وليد شوشة
وليد شوشة

وليد شوشة يكتب: المسلمون وأخطار الدول الكبرى

المجازر البشعة التي ترتكبها في سورية الطائرات الروسية ومن دعمها بالمشاركة أو التخطيط أو الصمت من الدول الغربية وأمريكا؛ ما هي في الحقيقة إلا حلقة في سلسلة طويلة من الحقد والبغضاء على العرب والمسلمين.

إن للغرب تاريخاً طويلاً من العداء للعرب والمسلمين منذ غزو بلادنا، وإشاعة القتل والتدمير، وصناعة أتباع ضعفاء من المستبدين الذين يقومون على تنفيذ مخططاتهم حتى اليوم. والحروب الصليبية كانت مرداً لهذه العداوة الشديدة كما قال مؤرخو التبشير؛ وهذا المبشر “جسب” يوّد لو أن  يُمحي الإسلام من العالم!

وقال الراهب “روبرت”؛ أحد الذين شاهدوا ما حدث في بيت المقدس إبان الحروب الصليبية:” كان قومنا يجوبون الشوارع والميادين وسطوح البيوت ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خُطفت صغـارها! كانوا يذبحـون الأولاد والشباب، ويقطعونهم إرباً إربا، وكانوا يشنقون أناساً كثيرين بحبل واحد بغيـة السرعة، وكان قومنا يقبضـون كل شيء يجدونه فيبقرون بطون الموتى ليخرجوا منها قطعاً ذهبية! فيا للشره وحب الذهب، وكانت الدماء تسيل كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث”.

ثم جاء الاستعمار الغربي وجثم على صدر معظم بلاد العرب والمسلمين لسنوات طويلة، قتل فيها ونهب وخَّرب, وما زالت آثار جرائمه باقية في ذاكرة الشعوب حتى اليوم. فلن تنسى الجزائر شهداءها الذين قتلتهم فرنسا المحتلة؛ ما يقارب 960 ألف جزائري حسب المؤرخين و1.5 مليونحسب الحكومة الجزائرية.

لقد بدأ الغرب معركته الكبيرة والخطيرة على العرب والمسلمين منذ أمد طويل، وما زال يوقد لها النار كلما همدت، وما زالت رحاها دائرة في حلب الشهباء اليوم, مستخدمين كل وسائل الإرهاب والتنديد والتنكيل والتآمر والخداع, وعملياتُ الإبادة والمجازر شاهدة عيان تفضح مكرهم، واختباءهم خلف جُدر الوهم والخداع باسم محاربة الارهاب، الذي لم يعد يصدقه أحد.

يقول أنور الجندي : ” والملاحظ أنه كلما نمت حركات اليقظة العربية والإسلامية واستحصدت، زاد التآمر الغربي على العرب والمسلمين في تسميم الآبار وإفساد المفاهيم، وتحريف القيم، وقد سعى إلى ذلك بمختلف الوسائل، منها: تغريب الوجود السياسي والاجتماعي، وعن طريق السيطرة السياسية، وعن طريق الغزوة العسكرية والتضييق الاقتصادي، ثم عن طريق تمزيق الوحدة الإسلامية بإثارة نزاعات القوميات والإقليميات. ثم مضت المؤامرات والتجمعات لاحتواء هذه اليقظة الإسلامية العربية في عدد من البلدان العربية والإسلامية تخوفاً من قيام ثورات إسلامية”.

وجاء في صحيفة يديعوت أحرنوت:” إننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة، ولهذا فيجب علينا أن لا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع يقظة الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى ذلك الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف في إخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية”.

لذا فالحرب مستعرة في كل بلاد العرب التي قامت فيها الشعوب بالثورة من أجل تغيير أنظمة الظلم والاستبداد التابعة للغرب وهيمنته.

وقد هب الغرب من أجل الدفاع عن رجاله، ووقف في صف الحركات المضادة لهذه الثورات لينال منها ويضعفها أو يقضي عليها. والواقع في مصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق وفلسطين يؤيد ذلك ويؤكده، ويفضح كيدهم ومكرهم. وسوف تكتب الدماء الطاهرة التي ما تزال تسيل؛ لعنتها على القتلة المستبدين ومن يقف خلفهم سافراً أو من خلف ستار.

