يحيى عقيل العقيل يكتب: أمي ماتت .. ومات معها كل شيء

في أقصى الشمال الشرقي من شبه جزيرة سيناء, في قرية من قرى مدينة الشيخ زويد, تسقط قذيفة على بيت فتموت الأم وتترك ابنها يتيم الأم, وما أقساه من يتم, وما أصعبه من فراق, فقد الولد أمه التي يراها بعينيه الصغيرتين أجمل إمرأة, وأعقل إمرأة, وأكمل إمرأة, ومَن أعظمُ من الأم عطاءً ومن أعلى من الأم يدا؟

فقد أمه وفقد معها كل شئ, وأظلمت الدنيا بفراقها,  فما يكفيها نور الشمس ضياء، ذهب الولد لامتحانات العام  فوجد سؤالا في اللغة العربية يقول: اكتب موضوعا عن حب الأم, فكتب إجابة مختصرة مفيدة (ماتت أمي ومات معها كل شئ).. ماتت مغدورة في دارها, لم يستطع وداعها, ولم يتقبل  فيها عزاءً.  ذهبت وتركت غصة ومرارة في النفوس نتذكرها كلما حوَّمت في الجو طائرة أو سارت على الأرض مدرعة أو رأينا ذلك الضابط في زيه العسكري منتفخا علينا بلا سبب.

اختصر وصف المشهد في عموم المنطقة, وشخّص العلة, ووصف الأعراض, لكل أهالي تلك البلاد.

ماتت الام ومات كل شئ معها, فلا تظنوا أنه يرى حياةً, فكل ما حوله هو الموت أو جزء منه أو على الأقل بالنسبة له لا يرى في شئٍ حياة, لأن ينبوع حياته مات غدرا, ومات هو في حزنه عليها كمداً.

هذا وصف الحالة في هذه المنطقة..

مات كل شئ عندما مات الضمير الإنساني في نفوسٍ تحكمت في حياة الناس..

مات كل شئ عندما هان الإنسان فأصبح بلا ثمن ..

مات كل شيء عندما غُيِّبت الحقيقة وتم تضليل الناس وأصبح الكذب والتزوير سيد الموقف..

مات كل شئ عندما جُرفت زيتونة الوادي بلا سبب..

 مات كل شئ عندما عندما اتهم الأبرياء بالتكفير والارهاب لتبرير قتلهم وعدم تمكين أحد من الدفاع عنهم..

 مات كل شئ عندما أهين الإنسان وعُذِب..

 مات كل شيء عندما فقدنا الثقة في أي أحد وفي كل شئ..

 مات كل شيء عندما غُيبت مدينة رفح وقراها وتركها أَهلها وهاجروا لأنه لم يعد في إمكانهم أن يعيشوا فيها..

ماتت أمي ومات معها كل شيء..

موضوع كامل؛ مقدمة ومتن وخاتمة, في خمس كلمات كانما تضرب بها في وجه القوم.. لقد مات فيكم كل شيء, فكلكم موات, كأنكم خشب مسندة, وإن حسبتم في أنفسكم قوة وبطشاً, وإن ظننتم أنكم تصنعون حيا,ة ففي عيون براعم مصر مات كل شيء.

وإني لأتساءل: ياترى بماذا سيجيب أطفال سيناء إذا طلب منهم أن يكتبوا موضوعا في حب الوطن بدلا من حب الأم؟!

يا سادة الانقلاب .. لقد حققتم نجاحكم في قتل الحياة ثم كتب لكم الأطفال شهادة الوفاة في خمس كلمات, فحقا قتلتم كل شيء, وعلى أيديكم مات كل شيء.

ولعل الرسالة تكون وصلت إلى مصر والمصريين الأحرار, الأحياء, ولعلها أفصح بيانا, وأوضح تعبيرا, من كل مقالات العالم, ولعل الحياة تدب مرةً أخرى فنجد بعض شيء لا يزال حيّا.

عضو مجلس الشورى المصري عن شمال سيناء

شاهد أيضاً

احمد رمضان يكتب : كيف تعمل واشنطن على هندسة الشرق الأوسط الجديد؟

تستند سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط إلى نوعين من الأهداف، ثابتة ووظيفية. تشمل الثابتة: …