يحيى عقيل يكتب: الأرض والماء لإسرائيل

في عام ١٩٥٣ وافقت الحكومة المصرية على توطين الفلسطينيين من لاجئي قطاع غزة في سيناء، لكن لم تستطع أن تسوق للمشروع شعبيا فأصدرت بيانا تتحلل فيه من الاتفاق مع وكالة غوث اللاجئين معتبرة أنه لا جدوى منه٠

هذه نقطة تسترعي الانتباه؛ أن فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء مطروحة وعلى مائدة البحث منذ خمسينات القرن الماضي, وأنه لا مانع لدى الحكومات المصرية من ذلك حتى في أشد فترات القومية العربية تمكنا, وان اختلفت الدوافع والأسباب، لكن ظل السبب الرئيس من تعطيل هذا المشروع هو الرفض الشعبي وعدم قدرة الحكومات على تسويق الاقتراح، حتى خرج الجنرال آيلند بمشروعه بإضافة ٦٠٠كم مربع إلى قطاع غزة في عام ٢٠٠٩ وتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها تماما كالذي جرى مع الفلسطينيين في شرق الأردن.

ولكن لم يستطع حسني مبارك تمرير الخطة, أو لم يقبل, فتعطل التنفيذ مرة أخرى .

أضيف هنا مشهدا حضرته بنفسي عام ١٩٩٤ وأثناء شق ترعة السلام، مع الدكتور مجدي غانم رحمه الله وكان بصفته عميدا لكلية العلوم الزراعية مشرفا فنيا على مشروع الترعة ممثلا للفريق العلمي لجامعة قناة السويس. قال الرجل إن مسار الترعة غير اقتصادي بالمرة وأنها إضاعة أموال في سراب, وقدم تعديلا على مسار الترعة يجعلها تتجاوز سهل الطينة ومنطقة الكثبان الرملية ببئر العبد، فلم يُسمع له! وقال إن هناك إصرارًا على أن تمر القناة بمحاذاة الساحل وفي الاتجاه المباشر شرقا وأخشى أن تكون كل فكرتها حمل الماء لإسرائيل.. وقدم الرجل استقالته.

ولم يستطع مبارك أن يستمر حتى النهاية في مشروع نقل المياه لإسرائيل  أو لم يشأ .

إذا ربطنا بين الفكرة الأولى؛ توطين الفلسطينيين في سيناء, وبين الثانية؛ توصيل مياه النيل لإسرائيل, وبين الدور الاسرائيلي في بناء سد النهضة الإثيوبي.

إضافة إلى مرحلة التسويق لفكرة منح الفلسطيينين أراضٍ في شمال سيناء تفاديا للعطش الذي أصبح محققا ( خرجت جريدة التحرير بتقرير يقول الأرض مقابل الماء) في إشارة إلى الارض في أقصى شمال شرق سيناء, والماء؛ بالإشارة إلى تدخل إسرائيل لكي يتدفق النيل من جديد, وأرفقت بذلك خريطة تحدد الأرض المقصودة تحديدا ولكنها ذهبت إلى زيادة المساحة إلى ٢٥٠٠كم مربع (من واقع الخريطة المرفقة بالموضوع في الجريدة).

هنا نقف عند نقطة في غاية الأهمية؛ أنه وبعد فشل إسرائيل في الضغط على الحكومات لتمرير مشروع تبادل الأراضي لأن الحكومات لم تستطع أن تمرره شعبيا لجأت إسرائيل إلى فكرة الضغط على الشعب المصري كله وفي مقوم الحياة الرئيس؛ النيل، وبعد أن رأى الناسُ انخفاض منسوب المياه في نهر النيل وأن الأزمة عادت على الأبواب وبشر السيسي بشرب مياه الصرف, تخرج جريدة “التحرير” لتبشر بأن الحل هو أن نعطي أرضا للفلسطينيين لنحل مشكلة يهودية الدولة الإسرائيلية مقابل أن تقوم الأخيرة بضمان تدفق المياه مرة أخرى.

فإذا ربطت ذلك بحالة التهجير والإخلاء التي يقوم بها السيسي في ذات المنطقة التي أشار إليها تقرير “التحرير” يمكنك بسهولة أن تربط المشهد بعضه بالبعض الآخر, وأن كل الأحداث في سياقٍ يخدم في النهاية مصلحة إسرائيل.

لكن هل ستكتفي إسرائيل بتبادل الأرض مقابل الماء, أم أن لها أطماعًا في الماء نفسه؟ هنا أقول إن مطامع اسرائيل لم تنتهي في الماء لتكون الحقيقة أن (الأرض والماء لإسرائيل).

شاهد أيضاً

أحمد هلال يكتب : صفقة القرن بين الماضي والحاضر: قراءة تحليلية في الطرح الجديد لترامب

في مشهد عبقري بامتياز أخرجت حماس مراسم احتفالية تسليم وتبادل الأسرى، وكان كل شيء في …