تسريبات السيسي للموالين له.. أصبحوا عبئا على النظام ودورهم المرسوم انتهى

سلطت وكالة الأناضول، من خلال تحليل لها، الضوء على تسريبات لبعض الأشخاص المحسوبين على النظام المصري، والتي اعتبرها مراقبون أنها رسالة واضحة لهؤلاء أن دورهم قد انتهى وأنهم أصبحوا عبئا على النظام، ويجب أن يتركوا مناصبهم في هدوء.

ثلاثة من رموز السلطة في مصر أخرجت لهم بشكل مفاجئ تسريبات صوتية منفصلة تهاجم رأس النظام أو تقلل من هيبة الدولة ومؤسساتها وتشكك في ولاء أحدهم.

التسريب الأول ظهر لعبد الرحيم علي عشية انتخابات برلمانية، انطلقت السبت، وخاضها رجل النظام الأبرز، رجل الأعمال، محمد أبو العنيين، في دائرة الدقي والعجوزة بالجيزة (غرب القاهرة) ضد آخرين أبرزهم عبد الرحيم علي وأحمد نجل مرتضى منصور.

والتسريب الثاني أُخرج لهيكل ضمن صراع صلاحيات مع إعلاميي السلطة حيث يقلل فيه من دورهم.

أما الثالث فظهر في خضم سقطات لفظية باتت مرتبطة باسم مرتضى منصور، خاصة في صراعه مع المسؤولين في غريمه النادي الأهلي وآخرين من رجال الدولة يوجه لهم لتخويفهم تهمة سابقة التجهيز: “الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين” التي يصنفها النظام كإرهابية.

ورغم نفي صحتها من عبد الرحيم ومرتضى، فإن التسريبات يبدو من توقيتها وسياقها وتداولها عبر إعلام رسمي وخاص أنها إشارة شبه رسمية بإنهاء أدوار الثلاثة وغيرهم حسب متطلبات المرحلة، لصالح آخرين تراهم السلطة أجدر بأنه يستكملوا مسيرة دعمها ولا يشكلون عبئا عليها ويقبلون بالتنسيق والانسجام.

معارك بين أجهزة النظام

تلك التسريبات اعتبرها معارضون “معارك بين أجهزة النظام”، غير أنها وبقراءة هادئة بعيدة عن حسابات سياسية معارضة، تبدو أشبه بلعبة كراسي موسيقية يجلس عليها رجال المرحلة، في توقيت يرى النظام، الذي يستشعر استقراره، أنه بحاجة لتجديد دمائه دون أعباء أو تكاليف أو سداد حسابات سابقة.

وسيبقى المشهد المصري، الذي يراه معارضون أنه “مرتبك داخليا”، أسيرا لفقاعات ستنتهي كغيرها، وأحدثها فقاعة تسريبات رموز للسلطة، فالثلاثة وغيرهم يهمهم بقاء النظام لا رحيله، لأن استقراره يضمن إعادة تدويرهم في مناصب أخرى مستقبلا وليس القضاء عليهم، في ظل الصراع الصفري مع المعارضة، وحرص كل من الطرفين على الإطاحة بالآخر.

وتكشف التفاصيل دلالات أولية، حيث أظهر الثلاثة ولا يزالون ممانعة للخروج من المشهد بهدوء.

لذا كان لابد من “التسريبات” التي تعد “ضربة قاضية” لعبد الرحيم، و”قرصة أذن” لهيكل المتطلع لصلاحيات وأدوار أكبر تنازع إعلاميي السلطة، و”نفاد للصبر” من الإحراجات المتتالية التي يحدثها مرتضى للنظام بسبابه المتكرر لمؤيدين للنظام.

ويبدو أن الثلاثة لم يقبلوا بمسار الرحيل في صمت أو “استراحة محارب” على نحو ما تم في يونيو/ حزيران وسبتمبر/أيلول الماضيين، بحق اسمين بارزين، هما مكرم محمد أحمد، وياسر رزق، الأول من رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام (تدير شؤون الإعلام بالبلاد) والثاني من رئاسة مجلس إدارة صحيفة “أخبار اليوم”، إحدى أبرز الصحف بالبلاد، وذلك رغم قربهما من السلطة.

عبدالرحيم علي يخرج عن النص

“أنا عبد الرحيم علي، أنا فوق القانون، لا يستطيع عبد الفتاح السيسي أن يحيلني للنيابة، أنا عندي بلاوي (فضائح لم يحددها) تحبسهم كلهم”.

