بدعوى إجراءات مكافحة كورونا… الجيش يحتكر شواطئ الإسكندرية

“الشواطئ مغلقة… لا سبيل أمامكم إلا الفنادق والمنتزهات الخاصة بالقوات المسلحة”، بتلك الجملة نصح أحد حراس الشواطئ العامة محمد ماهر وعائلته بالاتجاه إلى أحد الشواطئ الخاصة بالقوات المسلحة من أجل الاستمتاع بإجازة الصيف السنوية.

يحكي ماهر عن تجربة المصيف “المريرة” في الإسكندرية: “وصلت أنا وأسرتي المكونة من ستة أفراد إلى الإسكندرية في أحد أيام النصف الثاني من شهر أغسطس، في تقليد سنوي نحرص عليه من أجل قضاء بضعة أيام على شواطئ الإسكندرية الجميلة صيفاً، والهرب من حرارة الطقس في محافظة المنيا جنوبي مصر، لكننا فوجئنا بإغلاق جميع الشواطئ العامة”

ويضيف شاكياً: “يبلغ سعر تذكرة الدخول إلى شواطئ القوات المسلحة 150 جنيهاً مصرياً للفرد الواحد، أي أننا بحاجة إلى 900 جنيه للدخول فقط، إضافة إلى المصاريف في الداخل، وهو ما يفوق قدرتي المادية، خاصة في ظل تراجع الدخل وارتفاع الأسعار خلال العام الحالي”.

حرمان المصطافين من 61 شاطئاً عاماً

حُرمت عائلة ماهر ومعها ما يتراوح بين 1.5 و2 مليون مصطافاً يترددون سنوياً على المحافظة خلال فصل الصيف، علاوة على 5 ملايين مواطن آخر هم مواطني المحافظة الساحلية، من الاستمتاع بالشواطئ العامة في عروس البحر الأبيض المتوسط، بدعوى الإجراءات الاحترازية لمكافحة انتشار فيروس كورونا، في الوقت الذي فتحت فيه شواطئ القوات المسلحة أبوابها أمام الجمهور للاستمتاع بها مقابل تذكرة دخول تتراوح قيمتها بين 100 و400 جنيه للفرد الواحد، وسط تساؤلات المواطنين “هل يخشى فيروس كورونا إصابة المترددين على شواطئ القوات المسلحة، ويصيب المترددين على الشواطئ العامة فقط؟”

توجد في الإسكندرية عشرات الشواطئ العامة التي تفتح أبوابها أمام الجمهور بأسعار دخول رمزية تتراوح بين 10 و25 جنيهاً للفرد الواحد، تديرها مجموعة من المستثمرين أو رجال الأعمال ويحصلون على حق إدارتها في مزاد علني لمدة تتراوح بين 3 و5 سنوات، تعلن عنه الإدارة المركزية للسياحة والمصايف وتنفذ الإجراءات إدارة التعاقدات التابعة لمحافظة الإسكندرية.

وتوجد مجموعة أخرى من الشواطئ السياحية تتبع بعض الفنادق الخاصة وأخرى تتبع بعض الهيئات وبينها فنادق وشواطئ تابعة للقوات المسلحة وفندق تابع لوزارة الداخلية، وفقاً لمصدر مسؤول داخل محافظة الإسكندرية، طلب عدم الكشف عن هويته.

دوريات لإغلاق الشواطئ العامة

عن سبب افتتاح فنادق القوات المسلحة لشواطئها أمام المواطنين دون باقي الشواطئ، قال رئيس الإدارة المركزية للسياحة والمصايف اللواء جمال رشاد إن إغلاق الشواطئ يأتي تطبيقاً للقرارات التي أصدرها مجلس الوزراء ضمن الإجراءات الاحترازية للوقاية والحد من انتشار فيروس كورونا، حيث تم إغلاق الشواطئ البالغ عددها 61 في المحافظة، بالإضافة إلى الحدائق العامة، مؤكداً أن الإدارة تشن حملات مكثفة للتأكد من التزام جميع الشواطئ بقرارات الإغلاق.

وأضاف رشاد، لموقع “رصيف22” موضحاً أن الإدارة تنفذ قرارات مجلس الوزراء على الشواطئ العامة فقط، ولا سلطة لها لتنفيذها على الفنادق الخاصة أو الشواطئ التي تمتلكها بعض الهيئات والجهات. في المقابل، رفض اللواء التعليق على سبب السماح لأحد الشواطئ التي تديرها القوات المسلحة وتتواجد وسط الشواطئ العامة بدخول المواطنين إليها، رغم أنه لا يفصله عن شاطئين عامين محيطين به إلا سور خشبي فقط.

هل كورونا انتقائي؟

يقول محمد حامد البشبيشي، وهو أحد سكان محافظة الإسكندرية، لرصيف22 إنه قرر أن يأخذ أسرته للاستمتاع بشاطئ مدينته الساحلية، ولعلمه أن جميع الشواطئ العامة مغلقة قرر التوجه إلى أحد شواطئ القوات المسلحة.

هناك فوجئ بمئات المواطنين يتزاحمون على الأبواب دون أي إجراءات احترازية أو وقائية، فقرر العودة إلى المنزل، قبل أن يلاحظ وجود مساحة مفتوحة على البحر لا أحد يراقب عليها، فتوجه مع أسرته إلى تلك المساحة للاستمتاع بالبحر قليلاً، وما هي إلا دقائق حتى وصلت حملة من الحي مصحوبة بقوة من الشرطة.

عندما سأل محمد الضابط عن سبب إخلاء الشاطئ المفتوح، رد عليه بـ”علشان كورونا”، فقال محمد: “هي كورونا موجودة هنا ومش موجودة في شاطئ القوات المسلحة المفتوح اللي بينا وبينه 5 أمتار”، ليأتي رد الضابط حاسماً: “ده اللي عندنا إذا كان عاجبك”

مواطنون يلجؤون إلى شواطئ خطرة

أمام إجراءات إغلاق الشواطئ التي أقرتها الحكومة وتنفذها بجدية الإدارة المركزية للسياحة والمصايف وأجهزة الحي (المحليات) وقوات الشرطة، وارتفاع أسعار وتكاليف دخول شواطئ القوات المسلحة، قرر مصطافون التوجه إلى بعض الشواطئ المفتوحة أمام المواطنين وهي تلك الحجرية التي تعرف بأنها مناطق غير آمنة للسباحة.

وتوجه مئات المواطنين بشكل مستمر إلى أحد الشواطئ الحجرية الخطرة الموجود في منطقة سيدي بشر، وأغلب الوافدين إليها من أبناء المحافظات البعيدة ومحدودي الدخل ممن لا يمتلكون رفاهية الدخول إلى شواطئ القوات المسلحة.

ورغم وجود لافتة مدون عليها “منطقة خطرة ممنوع النزول”، يستمر التوافد على ذلك الشاطئ باستثناء أوقات مرور الدوريات التي تطلب من المواطنين الرحيل وتضبط المخالفين.

يؤكد محمود مصطفى، وهو أحد المصطافين الوافدين إلى الإسكندرية من محافظة البحيرة، أنه بسبب حرارة الطقس ومطالب أبنائه الدائمة بالذهاب إلى المصيف وأمام محدودية دخله يلجأ إلى “رحلة اليوم الواحد”، حيث يصل إلى محافظة الإسكندرية صباحاً ويتوجه إلى الشاطئ الحجري المفتوح ثم يغادر قبل غروب الشمس.

يضيف مصطفى شاكياً أن دخله لا يمكنه من الدخول إلى أحد الشواطئ المفتوحة التي تكلفه في أدنى تقدير 600 جنيه من أجل الدخول فقط، بعيداً عن مصروفات استئجار كراسي وشمسية وخلافه. يقول: “أدينا عايشين على قدنا وبفسح العيال شوية، وبيغيّروا جو، ما باليد حيلة هنعمل إيه”.

لا سلطة لأي جهة أخرى عليها

أوضح رئيس غرفة شركات السياحة في الإسكندرية علي المناسترلي أن نسبة الإقبال على فنادق الإسكندرية ضعيفة، خلال الصيف الحالي، مقارنة بالفترة نفسها خلال السنوات السابقة، مشيراً إلى أن وزارة السياحة والآثار سمحت لفنادق باستقبال النزلاء شرط ألا تتعدى نسبة الإشغال 50%، مع اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية الكافية.

