أسفل المسجد الأقصى.. ماذا وراء “أنفاق البراق” التي تجتمع بها حكومة نتنياهو؟

لفترة طويلة ظل الصهاينة يحاولون إيجاد منفذ للدخول إلى حرم المسجد الأقصى بدعوى أنه مكان هيكلهم القديم، وقاموا بحفر عشرات الأنفاق أسفل باحات المسجد ادعوا أنها للبحث عن آثار يهودية بينها أنقاض “الهيكل”

بسبب هذه الحفريات، تمكنوا من بناء غرف كاملة للصلاة أسفل الأقصى وقاعات للاجتماعات، استغلتها حكومة بنيامين نتنياهو للاجتماع داخلها عامي 2017 و2023، لترسيخ فكرة تقسيم الحرم القدسي أو سيطرة اليهود عليه، بحسب موقع “الاستقلال”.

لأن “الحركة الإسلامية” في فلسطين المحتلة، و”مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية” كشفتا هذه الأنفاق بالفيديو عام 2008 وفضحتا الاحتلال، قامت حكومة الاحتلال بحظرهما عام 2015، واستولت على مقارهما.

الجديد هو عقد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفاشية، اجتماعا ذا دلالة رمزية كبيرة، داخل هذه الأنفاق المحفورة، وأغلبها أسفل حائط المسجد الأقصى البراق (المبكي) في 21 مايو 2023.

وهو ثاني اجتماع حكومي يتم في أنفاق البراق بعد 6 سنوات من قيام حكومة نتنياهو السابقة في 28 مايو 2017 بعقد اجتماع مشابه في الأنفاق، وفق صحيفة “معاريف” العبرية في 21 مايو 2023.

وبالتزامن، نشرت سلطة الآثار الإسرائيلية صورة تدعي أنها تمثل موقع الهيكل الثاني المزعوم والطريق الذي يربطه بما يسمى مدينة “داوود” في سلوان، ما يؤكد نوايا حكومة الحاخامات بشأن تنفيذ رؤية “حركات الهيكل” لبناء الهيكل على أنقاض الأقصى.

ويترأس نتنياهو حكومة تضم أحزابا من أقصى اليمين الديني الصهيوني، تدعو إلى “تغيير مصير اليهود وتعجيل خلاصهم” عبر تهويد القدس الشرقية وطمس هويتها الإسلامية والعربية، وجعلها موحدة لليهود، وبناء الهيكل في الحرم القدسي الشريف.

قصة الأنفاق

بدأ الكشف عن هذه الأنفاق أسفل المسجد الأقصى من جهة حائط البراق (المبكي) عام 2005 بواسطة “الحركة الإسلامية” في فلسطين المحتلة 1948، و”مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية”، حين عرضوا صورا وفيديوهات للحفريات.

وفي يناير 2006، عرض رئيس الحركة الإسلامية، الشيخ رائد صلاح، شريط فيديو يؤكد إقامة أبنية داخل هذه الأنفاق أسفل المسجد الأقصى.

ومن بينها معبد يهودي يمتد بأعماق ومسافات مختلفة تحت الأقصى، على بعد 95 مترا من مسجد قبة الصخرة، محذرا من أن الخطوة المقبلة هي “نسف الأقصى”.

وقال الشيخ صلاح، في مؤتمر صحفي، إن مصمما يسمى “إلياف نحليئيلي” قام ببناء سبع غرف في أنفاق تحت حرم الأقصى المبارك، بدعوى عرض “تاريخ الشعب اليهودي” فيها.

وفي يناير 2007، كشفت مؤسسة الأقصى قيام جمعية “إلعاد” الإسرائيلية وبواسطة سلطة آثار الاحتلال بحفر نفق جديد من أسفل منطقة عين سلوان، وتحت أرض وقفية مسيحية، ويتجه شمالا باتجاه السور الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك.

وعام 2009، نشرت صحف عبرية تفاصيل مقترح يهودي لبناء “مركز ديني” كبير للمتزمتين اليهود في الجهة الشمالية لساحة البراق، بحيث يشكل الواجهة الشمالية لساحة البراق ومدخلا مباشرا إلى الأنفاق التي حفرت تحت الأقصى المبارك.

وكان المخطط هو توسيع مركز يهودي موجود بالفعل في ساحة البراق منذ احتلال القدس يُسمى “بيت شتراوس”، من مساحته التي كانت نحو 750 مترا مربعا، لتصبح مساحته ستصبح 1750 مترا مربعا تقسم على أربعة طوابق.

