أحمد المحمدي المغاوري: حماة الإسلام.. عودًا والعود أحمد

العالم يعيش أزمة ضمير وأخلاق، فحين يغيب الشرفاء تضيع القيم وتغتالها الأيدي الغارقة في الفساد. نكتشف شيئاً مؤلماً أن ثمة لصوصًا وقطاع طرق اخترقوا قلوب العوام السذج الأكثرية، يسميهم الكواكبي (الرعاع)، الذين استخف بهم الفراعنة المجرمون  واستغلوا جهلهم، مستعينين برويبضة هذا الزمان، فقلبوا الموازين وبدلوا الحقائق وعاثوا في عقول العوام  فساداً، إلى درجة أن هؤلاء السذج لم يعودوا يبصرون إلا الظلام، فأصبحوا سمَّاعون للكذب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة) قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة” وللأسف تلبدت هذه القلوب بالغيوم فأمطرت الأكاذيب والافتراءات على رجال الحق، وكانت هذه الأكثرية الإمعة مطيةً للمجرمين ليفعلوا ما بدا لهم بأهل الحق, فغُيِّبَ المخلصون وراء السجون, وشردوا وقتلوا تقتيلا، فحل الظلام وانهارت القيم. قيمٌ سكنت فيها أمتنا ذات يوم وخَفَتَ النورُ الذي كنا نسير على ألقه.

فهل يعود, لنزيل هذا الكم الهائل من السواد والأحقاد والفساد, وننشر الأمل ويعود النور إلى تلك العيون التي غاب عنها بفعل فاعلٍ مجرم خائن للأمانة, ممارسٍ للنذالة, لابسٍ ثوب العمالة, باع الدين والأوطان بعرض من الدنيا. باعها للمتربصين بأمتنا ومستندا بهم، فكان ما كان.

الأمة الإسلامية تمر بفترة عصيبة من تاريخها؛ انتشرت الفواحش, وسالت دماؤها, وتكالب عليها الأكلة والرعاع، فضعفت في ظل عمالة بعض الرمم, وانهيار القيم, وضياع الذمم، ففي عالمنا الآن الصادق يعاني كثيرا على تحمل تبعات صدقه وثباته على الحق (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) العنكبوت (2)، مثله كالقابض على الجمر والغريب.

الأمة فيها المخلصون, والصادقون هم حماتها وحراس عقيدتها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ. التوبة (119). والصادق عاقبته كلها خير فلنقف معه ونسدد خطاه ونقوي ظهره ولن يمسح دمعنا ولا يحك ظهرنا إلا أيدينا, وإلا نهون على الله ونُستبدل. قال تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) فلا يستوي أبدا الذين يعلمون والذين لا يعلمون ولا يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الأحياء ولا الأموات. قال تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) وقال(أم نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) وقال (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث). المجرم عاقبته سوء( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ). النمل (69). فلا نركن إليهم ولنا في القصص عبر وفي مسيرة التاريخ نظر. وقد أنعم الله عليها بهذه الأنوار, فربنا نور(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) النور (35)  . ورسولنا نور( يا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ المائدة. وكتابنا نور( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) النساء (174), فعجبا لأمةٍ تصبح في ذيل الأمم, وربها نور, وكتابها نور, ورسولها نور! كيف تسير في الضلال والظلام. ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور, قال تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأنعام (122).

فهيا بنا نعلنها أنا وأنت: “أنا عائد”, وننشدها كما أنشد العلامة القرضاوي وهو في غياهب السجون قائلا.

أنا عائد، أقسمت أني عائد         والحق يشهد لي ونعم الشاهد

ومعي القذيفة والكتاب الخالد      ويقودني الإيمان نعم القائد

عائد رغم آلامي ومحنتي.. عائد بأخلاقي وقيمي وفهمي, وإيماني هو مصدر قوتي، وطريق العودة أن نكون يدا واحدة.  قال تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا  إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال (46). وأن نكون حذرين من مؤامرات الأعداء الذين يراهنون على تقسيم كلمتنا فلابد من لم الشمل وإعادة الثقة فيما بيننا وبناء جسور التواصل لوحدة الصف على كل المستويات؛ أفرادًا وجماعات, ودولا وحكاما, ويتحمل الدور الأكبر في ذلك, القيادات من علماء وأمراء الأمة والعاملون المخلصون فيها. لابد أن نحسن الظن ببعضنا البعض؛ قيادة متجردة, وصفا واثقا فيها، وأظن أنكم تبتغون وجه الله وترجون ثواب الآخرة, لنغيظ الشيطان ونرد مكر الأعداء.

نحتاج إلى الجادين والمخلصين القادرين على تحمل المسؤولية في كل الميادين ولا يتم ذلك إلا بوحدتنا، حتى نضمد الجراحات ونفيق من غفوتنا ونعيد قلب الأمة المسروق, وتعود أمتنا إلى عزها ومجدها, وستعود, إذا صدقت النوايا وصحت العزائم، يعرف ذلك حماة الإسلام وحراس العقيدة؛ فهم المرابطون على ثغورها، فلنتوحد  قبل فوات الأوان ولا نهن ونيأس من روح الله؟( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران (139).

ولن تضيع أمةٌ طالما وُجد المصلحون (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) هود (117). فهل تضيع أمتنا وتنتهك أعراضنا, وتنهار قيمنا, ونحن موجودون؟

رضي الله عنك سيدي أبا بكر حين قلت (أينقص الدين وأنا حي؟) فعودًا إلى الله وإلا فالخاسر الوحيد هم نحن! قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الزمر (15), والكل محاسب ولربه الرجعى.

 

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …