اتفاقية عمرها 100 عام تهدد بإشعال الحرب في شرق المتوسط في ذكرى توقيعها

قبل مائة عام، اجتمع مسؤولون فرنسيون وبريطانيون وإيطاليون في مصنع بورسلين الشهير جنوب غرب باريس لتقسيم الإمبراطورية العثمانية، اختتمت بتوقيع معاهدة سيفر، في 10 أغسطس 1920، التي مهدت الطريق لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الحديث.

وفرضت الاتفاقية شروطًا قاسية على العثمانيين المهزومين، ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها أكثر عقابًا من الإجراءات التي فرضتها معاهدة فرساي على ألمانيا في وقت سابق من ذلك العام، مما أجبر الإمبراطورية على إلغاء جميع مطالباتها بالأراضي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد حصلت بريطانيا وفرنسا على مناطق منفصلة من النفوذ الاستعماري من صحراء الجزيرة العربية إلى البحر الأسود، وقامت اليونان وإيطاليا بتأمين ممتلكاتهما الخاصة في ما هو الآن غرب وجنوب تركيا، بما في ذلك الاحتفاظ بالسيطرة على عدد لا يحصى من جزر بحر إيجة.

أما اسطنبول، التي كانت في يوم من الأيام عاصمة الإمبراطورية العثمانية، فتم تدويل المضائق الاستراتيجية التي تقع على جانبي المدينة، كما تم منح الأرمن والأكراد جيوبهم الخاصة، في حين تُرك العثمانيون مع دولة مهينة في المناطق النائية الأناضولية.

كان المخطط الذي وضعته المعاهدة هو رسم مسبق للحدود والمستقبل السياسي لدول مثل إسرائيل وسوريا ولبنان والعراق، لكن لا يتم تذكرها في الغرب بقدر ما تذكر، على سبيل المثال، اتفاقية سايكس بيكو السرية، بسبب ما تبع ذلك في تركيا.

رفض القوميون في تركيا العثمانية، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، معاهدة سيفر وشنوا سلسلة من الحروب أخرجت الفرنسيين واليونانيين والإيطاليين من الأناضول وأجبرت الأوروبيين على توقيع معاهدة جديدة بشروط جديدة عٌرفت باسم معاهدة لوزان عام 1923، والتي وضعت حدود تركيا الحديثة.

الاتفاقية تشعل الصراع

وبالرغم من مرور 100 عام على توقيع الاتفاقية إلا أنها تحضر بقوة هذه الأيام بسبب الصراع بين دول شرق المتوسط حول الحدود البحرية والتي ساهمت في رسمه هذه الاتفاقية.

فعندما وقع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، اتفاقية حول ترسيم الحدود البحرية مع فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، قال: “بفضل هذا التعاون العسكري والطاقة، ألغينا معاهدة سيفر”، مشيدًا باستعداد بلاده لاستعراض القوة مرة أخرى عبر البحر الأبيض المتوسط، كما وصف اللحظة بالتاريخية.

ومن الجزر التي فقدتها تركيا بسبب هذه الاتفاقية واتفاقية لوزان هي جزيرة كاستيلوريزو الصغيرة، التي حصلت عليها إيطاليا ثم منحتها لليونان عام 1947، رغم أنها تبعد 2 كيلومتر فقط عن الساحل التركي ونحو 500 كيلومتر عن الساحل اليوناني.

وتقوض هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 11 كيلو متر مربع فقط وعدد سكانها 500 نسمة، حدود تركيا في البحر المتوسط، لذلك عندما وقعت طرابلس وأنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، استدعت أثينا سفيري تركيا وليبيا وطلبت بتفاصيل الاتفاق، وقالت إنه لا توجد حدود بحرية مشتركة بين البلدين.

كما أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن الاتفاق “يلغي من الخارطة بعض الجزر اليونانية” ويفرض “عزلة دبلوماسية على تركيا”، وأضاف أن الاتفاق “دانته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر واسرائيل” موضحا أنه سيتم التطرق إلى المسألة خلال القمة الأوروبية في بروكسل.

بينما ذكر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في تصريحات سابقة أنه من “غير المقبول” أن تطالب جزيرة كاستيلوريزو الصغيرة، التي تبعد أكثر من 500 كيلومتر من أثينا، بمساحة بحرية تبلغ 200 ميل في كل اتجاه.

فرص الحرب

خلال الأيام الماضية، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن مصر واليونان وقعتا اتفاقا يوم الخميس حول تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين، وتضع هذه الاتفاقيات تركيا في موقف صعب نظرا لرفض أنقرة تقسيم الحدود البحرية التي اقترحتها هذه الدول والتي تتخذ من معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار مرجعا لها.

ومن المقرر لهذه الاتفاقيات أن تقلص من حجم المياه الاقتصادية التركية، ما يعني حرمانها من ثروات نفطية وغازية محتملة، وتقليص رقعة الصيد.

بدورها، أعلنت وزارة الخارجية التركية، أن الاتفاق الذي وقعته مصر واليونان حول ترسيم المساحات البحرية “في حكم العدم” بالنسبة لتركيا، وأضافت أن المنطقة المحددة ضمن الاتفاق المصري اليوناني تقع في منطقة الجرف القاري التركي.

كما أعلن إردوغان عودة التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، مما ينذر باحتمال نشوب حرب بين دول المنطقة.

وبحسب مايكل روبين الكاتب بمجلة “ناشيونال إنترست” فإن فرص اندلاع حرب بين تركيا واليونان أعلى من أي وقت منذ الصراع التركي-القبرصي في 1974، وأرجع ذلك إلى الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط ورغبة إردوغان في إلغاء معاهدة لوزان واستعادة بعض أراضي الإمبراطورية العثمانية خارج حدود تركيا الحالية.

أما السبب الثاني فهو اقتصادي، حيث تسعى “تركيا لسرقة موارد من المناطق الاقتصادية الحصرية في مياه اليونان وقبرص، بجانب رغبة أردوغان في التفوق على أتاتورك كمنتصر عسكري”، على حد وصف الكاتب.

وكانت البحرية اليونانية قد أعلنت الأربعاء أنها نشرت بوارج في بحر إيجه بعدما أعلنت حال “التأهب” بسبب الأنشطة التركية لاستكشاف موارد الطاقة قرب جزيرة يونانية في منطقة تقول تركيا إنها ضمن جرفها القاري.

شاهد أيضاً

تركيا تنفي مزاعم تصدير السلاح إلى إسرائيل “تضليل للرأي العام”

نفت وزارة التجارة التركية، الأربعاء 27 مارس 2024، بشكل قاطع، ما تناقلته وسائل إعلام مؤخراً، …