يحب أن ينتبه الجميع؛المؤيد منهم والمتضامن مع المستشار هشام جنينة، والمعارض له والشامت فيه، من مُعارضي الانقلاب.. إلي الجاني وليس المجني عليه، إلي المرض وليس العَرَضْ.. إلي الفاسد وليس كاشفه.. إلي أصل المشكلة وليس إلي الغُبار المثار حولها لتغطيتها.. إلي طريقة تعامل الدولة مع المؤسسات الرقابية المحصنة بموجب القانون، ومع المسئول الأول عن كشف الفساد والفسدة، والمحصن من العزل والإقالة.
لقد نجح الانقلاب وأذرعه الإعلامية في صنع عمليات إلهاء للثوار عن الحقائق، وشَغَلهم بما هو غير مُجدٍ أو نافع، ودفعهم إلي الوراء والتمترس خلف خط الدفاع؛ مع أن خير وسيلة للدفاع الهجوم، ومن ثم تَمَدَدَ في فراغهم, وأوقعهم في الحفرة ذاتها مراراً وتكراراً، وشَّتَّتَ فكرهم وضَّيع جُهدهم في الرد علي كل مُخرجات إعلامه التي لا تستحق الرد, ولو أنهم تركوه وراءهم ظهرياً، ووحدوا جهدهم وفكرهم في الفعل وليس رد الفعل، وفي العمل وليس الكلام، وفي التحرك للأمام خطوات في طريق اسقاط الانقلاب؛ لكان خيراً لهم وأكثر نفعاً.
ومما يجب التذكير به هنا: أن المبادئ والقيم أهم من الخصومات, والاتحاد من أجل القضاء علي السرطان الذي انتشر في جسد الوطن المريض في غفلة من أهله أولي من التنازع حول الأعْرَاض والأسباب .. قيمة إعلاء شأن الدستور، ودولة القانون، واحترام تحصين المؤسسات الرقابية وعدم التدخل في شؤونها، وتفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة, أهم وأولى.
إن واجب الوقت الآن هو رؤية الواقع ببصر وبصيرة، والانتباه من أن نُلدغ من الجُحر نفسه مرتين ، والوعي بحقيقة ” أن الوطن في طريقه للهاوية إن لم تتداركه أيادي المخلصين من أبنائه، ونظام الانقلاب هو من يدفعه إلي هذا المصير المجهول”.
(1)
عين الرئيس محمد مرسي المستشار هشام جنينة رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات، بقرار جمهوري رقم 172لسنة 2012 ، وهو أهم جهاز رقابي علي السلطة التنفيذية في مصر بدرجة وزير, حتى أقاله السيسي بقرار في 28مارس 2016، بحجة ” إضراره بسمعة البلاد وتأثيره علي الاستثمار والاقتصاد “، وقد نُشر قرار الإقالة في الجريدة الرسمية . والجهاز المركزي للمحاسبات يقوم بدور الرقابة الفعالة على أموال الدولة وأموال الشخصيات العامة المسئولة بالدولة والمنصوص عليهم في القانون، يُعاونه في ذلك مجلس الشعب المنتخب.
(2)
تصرفات دولة الفساد
أولاً: مخالفة القانون .. جاءت الإقالة مخالفة للدستور حسب المادة 216 في دستور 2014 الذي أُقر بعد الانقلاب (يعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولايُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء), إلا أن السيسي أصدر قرارًا جمهوريًا مُكوّنًا من مادة واحدة، بالقانون رقم 89 لعام 2015، مستغلًا غياب السلطة التشريعية، تمنح بموجبه رئيس الجمهورية صلاحية عزل رؤساء أو أعضاء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة.
ثانياً: أسباب شخصية … منها أن الرئيس مرسي هو من عينه, ثم كشفه لبعض فساد النظام الحاكم, ولأنه أحد رموز “تيار استقلال القضاء ” الداعم لثورة يناير، كما أنه كان مرشحاً لوزارة العدل في حكومة هشام قنديل، وتصريحاته الأخيرة عن فساد رجال النظام وأذرعه المهمة، وإعلانه أن الفساد ابتلع 600 مليار جنيه .
