اضراب معتقلي سجن العقرب .. رؤية شرعية

 بدأ إخواننا الكرام في سجن العقرب بالقاهرة إضرابهم عن الطعام، ومع قدم هذه الإضرابات إلا أنه لا يزال هناك نفر يعيبون هذه الوسيلة، ويرمون أصحابها بالبدعية والضلال، وفي هذه الأسطر سألقي الضوء على مشروعية هذه الوسيلة.

تعريف الاضراب

الإضراب: الإعراض عن الشيء بعد الإقبال عليه, أي الإعراض والكف والترك والإمساك عن الشيء, ويمكن القول بأنه: التوقف والامتناع عن أمر ما احتجاجا على مضرةٍ حاصلة أو متوقعة أو طلبا لمصلحة.

تاريخ الإضرابات

 تذكر بعض كتب التاريخ أن أول إضراب في التاريخ كان في عهد الفراعنة في دير المدينة سنة 1152 قبل الميلاد ضد رمسيس الثالث أشهر حاكم في الأسرة العشرين. لكن في التاريخ العربي تذكر لنا كتب التفسير والحديث والسير أن أول اضراب أعلن عنه كان إضرابا عن الطعام، وقد أعلنت عنه أم سعد بن أبي وقاص؛ روى مسلم في صحيحه عن مُصْعَب بْن سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي} وَفِيهَا {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان: 15] رواه مسلم.

وتذكر كتب السير أيضا أن أبا سفيان أضرب عن الجماع حتى يأخذ بثأر أهله في بدر، يقول ابن هشام:  فكان أبو سفيان حين رجع إلى مكة، ورجع فَلُّ  قريش من بدر، نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم، فخرج في مائتي راكب من قريش، ليبر يمينه. سيرة ابن هشام (2/ 44).

أسباب الإضرابات

تتعدد الأسباب الداعية للإضراب، ومن أهمها أسباب أيدلوجية كتلك التي يقوم بها المضربون بسبب اضطهادهم نتيجة لإنتمائهم إلى عقيدة أو فكرة أو منهج أو بلد معين، ومن ذلك إضراب المعتقلين في سجون الظلمة والطغاة في عالمنا العربي والإسلامي، ومثلها ما يكون في سجون الاحتلال الصهيوني، وكذلك ما كان في الغرب كما حدث في معتقل (جوانتانامو), أو أسباب خاصة كتلك التي يقدم عليها العمال في مصنع ما للمطالة بتحقيق مصالح هم بحاجة إليها.

الإضرابات من حيث الجواز والمنع

 

أولا: المتفق على حكمه من الإضرابات:

هناك اضرابات متفق على حكمها، وأذكرها هنا باختصار:

الإضرابات المتفق على جوازها بل وجوبها:

هناك اضرابات لا يعقل أن يختلف العلماء في حكمها، فلو نُصّب حاكمٌ على الأمة ثم ارتد وكفر، أو تيقنت الأمة أن الحاكم يعارض شرع الله سبحانه، ويعلن ذلك جهارا نهارا عيانا بيانا، وللأمة ما لها من القوة والمنعة التي تجعلها تحاسب هذا الحاكم وتعزله، وارتأى أهل الحل والعقد أن يُضرب الناس عن العمل وما شابه ذلك؛ فهل هناك مانع شرعي من ذلك؟ لا أحسب أن أحدا من العلماء يخرج عن هذا الاتفاق ليقول بالحرمة إلا من غاب عنه فقه الشرع وفقه الواقع والحال والمستقبل!

الإضرابات المتفق على حرمتها:

وهناك كذلك اتفاق على حرمة بعض الاضرابات، وهي تلك التي ينشئها أصحابها رغبة في الحصول على معصية، أو التنصل من أمر جاءت به الشريعة، كما لو أضرب البعض لإباحة الخمر، أو الربا، أو ترخيص دور دعارة، ومثله اضراب البعض من أجل تجريم مظهر من مظاهر الإسلام.

ثانيا: الإضرابات المختلف في حكمها:

هناك صور وأنواع من الإضرابات جرى الخلاف في حكمها، فمن العلماء من أجاز ومنهم من حرم ومنع، وسأذكر هنا  حكم الاضراب عن الطعام.

