لم تتميز منطقتنا العربية بموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية فحسب، بل تميزت أيضاً بمواردها البشرية من المفكرين والأدباء والمبدعين والعلماء الذين اشتهر علمهم وفضلهم، وذاع صيتهم وانتشر فكرهم، ولا تزال الأمة تُنجب لنا نوابغ نتشرف بهم، وننهل من علمهم وفكرهم.
من هؤلاء الدكتور علي الحمادي؛ أحد رواد الابداع في الخليج والعالم العربي، الذي أثرى المكتبة العربية بعشرات الكتب، وحديثه العذب في عدد من الفضائيات العربية، ومئات المقالات في الصحف الخليجية والعربية.
والدكتور علي الحمـادي من مواليد (ديسمبر 1961 ) بدولة الإمارات العربية المتحدة وحاصل علي دكتوراه في التطوير الإداري من جامعة ويلز بالمملكة المتحدة (ديسمبر1991) وبكالوريوس في الهندسة الصناعية من جامعة نورث كارولينا في الولايات المتحدة الأمريكية (ديسمبر 1982). حاصل علي دبلوم في البرمجة العصبية اللغوية (NLP) نوفمبر 1997م . مؤسس ورئيس مركز التفكير الإبداعي بدبي, رئيس مجلس إدارة قناة “حياتنا” الفضائية. رئيس مركز التدريب والاستشارات القيادية( TCC) Leadership Training and Consulting Centre)) في لندن بالمملكة المتحدة. مؤسس ورئيس مركز الدقيقة الواحدة بدولة الإمارات العربية المتحدة. المشرف العام السابق على الموقع الإلكتروني “إسلام تايم”. له أكثر من (50) كتاباً في فنون ومهارات الإدارة المختلفة والفكر الإسلامي.
يُعد الحمادي رائداً للمبدعين العرب. كيف لا؟ وهو الذي أفرد للإبداع مساحة كبيرة من مؤلفاته، وسبق في التعريف به والدعوة إليه، فكتب “شرارة الابداع “عام 1999 م وكان الإصدار الأول ضمن “سلسلة الإبداع والتفكير الابتكاري” والتي اشتملت علي ستة كتب ووضع سلسلة لاكتشاف وتنمية الإبداع عند الأطفال (الطفل المبدع) فكتب لهم أربعة كتب (كيف تجعل ابنك الصغير مستعداً ليكون مبدعاً؟ , الطرق الثلاثة الكبرى لتنمية الإبداع عند الأطفال, طرق تنمية الإبداع عند الأطفال). وبذلك يقف شامخاً مُحدثاً ومبشراً بالإبداع.
تميز الحمادي وتفرد عن غيره من المبدعين، ورواد التنمية الإدارية والبشرية بمنهجية ومسار مختلف، وهو معالجة المشكلات الإدارية والتبشير بالإبداع بعقلية عربية إسلامية، تتضح فيها الأصالة والتراث باستحضار التاريخ الحافل بالأدب والشعر والأمثال والقصص بجانب الآيات والأحاديث ونثريات الصحابة والتابعين.
وتستطيع أن تري منهجه باتفاقه مع ما ذهب إليه الشيخ محمد الغزالي في مقدمة كتابه “جدد حياتك ” أن” الخلاصات التي أثبتها – ديل كارنيجي – بعد استقراء جيد لأقوال الفلاسفة والمربين وأحوال الخاصة والعامة تتفق من وجوه لا حصر لها مع الآيات الثابتة في قرآننا والأحاديث المأثورة عن نبينا “, في الوقت نفسه ضرب في كل غنيمة بسهم، واستفاد من المبدعين الغربيين ونقل عنهم، فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها, دون أن تطغي عليه علومهم وتصبح وحدها المرجع ووسيلة النقل.
والحقيقة أن الغرب كان أسبق في تدوين الابداع وعلم الإدارة بالشكل المعروف عليه الآن، وانزاله علي الواقع العملي بنجاح ومهارة كبيرة، ظهرت نتائجها في نجاح عدد كبير من الشركات العالمية والحكومات الغربية.