وقدم عضوا لجنة الأوقاف الفلسطينية حينئذ، الشيخ محمد سلامة حسن وخليل مصالحة، اعتراضا لسلطة الاحتلال في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2009 على هذا المخطط، وفق موقع “عرب 48” في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2010.

وقالا في عريضة قدمها المحامي قيس ناصر، إن هذه التعديلات تغير الوضع القائم في القدس الشرقية بشكل ينافي القانون الدولي باعتبار أن القدس الشرقية أرضا محتلة، وأرض المركز اليهودي “أوقاف إسلامية صادرتها إسرائيل بشكل غير قانوني”.

وكشفا أن هذا المركز الديني اليهودي الذي يمتد طويلا لأربعة طوابق سيحجب قبة الصخرة من الناحية الجنوبية الغربية للقبة على نحو يغير المنظر التاريخي منذ عصور للحرم القدسي الشريف ويمس قدسية الحرم ومشاعر الملايين من المسلمين.

وفي سبتمبر/أيلول 2012، عرض تقرير لمؤسسة “الأقصى” تفاصيل مخطط لإقامة جسور ضخمة تربط شبكة “أنفاق سلوان” وشبكة أنفاق أسفل وفي محيط المسجد الأقصى، لتسهيل زيارة ملايين الإسرائيليين لمنطقة البراق والمسجد الاقصى.

واكب هذا في يونيو/حزيران 2012 تنفيذ إسرائيل مخططات هيكلية تقضي بتهويد تخوم الأقصى وساحة البراق بإقامة مراكز تهويدية وكنس وحدائق توراتية لتضييق الخناق على المسجد الأقصى.

وذلك ضمن مخطط شامل لتمكين اليهود من ساحة البراق، مقابل إقصاء وتغييب الحضارة والتاريخ الإسلاميين عن المكان.

وفي أبريل/نيسان 2014 كشفت “مؤسسة الأقصى للوقف والتراث” في بيان لها، بعد زيارة ميدانية للأنفاق الإسرائيلية، عن حفر نفق جديد، يبدأ من أسفل ساحة البراق، باتجاه الغرب، نحو باب الخليل، أحد أبواب البلدة القديمة بالقدس المحتلة.

وقالت إن الاحتلال يفرع حفرياته ضمن شبكة الأنفاق التي يحفرها أسفل أساسات المسجد الأقصى.

ونشرت صحيفتا “يديعوت أحرونوت” و”إسرائيل هيوم” في 18 ديسمبر/كانون الأول 2017 صورا لكنيس يهودي بناه الاحتلال تحت حائط البراق في إطار الحفريات المتواصلة تحت الحرم القدسي، وخاصة جنوبي وغربي المسجد الأقصى.

وأكدوا أن الكنيس الفخم الذي تم افتتاحه بعد 12 عاما من الحفر، يقع مقابل ما يسمى “الحجر الكبير” في الأنفاق، ويتميز بتصميم خاص، ويتضمن ألواحا معدنية كتبت عليها أسفار توراتية، وفيه عشرات المقاعد ومنصة خشبية دائرية.

خطورة الأنفاق

خطورة هذه الأنفاق أنها تقع تحت الحائط الغربي للحرم القدسي، وتمتد بطوله إلى المسجد الأقصى، ما يشكل تهديدا لأساسات الأقصى، وتحديا دينيا لملكية المسلمين للحرم القدسي، حيث تستهدف هذه الأنفاق هدمه وبناء الهيكل محله.

وتحرص مواقع سياحية إسرائيلية مثل موقع “ذا كوتيل” على بث فيديوهات لأنفاق حائط البراق (يسمونه الحائط الغربي) للدعاية بعدما كانت هذه الأنفاق سرية.

ووفقا لموقع “تايمز أوف إسرائيل”، وافقت حكومة إسرائيل في اجتماع أنفاق البراق في 21 مايو 2023 على ميزانية قدرها 60 مليون شيكل (16.5 مليون دولار) لتطوير وبناء أنفاق الحائط الغربي.

وأكد مسؤولون بالأوقاف الفلسطينية أن خريطة الحفريات في الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى تكشف عن وجود مدينة تحت الأرض تسمى “مدينة داوود” تمتد من مجمع عين سلوان جنوبا وحتى أسوار المسجد الأقصى شمالا.