يرى المستشرق الألماني “كارل بكّر” السبب وراء هذا الحقد وهذه البغضاء:” أن الإسلام لما انبسط في العصور الوسطى أقام سداً في وجه انتشار النصرانية ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها”. ورأي “جاردنر”:” أن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا”.

وأبرز “لورانس براون” السبب فقال:” إذا اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له, أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير”.

وكان القس “سيمون” واضحاً حين قال:” إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر، وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوروبية”.

لم يعد ممكناً اليوم أن نغمض أعيننا عن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ونظل واقفين في مربع الدفاع عن تهمة نحن منها براء، وهي تهمة الارهاب! ونظل نتساءل ونحن نحمل أشلاء أطفالنا ممزقة في حلب والدماء تملأ الشوارع، والمنازل تتهدم على رؤوس ساكنيها: كيف يكون هؤلاء إرهابيين!

 والمتفحص في الأطراف الدولية المعلن منها والخفي يعرف من المستفيد من هذا الغزو، وعلى حساب  تلك الدماء الطاهرة التي ما زالت تسيل في العالم العربي والإسلامي.

إن الطائرات الروسية، وجيش الأسد وداعميه، ومن ساندهم, بصمته عنهم، وأغماض عينيه عن رؤية بشاعة مجازرهم، وصم أذنيه عن سماع صراخ ثكلانا، وتشريد قاطني مدن بأكملها، كانت يوماً عامرة بالحياة، ثم أصبحت أثراً بعد عين, هؤلاء هم القتلة وجميعهم إرهابيون؛ هؤلاء الذين عجزت أو لم تتحرك الدنيا بمن فيها مجلس الأمن والأمم المتحدة عن وقف مجازرهم، أو إدانتهم, حتى أصبحت معاقبة القاتل حلماً! والساكت عن الحق شيطان وقاتل أخرس، والسكوت من علامات الرضا.  

علينا أن نعي أنه ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك, ومن يحملون لنا البغضاء وما تخفي نفوسهم أكبر من الكراهية، لن يكونوا يوماً أحن علينا، منا بأنفسنا. ومن ظن بأنهم يريدون مصلحتنا، ويدافعون عن شعوبنا فهو واهم.

والواجب اليوم للخروج من أزمتنا وحدة الصفوف، ولم الشمل العربي والإسلامي، والقضاء على الخلافات، ودعم مشاريع الشعوب السلمية وحقها في التغيير والحياة، ومساندتها بكل الوسائل، ودعمها بكل الطاقات، ونشر الوعي الجمعي بقضاياها العادلة. كما يجب على الحكومات العربية أن تعي أن شعوبها هي حائط الصد المنيع ضد أعداء الأمة، وليست الخطر، والتقرب منها أفضل لحفظ أمنها ومقدراتنا.

جاء في مجلة الأمة القطرية, العدد السابع، السنة الثالثة 1983: “ولا شك أن قيام وسائل الإعلام بمسؤولياتها في وصف الجريمة وبيان حجمها، وتقديم صورة حية عنها أمر في غاية الأهمية وأداء لأحد جوانب المسؤولية. لكن الاقتصار على ذلك دون القدرة على اقتراح الحلول وتبيان سبل المواجهة لهذه الجرائم لتأخذ بيد الأمة إلى امتلاك الوسيلة الصحيحة هو مكمن الخطر.. إن الاكتفاء بالتشخيص وبيان أعراض المرض دون القدرة على تقديم العلاج يحمل الكثير من الخطورة، ويخشى أن يساهم ذلك مساهمة سلبية عن غير قصد بقوة الأعداء واستحالة النصر عليهم وحصول التطعيم النفسي بالقهر والهزيمة، وزرع القابلية بالأمر الواقع، وإضافة حواس جديدة لقبول الذل والهوان فيصدق فينا قول الشاعر:

من يهن يسهل الهوان عليه     ما لجرح بميت إيلام “.

شاهد أيضاً

السفير عبدالله الأشعل يكتب : رسالة إلى الشعب الإسرائيلي

من السفير عبدالله الأشعل المحب للسلام فى المنطقة والتعايش بين صاحب البيت والضيف. أزجى النصيحة …