ثالثاً: التشهير الإعلامي ..تحركت مافيا الفساد وآلتها الإعلامية الضخمة من أجل التعجيل بذبحه؛ حيث صرح مصطفي بكري بأن (هشام جنينة أخَّل بمهام عمله .. وسنطالب بإعفائه من منصبه). وقال ممتاز القط : (هشام جنينة مضلل .. وتقريره عن الفساد مشبوه), وقال سليمان وهدان وكيل مجلس الشعب في مداخلة على فضائية المحور: ( أن النواب في حالة غضب شديد لتصريحات جنينة، ومش هنطبطب علي حد) ووفقاً ” لجريدة اليوم السابع ” أن جنينة قد (تورط في مؤامرة ضد أمن البلاد والسلم الاجتماعي، وتشويه مؤسسات الدولة), وكتب دندراوي الهواري في “المصري اليوم” تحت عنوان “هشام جنينة..سقوط آخر «ورقة توت» في «شجرة» الإخوان”: (أن هشام جنينة هدفه الرئيسي منذ وصول السيسي للحكم .. ليس كشف الفساد بقدر إحراج نظام رئيس الجمهورية، أي أنه سخر الجهاز الرقابي الأشهر في مصر، الجهاز المركزي للمحاسبات، ليكون معاول هدم لنظام السيسي، وتشويه صورة مصر) وختم مقاله: (ذهب هشام جنينة غير مأسوف عليه، لأنه فضل مصلحة جماعة الإخوان فوق مصلحة الوطن، كعادة كل أعضاء وقيادات والمتعاطفين مع الجماعة، وبدلا من أن يسطر اسمه بأحرف من نور في كتب التاريخ، شوه صورة مصر).
رابعاً: التعامل الأمني بعيداً عن القانون ..نقلت جريدة “اليوم السابع” أن (النائب العام المستشار نبيل صادق، طلب من المستشار أيمن عباس، رئيس محكمة استئناف القاهرة، ندب قاضٍ مستقل من أحد أعضاء المحكمة، لمباشرة مهام التحقيق مع المستشار هشام جنينة، وقررت النيابة العامة، ضم كافة البلاغات التي تولت نيابة استئناف القاهرة التحقيق فيها خلال الفترة الماضية، المقدمة ضد هشام جنينة، إلى ملف التحقيقات المفتوح بنيابة أمن الدولة العليا, والتي أصدرت بياناً قالت فيه: (إن تصريحات جنينة السابقة بأن حجم الفساد في المؤسسات والأجهزة الحكومية المصرية بلغ 600 مليار جنيه في عام 2015، غير منضبطة) وإنها تلقت مستندات وبلاغات من موظفين عاملين في الجهاز المركزي للمحاسبات ضد جنينه تتهمه باختلاس أوراق ومستندات خاصة بالجهاز، والاحتفاظ بها دون وجه حق، مستغلا منصبه كرئيس للجهاز). وفي جريدة ” المصري اليوم “عدد 30 مارس: (قام أفراد الأمن بالجهاز بمنع هيئة مكتب المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز السابق، من الدخول إلى مكاتبهم داخل الجهاز. وقالت مصادر من العاملين بالجهاز إن أفراد الأمن نفذوا التعليمات بإغلاق الطابق الأول من مبنى الجهاز الذي يضم مكتب جنينة والمكاتب الأخرى الملحقة به مثل المكتب الفني والعلاقات العامة والمركزالإعلامي).ثم أصدرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، يوم الاثنين 28 مارس، قرارًا بمنع جنينة من السفر.
وأضم صوتي إلي صوت الأستاذ وائل قنديل: “لا أدري إلى متى سوف تستمر هذه المعادلة: كلما سجّل النظام هدفاً في مرماه، رد بعض معارضيه بهدفين في مرمى الثورة، أو على الأقل لا يعترفون بصحة الأهداف التي يسجلها النظام البليد في نفسه؟!”.