استطاع الحمادي أن يؤسس لمنهجية ابداعية وإدارية عربية اسلامية – إذا جاز التعبير- عبر استحضار هذا الكم الهائل من بطون الكتب العربية ليضعها في مكانها المناسب في كتبه وأبحاثه، ويبرهن عملياً على أن تراثنا العربي والاسلامي مليئان بكل ما هو نافع ومؤهل للتطبيق والمنافسة، ولكنه يحتاج إلي تاجر ذكي لعرض بضاعته بمهارة، وكان الحمادي شيخ التجار.
ولعل الشيخ الغزالي يكون قد سبقه في هذا المنهج بكتابه “جدد حياتك ” وهو النسخة العربية المقارنة لكتاب ” دع القلق وابدأ الحياة ” لديل كارنيجي. ولكنها تبقي محاولة وحيدة لأن المجال ليس مجاله ولا منهجه، حتي الدكتور طارق سويدان وهو من رواد الابداع والإدارة في الخليج والعالم العربي، ومعه الدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله، وغيرهما، ظهر عليهم التأثر بالمنهج الغربي ورواده، وطريقة أدائه، وهذا ظاهر بوضوح في مؤلفاتهما – باستثناء عدد من مؤلفات سويدان – ، ولعل السبب يرجع إلي الفترة الطويلة التي قضاها كل منهما للتعليم والإقامة في أمريكا وكندا.
وللدكتور الحمادي أسلوب سهل بسيط ينساب كالماء العذب رقراق، يتلقاه القارئ أياً كان مستواه الفكري بكل سهولة واستمتاع، لحرصه على صغر المحتوى مع عمقه؛ فمعظم كتبه من الحجم المتوسط، وعدد صفحاتها في حدود المئتين، ولاحتوائها على القَصصِ الممتع، وأبيات الشعر، والمواقف والأرقام ومساحة للتمارين المتروكة للقارئ ليقيّم نفسه بنفسه.
ولا يكاد القارئ ينتهي من قراءة الكتاب حتي يعود إليه مرة أخرى، وهذا ما حدث معي؛ حتى قرأت جميع مؤلفاته، وشملت مكتبتي كل ما كتب، وقرأت معظم مقالاته في ” مجلة عالم الابداع ” الكويتية، كما قرأت كثيراً مما نشر له في مواقع الانترنت، ولم ينتهي شغفي بأسلوبه وعلمه وسعة اطلاعه وكتبه كلما عدت إليها مرة بعد مرة.
ولو الأمر بيدي لضممت كتبه في الابداع إلي مقررات المناهج التعليمية لطلاب المرحلة الثانوية والجامعية في البلاد العربية.
وأتفق مع الأستاذ سيد قطب في مشاعره التي بثها إلى “حافظ الشيرازي” وأبثها أنا إلى “علي الحمادي”: لقد عشت أياما جميلة مع ” الحمادي” عبر كتبه، لست أدري كيف أشكره، فهذه الساعات الحلوة التي أتاحها لي لا تقدر بثمن تكافئ من ينقلك من الأيام الثقيلة الصاخبة الكئيبة، إلي جو طلق هادئ رفاف تشيع فيه الأنداد والأضواء، وترف فيه الأنسام والأصداء، ويستقبلك بالطلاقة والبشر والايناس.
لقد أخلدت مع الحمادي إلي الابداع الذي بيّن لي معالمه ومداخله وطرق اكتسابه، وشرح كيفية تنشئة الأطفال عليه، ووصف صفات المدير الناجح، وكيفية إدارة المشاريع، وهندسة الحياة، ودلني على الطريق إليها، وعلمني أنه إذا غلا شيء عليّ تركته، وأوصاني بـ100طريقة لأكون أباً ناجحاً، وعلمني صنعة العظماء، وروعة التحفيز، بروح صافية، لا تكدرها شوائب الحياة، ولا هموم العيش، ولا أحقاد الناس، ولا تفسدها كذلك غواشي القلق، ولا هموم الفكر، ولا الجدل الذهني العقيم.
فتحية إلى د. الحمادي من تلميذ لم يره، ولكنه يحفظ له الود والفضل ويرعاه، ويكن له الحب والتقدير، حتي يأذن الله بلقياه.