هذا أبرز ما جاء في التسريب الذي بثته قنوات معارضة عشية سباق الانتخابات البرلمانية، ونفاه عبد الرحيم، مستعينا بنظرية المؤامرة في القول بأن ثمة شيء يحاك ضده.

وأثناء حديثه الهاتفي مع قاضٍ على الطرف الآخر يُقال إنه زوج ابنته، يُظهر السياق النفسي للتسريب أن عبد الرحيم في صراع داخلي رهيب للتشبث بمكتسباته الكبيرة من النظام ورفض الإطاحة به.

وباعترافه، يقر عبد الرحيم أنه “يواجه أكبر حملة من مستخدمي المال السياسي جرت في تاريخ مصر الحديث”، وذلك في تصريح عبر صفحته بـ”فيسبوك”، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قبيل معركته بانتخابات مجلس النواب، التي تفيد مؤشرات أولية بفوز رجل النظام، محمد أبو العنيين، بها وانتزاعه مقعد عبد الرحيم.

وليس أمام عبد الرحيم، وهو رجل الإعلام الذي بث تسريبات صوتية قبل سنوات لمعارضين في برنامجه التلفزيوني “الصندوق الأسود”، إلا أن يعيد حساباته.

فإما أن يُصعد، وهذا ليس في صالحه، أو ينتظر إعادة تدويره في مكان آخر يختاره النظام، أو تتم محاسبته مستقبلا عما جاء في التسريب، على اعتبار أن الحساب “مؤجل”، حال خرج عن سياق المشهد المرتب.

تسريب لوزير من داخل ماسبيرو

“صدق أولا تصدق”.. هذه العبارة أُلحقت بعناوين صحفية خرجت مع إعادة بث التلفزيون الرسمي، قبل أيام، تسريبا صوتيا لوزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل، يتلقى فيه تعليمات من رئيس حزب “الوفد” آنذاك، السيد البدوي، ليهاجم جماعة الإخوان المسلمين، بعد ثورة 2011.

وعلق مقدم البرنامج بالتلفزيون، الإعلامي المقرب من النظام وائل الإبراشي، على التسريب باتهامات متوالية ضد هيكل، الذي وجه في الأشهر الأربعة الأخيرة انتقادات لأداء إعلام الدولة الموالي للنظام.

ففي تصريحات جانبته فيها “الحصافة السياسية” بحسب مراقبين، انتقد هيكل “غياب التنسيق الإعلامي” وبروز إعلاميين “غير مختصين”، ووجود صوت واحد للإعلام أدى لتراجع دور وتأثير الصحافة والإعلام بمصر.

وبدا لمتابعين للشأن المصري أن هيكل يبحث عن ترسيخ مهام “عميقة” لحقيبته التي بلا وزارة وكانت منذ تعيينه في ديسمبر/كانون الأول 2019 محط تساؤلات عن صلاحياتها، في ظل وجود هيئات إعلامية معنية بإدارة المشهد، وحقل إعلامي معروف للجميع أن له “خطوط حمراء”.

وبعد تصريح أثار انتقادات حادة له، تراجع هيكل بقوله إنه لن يقدم بلاغات ضد من انتقده أو هاجمه، بعد وقت قصير من فشل اجتماع مغلق الأربعاء دعا إليه من هاجموه من إعلاميي السلطة.

ويبدو أن هيكل يحاول أن يتفادى مصير مكرم محمد أحمد وياسر رزق، غير أن جرس الإنذار أُطلق بالتسريب ضده، وتكرر بعدم حضور بعض المدعوين للقاء وتصاعد الهجوم ضده من إعلاميي النظام، مع رسالة مفادها أنه “لم يعد رجل المرحلة وغير مرغوب فيه”.

وإزاء تلك الرسالة المحتملة، ليس أمام هيكل، في ظل علاقاته الجيدة بالسلطة، إلا الانحناء للعاصفة الحالية والقبول بالأمر الواقع والبحث عن مخرج، وإلا “الرحيل” بإرادته أو مجبرا، لاسيما بعد تشكيل مجلس النواب الذي يقر اختيارات السيسي لوزراء حكومته.

مرتضى وإهانة السيسي

في يوليو/ تموز الماضي، ظهر تسريب لرئيس نادي الزمالك والبرلماني آنذاك، مرتضى منصور، لا تزال تداعياته فيما يبدو قائمة بهدف إخراجه من المشهد.