ويدّعي الصهاينة أن سيدنا داوود بنى هذه المدينة عندما سكن القدس، وتشتمل هذه المدينة على سبعة أنفاق محفورة.

وقال الباحث فادي شامية في تقرير له بمجلة “المجتمع” الكويتية عام 2005 أنه لو وصلت الأنفاق إلى أسفل مصلى قبة الصخرة التي يعدها الصهاينة “قدس الأقداس”، سيكون الاحتلال قد بلغ مرحلة متقدمة من مشروع تقسيم المسجد الأقصى.

وأضاف: “سيكون الاحتلال بذلك قد أنهى الخطوة الأصعب في هذا المشروع وهي إيصال الحاخامات اليهود إلى (قدس الأقداس) لإقامة طقوسهم فيها وهي الطقوس التي تُعد ذروة صلاة اليهود في جبل الهيكل!!”.

دلالات الاجتماع

خلال الاجتماع الثاني لحكومة الاحتلال داخل أنفاق البراق، أسفل الأقصى، حرص نتنياهو على تحدي الفلسطينيين قائلا إن “هذا الاجتماع في أنفاق حائط البراق ردا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي قال قبل أيام أن لا علاقة للشعب اليهودي بالقدس والحرم هنا!”

وقال بحسب موقع الحكومة الإسرائيلية “قبل عدة أيام، أخبر عباس الأمم المتحدة أن الشعب اليهودي لا علاقة له بالحرم القدسي وأن القدس الشرقية جزء من السلطة الفلسطينية”

وتابع: “لذلك، وللفت انتباهه، فإننا نعقد اليوم جلسة خاصة لمجلس الوزراء تكريما ليوم القدس عند سفح جبل الهيكل الذي بنى عليه الملك سليمان الهيكل الأول للشعب اليهودي، وهو قلب دولة إسرائيل التاريخية، مدينة داوود الموجودة منذ 3000 عام”

ما دعا نشطاء عرب للقول إن اجتماع حكومة نتنياهو الاستفزازي “جاء ليلفت أنظار عباس من أعماق القدس وحرمها!”، أي من أسفل المسجد الأقصى.

وفي 15 مايو 2023، قال عباس في الأمم المتحدة في ذكرى “يوم النكبة” و”كارثة” إنشاء إسرائيل، أن إسرائيل “حفرت تحت الأقصى… وحفروا في كل مكان، ولم يتمكنوا من العثور على أي شيء”

وأضاف أن “ملكية حائط البراق (حائط المبكي الغربي) والحرم الشريف (جبل الهيكل كما تسميه إسرائيل) تعود حصريا وفقط إلى الوقف الإسلامي وحده”.

فيما قال نتنياهو في خطابه أيضا متحديا الدول العربية رغم تطبيع بعضها معه: “منذ 56 عاما في حرب الأيام الستة (5 يونيو/حزيران 1967)، وحدنا المدينة (القدس)، لكن الكفاح من أجل وحدتها لم ينته بعد”، بحسب تعبيره.

وأفاد بأن “العمل لم ينته والتحدي ما زال أمامنا، لأنه ما زال هناك من يريد تقسيمها علانية، من أجل أمننا ووحدة القدس، يجب أن نستمر في الحفاظ على هذه الحكومة”، يقصد تحالف اليمين المتطرف مع حكومته لتنفيذ خطط الهيكل.

وردا على الانتقادات الغربية، قال نتنياهو: “كانت القدس عاصمة لنا قبل أن تصبح لندن عاصمة لبريطانيا بـ 1100 عام، وقبل أن تصبح باريس عاصمة لفرنسا بـ1800 سنة، وكذلك قبل أن تصبح واشنطن عاصمة للولايات المتحدة بـ 2800 عام”!!.

وقال موقع “حدشوت حموت” العبري في 22 مايو 2023 إن وزراء وأعضاء الكنيست لخصوا اجتماع أنفاق البراق (تحت المسجد الأقصى) بأنه يعني أن “من يسيطر على الأقصى يسيطر على القدس”.