حكم الإضراب عن الطعام

وفيه يمتنع الشخص عن الطعام والشراب احتجاجاً على مضرة أو طلباً لمصلحة. وهو ليس بدرجة واحدة، وإنما بدرجات متفاوتة، وصور مختلفة ولكل صورة حكم:

الصورة الأولى: أن يستخدم الاضراب لأمر غير مشروع:

كأن يضرب البعض لتحقيق معصية، أو رفض أمر مشروع، كإضراب شاب عن الطعام لعدم تحقيق رغبة له عند أبيه، أو لزواج فتاة عشقها، وهذا محرم سواء أفضى إلى الموت أم لم يفضِ إليه, لأنه امتناع عن مباح لغير ما سبب، فلا يزيد عن كونه إضرارا بالنفس، إذ لا بد من مشروعية الغاية، وحيث إن الغاية غير مشروعة فلا اعتبار لهذه الوسيلة. ولقد منع النبي صلى الله عليه وسلم الصائم القائم في الشمس من وقوفه في الشمس لما فيه من تعذيب نفسه لغير دليل أمر، ولا مصلحة ترجى، روى البخاري في صحيحه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» رواه البخاري. وهذا الذي أضرب لمعصية كان جوعه عذابا لنفسه يضاف إليه عصيانه لربه تعالى.

وأما إن أفضى إلى الموت فيحرم من باب أولى، لأنه وسيلة أودت إلى مُجمعٍ على حرمته، وهو قتل النفس، والله جل وعلا يقول:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما }[النساء: 29]. قال الجصاص: ومن امتنع من المباح حتى مات كان قاتلا نفسه متلفا لها عند جميع أهل العلم، ولا يختلف في ذلك عندهم حكم العاصي والمطيع، بل يكون امتناعه عند ذلك من الأكل زيادة على عصيانه (أحكام القرآن/ الجصاص (1/ 157).

ويلحق هذا بالمنتحر، وفي الصحيحين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:”مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا” متفق عليه.

الصورة الثانية: أن يستخدم الإضراب لأمر مشروع:

كأن يكون الاضراب وسيلة ضغط لإحقاق حق أو إبطال باطل، وهذا له حالتان:أن يفضي إلى الموت أو ألا يفضي إلى الموت.

أقوال العلماء في حكم الإضراب عن الطعام والشراب لأمر مشروع:

للعلماء في ذلك أقوال ثلاثة:

القول الأول: حرمة الإضرابات مطلقا:

ذهب عدد من العلماء إلى القول بحرمة الإضرابات حتى وإن لم تُودِ إلى الهلاك والموت، ومن هؤلاء:  دار الإفتاء المصرية، وآخرون كعطية صقر. وهو رأي المدرسة السلفية في العموم. ويلاحظ أن أصحاب هذا القول إما مؤسسات حكومية رسمية، أو شخصيات قريبة من الحكومات.

وهذا القول لم يذهب إليه من ذهب إليه إلا اعتمادا على أسباب وأدلة تتلخص فيما يلي:

أولا: أدلة عامة:

1- الإضرابات بدعة حادثة لم يعرفها المسلمون من قبل: وكل ما كان كذلك فهو ضلالة، وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حين قال:” وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” رواه أحمد .

ويجاب على هذا: بأن البدعة المحرمة هي ما كانت في أمر الدين, لأن البدعة المحرمة ما كانت عبادة محضة، والإضرابات ليست من العبادات المحضة في شيء. وقد نقلت لنا كتب التاريخ والسير ما كان من ابتداعات في الوسائل والأساليب كالتأريخ الإسلامي وغيره.

2- لم يصنع الأنبياء ذلك ولا الصحابة: فقد حُبس يوسف عليه السلام، وسُجن خبيب بن عدي رضي الله عنه عند كفار مكة ولم نر من أيهما إضرابا ولا امتناعا.

ويجاب على هذا: بأن ترك يوسف عليه السلام ذلك ومثله خبيب رضي الله عنه لا يقتضي المنع، إذ ترك النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي وجوب الترك، فكيف بترك غيره من الأنبياء أو الصحابة عليهم رضوان الله تعالى.