في هذا التسريب سب مرتضى رموزا من غريمه النادي الأهلي، خاصة رئيسه محمود الخطيب، وكرر خلاله عبارة أن “البلد مافيهاش (لا يوجد) بها رجل”، في إهانة اعتبرها مغردون تمس الدولة ورموزها ومؤسساتها، بل والسيسي نفسه.

وخرج مرتضى، الذي يشتهر بأنه كثير السباب لرموز رياضية، ببيان وقتها يتهم فيه ضابط بقطر قال إن اسمه “أبوسنيدة” بأنه وراء فبركة التسريب، في ظل سعي الزمالك لتجريد غريمه الأهلي من لقب “نادي القرن” في كرة القدم.

وكان مرتضى لسنوات عبئا على النظام، بسبب صراعاته وسبابه المتكرر رغم دوره اللافت في مواجه خصوم، غير أن هذا التسريب، وفق مراقبين، كان بداية لأزمة أكبر لمرتضى، وليس للنظام، ظهرت في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

في ذلك اليوم، أعلنت اللجنة الأوليمبية المصرية وقف مرتضى لمدة أربع سنوات عن مزاولة أي نشاط رياضي، وتغريمه 100 ألف جنيه (نحو 6400 دولار أمريكي)، وطلبت إجراء انتخابات لرئيس بديل له، بعد ثبوت مخالفات منسوبة إليه من إهانته لرؤساء مؤسسات رياضية.

وأيدت اللجنة الأوليمبية الدولية، منتصف الشهر الجاري، هذه القرارات ضمنيا، بقولها إن هذا الأمر هو شأن يخص اللجنة المصرية.

ورغم رفض مرتضى، وهو قاضٍ سابق وسياسي متمرس، تنفيذ القرار متشبسا بكرسي رئاسة النادي العريق، واللجوء للقضاء، تبقى الرسالة واضحة، وهي أن الجميع نظاما ومؤسسات نفد صبره مما يفعله.

ولم يتبق أمام مرتضى غير معركة مهمة ومصيرية له، وهي انتخابات مجلس النواب التي تجرى بدائرته في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهي أخر بطاقات الحصانة التي يتمسك بها لسنوات ماضية، ولم يستطع أحد أن يرفعها عنه في الدورات البرلمانية السابقة.

وإن خسرها، كما خسر نجله أحمد الانتخابات، السبت الماضي، فسيواجه الأب التجريد الكامل من كل شيء.

 وحينها، لن يحتاج مرتضى لهجمات شرسة مجددا، لكن بعض من “الحصافة السياسية”، على أمل إعادة تدويره داخل النظام، وربما تكون هذه الخطوة مستبعدة في المستقبل القريب، بسبب “بذاءة لسانه” وإجادته “صناعة الخصوم”.

مصر “أم التسريبات”

إجمالا، فإن التسريبات هي صناعة شقت طريقها في مصر منذ ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، مع ظهور صراعات داخل القوى السياسية والسلطة، وطالت مسؤولين بارزين، بينهم رئيس البلاد، وسياسيون مؤيدون ومعارضون، بشكل اعتبره البعض “قصفا متبادلا”.

وهذه التسريبات إما مكتوبة في صورة وثائق، نقلها مؤيدون للثورة ضد آخرين، أو مسموعة في صورة تسجيلات صوتية لمكالمات هاتفية، لاسيما عقب الإطاحة بالرئيس الشهيد، محمد مرسي، صيف 2013.

وكان عبد الرحيم نجم التسريبات ضد المعارضة ورموز في الدولة، عبر برنامجه “الصندوق الأسود”، في مقابل بث قناة “الجزيرة” القطرية وقنوات مصرية معارضة بالخارج، مثل “مكلمين”، تسريبات صوتية للسيسي ومسؤولين آخرين.

التسريبات هي على الأرجح “رسالة” بإنهاء أدوار البعض، فمن آن إلى آخر يغير النظام جلده، حسب متطلبات المرحلة.

شاهد أيضاً

حماس: المرونة التي نبديها لا تعني التراجع عن شروطنا وإسرائيل لا يعنيها أسراها

قال القيادي في حركة “حماس” باسم نعيم، إن “إسرائيل باتت تفهم المرونة التي تبديها حماس …