ونقل عن رئيس الكنيست، أمير أوحنا، تكراره أقوال أوري تسفي غرينبرغ، وهو سياسي إسرائيل توفي عام 1981: “من يسيطر على المسجد الأقصى، يسيطر على القدس ومن يسيطر على القدس يسيطر على أرض إسرائيل”

من جانبها، قالت وزيرة النقل، ميري ريغيف، في الاجتماع: “يا له من تحول كبير أحدثناه في المكان، مهمتنا الآن هي الصعود إلى المسجد الأقصى وقول الأشياء التي نؤمن بها، لأن هذه بلادنا وقدسنا وجبل هيكلنا!”

وقبل ذلك بـ6 أعوام، وخلال الاجتماع السابق والأول لمجلس الوزراء الإسرائيلي عام 2017 في أنفاق حائط البراق بمناسبة “الذكرى الخمسين لتوحيد القدس”، قال نتنياهو نفس العبارات الاستفزازية عن الحقوق الدينية لليهود في الحرم القدسي.

وقال: “في هذا المكان بنى الملك سليمان الهيكل الأول، وفيه بُني الهيكل الثاني”، وهنا عدنا لأرضنا وأنشأنا دولتنا”، وفق موقع “جي تي ايه” في 28 مايو/أيار 2017.

وخلال هذا الاجتماع، وافق مجلس الوزراء 2017 على خطة لبناء مصعد من الحي اليهودي في القدس إلى حائط المبكى، وأيضا “تلفريك” قرب حائط المبكى في البلدة القديمة، لتسهيل وزيادة زيارة اليهود للمنطقة المحتلة في شرق القدس.

وضمن هذا الاستفزاز، والسعي لفرض أمر واقع، جاءت مسيرة الأعلام في يوم “توحيد القدس” في 18 مايو 2023 من جانب المتطرفين الصهاينة التي هتفوا فيها “احرقوا قراهم”، يقصدون الفلسطينيين، و”محمد (ﷺ) مات!”

وضمنها زيارة وزير الأمن القومي المتطرف، إيتمار بن غفير، باحة المسجد الأقصى، بحماية القوات الخاصة الإسرائيلية التي أبعدت المصلين المسلمين وحرصه على القول: “وجودنا هنا يثبت من هو المسؤول في القدس”

حرب دينية علنية

كان من الواضح أن حرص الاحتلال على اجتماع حكومته بكامل هيئتها أسفل المسجد الأقصى، وتأكيده أن القدس بما عليها ملك للشعب اليهودي، يستهدف نقل رسالة حرب علنية واضحة للمسلمين قبل غيرهم، لكنها رسالة أحرجت المطبعين.

أيضا جاء عقد الاجتماع تحت المسجد الأقصى، ليمثل تحديا إسرائيليا للقمة العربية التي عقدت في جدة، بسيطرتها التامة على القدس، ورد على إعلان القمة أن “القدس تحت السيطرة الأردنية” بأن هذا مجرد هراء يردده القادة العرب.

لذلك أكد نائب رئيس الحركة الإسلامية، الشيخ كمال الخطيب، أن إسرائيل “تسرّع في حـرب دينية مكشوفة، ستكون حتما الخاسرة فيها”

وأضاف أن هذه الحرب الدينية “ستأتي على وتكتب نهاية أنظمة العـار والخـيانة التي تآمرت على القدس والأقصى حيث ستكون للشعوب كلمتها في ربيع إسلامي قريب”

ووصف المتحدث باسم حركة “حماس”، حازم قاسم، في بيان، عقد حكومة الاحتلال اجتماعها الأسبوعي في أنفاق البراق بمدينة القدس المحتلة بأنه “تصعيد خطير للحرب الدينية”

وأكد النائب مشير المصري أن “إعلان عقد حكومة الاحتلال اجتماعها في أنفاق البراق هو إعلان حرب دينية وتأكيد على مدى العقلية المتطرفة”، وفق موقع “كتلة التغيير” في 22 مايو 2023.

وأكدت حركة “الجهاد الإسلامي” أن العدوان في القدس “سيغيّر كل الحسابات، وأن المواجهة ستكون بتصعيد المقاومة”

وقال الناطق باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، في 21 مايو 2023، إن اقتحام ابن غفير لساحات المسجد الأقصى “محاولات لتغيير الوضع القائم بالمسجد الأقصى”

شاهد أيضاً

الأزهر: المقابر الجماعية في غزة دليل على فظاعة جرائم الاحتلال

أدان الأزهر الشريف بشدة “الجرائم الإرهابية التي ارتكبها ويرتكبها الكيان الصهيوني الغاشم، بحق المدنيين في …