3- الإضرابات وسيلة أتت إلينا من الغرب: ونحن مأمورون بمخالفة الآخر، وقد قال صلى الله عليه وسلم:”مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ”رواه أبو داود.

ويجاب على ذلك: بأننا مأمورون بمخالفة الآخر فيما يتعلق بالأفكار والمعتقدات والتصورات، أما الوسائل والأساليب فإن صحت الغايات فلا مانع من استخدام ما ابتكره الآخر، ويؤكد هذا ما جاء في الأثر: الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.

ثانيا: الاستدال بالآيات القرآنية:

نهت الآيات عن قتل النفس ومنها: { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة: 195). ويجاب على ذلك: ليس كل قتل منهي عنه، كما هو الأمر في الانغماس في العدو، وقد أحسن ابن العربي حين تحدث عن الانغماس في العدو -وفيه ما فيه من القتل-  إذ يقول: والصحيح عندي جوازه؛ لأن فيه أربعة أوجه: الأول: طلب الشهادة. الثاني: وجود النكاية. الثالث: تجرئة المسلمين عليهم. الرابع: ضعف نفوس الأعداء، ليروا أن هذا صنع واحد منهم فما ظنك بالجميع. (أحكام القرآن لابن العربي 1 / 116).

ثالثا: الاستشهاد بالأحاديث النبوية:

الأحاديث المحرمة للانتحار وإيذاء النفس حتى لو كان تعبدا: ومنها الحديث السابق الإشارة إليه: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ .. “. وقد قال لمن صام يوم فتح مكة: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» رواه مسلم.

ويجاب على ذلك: بأن تحريم إيذاء النفس هو ذلك الإيذاء الذي لا مصلحة للمرء فيه، وإلا فالجهاد فيه هلاك للنفس أو المال أو هما معا، ولذلك قال الله عنه: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}(البقرة:216).  وفرق كبير بين المنتحر والمضرب يأتي ذكره لاحقا.

رابعا: القواعد الفقهية, ومنها:

1- (لا ضرر و لا ضرار)، و (الضر لا يزال بالضرر):ويجاب على ذلك: بأن هذا الضرر الحاصل يحصل به كبير نفع، من عودة حق، أو ردع ظالم، أو إسقاط باغ، وهذا كله مما جاءت به الشريعة، ودعت إليه القواعد الفقهية.

2- سد الذرئع: إذ أن أهل البدع والأهواء قد يستخدمونها للوصول إلى ما يريدونه من مقاصد سيئة. ويجاب على ذلك: بأن (قاعدة سد الذرائع لا يجوز التوسع فيها، حتى تكون وسيلة للحرمان من كثير من المصالح المعتبرة.

القائلون بجواز الإضرابات ما لم تفض إلى الموت:

ذهب عدد من العلماء إلى القول بجواز الاضرابات شريطة ألا تفضي إلى الهلاك والموت، ومن هؤلاء: يوسف القرضاوي، وابن عثيمين، وصالح الفوزان، وفيصل مولوي، وناصر العمر، وهذا قول جمهور المعاصرين من العلماء. وهذا القول قائم على أدلة منها:

أولا: الأدلة القرآنية:

1- في الإضرابات إغاظة لعدو كافر أو حاكم ظالم، وفي هذا ما فيه من الأجر والثواب، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}[التوبة: 120].

2- الإضرابات من التضحيات التي أُمرنا بها، والابتلاءت التي نتعرض لها: إذ الدين لا يُمكّن له إلا بالتضحية في سبيل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ}(التوبة:38).

ثانيا: الأدلة من السنة النبوية:

1- الإضرابات من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فالمضرب بإضرابه يأمر بالمعروف، وينه عن المنكر، لأنه يغير بما يملك وما يستطيع، وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ” رواه مسلم.

2- الإضرابات من صور الجهاد تجاه الحكام الظلمة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ” سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَام إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ” رواه الحاكم.

3- الأحاديث الآمرة بالموت دون الدين والمال والعرض، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:”مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ”متفق عليه، وروى أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ”.

ثالثا: الاستدلال بالقواعد الفقهية والأصولية:

القواعد الفقهية لا تمنع الإضراب، ومن ذلك:

1- الإضرابات وسيلة وللوسائل حكم المقاصد: فما كان من المقاصد مشروعا كانت وسائله مشروعة.

