تكون يهودياً كي تكون صهيونياً”، مضيفًا أنّ “طائرة الرئيس الأميركي ستقلع من القدس باتجاه السعودية، وسيحمل معه رسالة سلام وأمل. إسرائيل تمدّ يدها لكلّ دول المنطقة، وتدعوها لإقامة علاقات معها، وبناء علاقات لتغيير التاريخ من أجل أولادنا”.
يتعلق الهوس الطفولي بمقترح بايدن أو خطّته بوهم الخلاف بين بايدن ونتنياهو، رغم أنّ كلّ الشواهد تقول إنّهما شركاء في الغايات والوسائل، وما يظهر من ملاسنات عابرة ليس إلّا نوعاً من تكتيكات التخدير بالصفقة من أجل توسيع الإبادة، فكلاهما يريد هدنة لاسترداد الأسرى من دون وقف الحرب، ويعرض صفقة من دون ثمن حقيقي يدفعه الاحتلال، ويسعى إلى اجتثاث المقاومة باعتبارها مُعطّلاً لاستكمال مخطّط التطبيع، الذي يعني، في النهاية، إخضاع كلّ الدول العربية للواقع الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، يحضُر إعلان الخارجية الأميركية، قبل أيام قلائل من وصول بلينكن إلى إسرائيل، وإلى عواصم عربية، “أوضحنا دائماً أنّه لا يمكن أن يكون هناك أيّ تعامل كالمعتاد مع حماس بالنسبة لدول المنطقة”.
من المفترض، نظرياً، أنّ تدفع جريمة النصيرات المُتحمّسين للاصطفاف خلف بايدن إلى مراجعة حساباتهم، ووقف هذا الاندفاع في محاصرة المقاومة، وممارسة الضغط عليها، لكي تقبل تمرير مشروع بايدن.