ولفت المناسترلي إلى أن نسب الإقبال ما زالت ضعيفة ومتدنية دخل جميع فنادق الإسكندرية والساحل الشمالي التي يصل عددها إلى 15 فندقاً، وجميعها تمتلك شواطئ خاصة، ورغم إغلاق جميع الشواطئ العامة إلا أن نسب الإقبال ما زالت قليلة، مشيراً إلى أن محافظة الإسكندرية تضم 4800 غرفة فندقية لم تصل نسب الإشغال بها العام الجاري إلى 50%، رغم أنها دائماً ما تسجل 100% إشغال خلال المواسم والأعياد.

بسؤاله عن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الفنادق لمنع انتشار فيروس كورونا، أكد المناسترلي أن الفنادق ملتزمة بألا تتعدى نسبة الإشغال بها الـ50% التي حددتها وزارة السياحة والآثار. أما عند سؤاله عن سبب استقبال فنادق القوات المسلحة للمصطافين بشواطئها الخاصة، قال إن إدارة فنادق القوات المسلحة تتبع الأخيرة حصراً ولا سلطة لأي جهة أخرى عليها.

كفر الشيخ ودمياط وبور سعيد أيضاً

تمتد على شاطئ البحر الأبيض المتوسط محافظات ساحلية أخرى تجذب عدداً من المصطافين ومنها كفر الشيخ وبورسعيد ودمياط. تمتد المقاهي على طول شاطئ بور سعيد وهي مملوكة لصغار المستثمرين ومفتوحة أمام الجمهور والمواطنين، لكن المحافظة قررت منع تأجير “الشمسيات والكراسي” بسبب كورونا، فيما لا تمنع إدارات الكافيهات المواطنين من النزول إلى المياه في حال رغبوا بذلك شرط تنبيههم أنهم ينزلون على مسئوليتهم الخاصة لعدم وجود منقذين، وفقاً لما روته مواطنة تقطن في مدينة بور سعيد

وفي رأس البر في محافظة دمياط، تلتزم أجهزة المحليات في المدينة بمنع نزول المواطنين إلى الشواطئ، تنفيذاً لتعليمات الحكومة باستمرار إغلاق الشواطئ والمتنزهات والحدائق العامة، وتضبط المخالفين في الوقت الذي يمكن للمواطنين التوجه بدون عوائق إلى فندق ونادي القوات المسلحة في مدينة رأس البر والذي يمتلك شاطئاً خاصاً، وفقاً لأحد أبناء المحافظة.

وفي محافظة كفر الشيخ، يملك المواطنون خيارات عدة للتوجه إلى شواطئ وأندية القوات المسلحة، حيث تتواجد عدة أندية مفتوحة أغلبها على شواطئ خاصة، في الوقت الذي تمنع فيه الأجهزة المحلية بالتنسيق مع قوات الشرطة المواطنين من النزول إلى الشواطئ العامة، مثل شاطئ بلطيم، وفقاً لشهادة أحد المقيمين في المحافظة.

وأقرت الحكومة المصرية خطة التعايش مع فيروس كورونا، مطلع آب/ أغسطس الماضي، تزامناً مع تراجع معدل الإصابات بين المواطنين، وشملت الإجراءات استمرار إغلاق الشواطئ والحدائق والمتنزهات العامة، وإغلاق قاعات الأفراح ومنع التجمعات. ومع قرار تخفيض القيود بدءاً من 21 أيلول/ سبتمبر الحالي، سمحت السلطات بفتح قاعات الأفراح واستئناف تدريبات دوري الدرجة الثانية وافتتاح صالات الرياضة ومراكز الشباب وغيرها، إلا أنها لم تقرر افتتاح الشواطئ حتى الآن.

شاهد أيضاً

مسلمون في أمريكا يلغون احتفالات رمضان حزنا على أحداث غزة

يعيش المسلمون الأمريكيون أجواء شهر رمضان بحزن طاغٍ، بسبب القتل والدمار المستمر منذ أشهر في …