2- ارتكاب أخف الضررين، فالإضراب عن الطعام وإن كان فيه ما فيه من الضرر الحاصل للمضرب؛ إلا أنه يعدّ الضرر الأخف.

3-  الضرر العام بالضرر الخاص، إذ المضرب قد يضر بنفسه في سبيل تحقيق مصلحة كبرى تتعلق بالوطن، وما كان كذلك فقد جاءت الشريعة بإباحته.

4- الضرورات تبيح المحظورات، فلئن كان الإضراب عن الطعام محظورا فقد يباح لضرورة، ومن ذلك المطالبة بحق مهضوم، أو دفع ظلم قاتل.

رابعا: أدلةٌ على مشروعية الإضرب عن الطعام:

وهناك أدلة أخرى حدث فيها الامتناع عن الطعام يمكن الاستدلال بها، ومنها:

  • عبد الله بن حذافة يضرب عن المحرم الذي أبيح له: حيث قال ملك الروم: اتركوه واجعلوه في بيت ومعه لحم خنزير مشوي وخمر ممزوج، فلم يأكل ولم يشرب، وأشفقوا أن يموت فقال: أما إن الله عز وجل قد كان أحله لي، ولكن لم أكن لأشمتك بالإسلام. (مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر).
  • الإضراب سلاح من أسلحة أبي لبابة: فعَنْ الزّهْرِيّ، قَالَ: وَارْتَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ سَبْعًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الّتِي عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ فِي حَرّ شَدِيدٍ، لَا يَأْكُلُ فِيهِنّ وَلَا يَشْرَبُ، وَقَالَ: لَا أَزَالُ هَكَذَا حَتّى أُفَارِقَ الدّنْيَا أَوْ يَتُوبَ اللهُ عَلَيّ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى مَا يَسْمَعُ الصّوْتَ مِنْ الْجَهْدِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إلَيْهِ بكرة وَعَشِيّةً..

وهذا هو القول الراجح.

شروط أكيدة:

وهنا أود أن أشير إلى أن القول بجواز الإضراب وإن أدى إلى الموت ليس معناه أن يقدم عليه الشباب وقتما شاءوا، وإنما ينظر إليه باعتباره ضرورة، وحالة استثنائية طارئة، وليست أصلا يركن الناس إليه مطلقا، وعليه فإنه ينبغي مراعاة التالي:

1- لا يلجأ للإضراب عن الطعام أو الشراب المفضي إلى الموت إلا عند الضرورة.

2-  يتم التدرج في الإضراب، فلا يمتنع امتناعا كليا، ولكن ليبدأ به جزئيا حتى يعطي للطرف الآخر فرصة للحوار والتفاوض.

3- أن يأخذ الإضراب صدى إعلاميا واسعا، فلا يقبل أن يكون إضرابا بين جدران أربع لا يعلم به سوى من قام به ومن تسبب فيه.

4- أن تكون للإضراب فائدة ترجى؛ شخصية أو عامة.

5- أن يكون الإضراب لدفع مفسدة أكبر، لأن الإضراب وإن كان فيه مفسدة التعدي على النفس إلا إنه إذا وجدت مفسدة أكبر جاز دفع المفسدة الأكبر بالمفسدة الأقل.

6- أن يقطع المضرب إضرابه ما تحققت مطالبه المشروعة كلها أو بعضها إن كان في ذلك النفع الأجدى والمصلحة المرجوة، إذ ليس الإضراب غاية بل وسيلة.

7- للمضرب أن يقطع إضرابه إن رأى في نفسه عجزا أو ضعفا قد يفضي به إلى اليأس أو القنوط، أو إن رأى تعنتا من الطرف الآخر، فالإضراب  المفضي إلى الموت ليس فرضا ولا واجبا، بل مشروع عند الحاجة.

شاهد أيضاً

د علي محمد الصلابي يكتب :ليلة النصف من شعبان.. أحكام وفضائل

حرص السلف الصالح أشد الحرص على الأوقات، خصوصا فيها الأعمال التي حباها الله تعالى بمزيد …