د. أكرم كساب يكتب: الإمارات والقرضاوي .. من التكريم إلى التطاول والتحريض

عجيب هو حال الدنيا.. وعجيب هو حال البشر!

ولكن لمَ العجب؟ أوليست هي دنيا, وأصلها من الدناءة؛ أي الحقارة والسفالة؟

أليس طبع الكثير من بني البشر هو نكران الجميل؟

الشيخ القرضاوي علاّمة عصره، وفقيه زمانه يتهمه البعض بما ليس فيه، ويتطاول عليه من قبّل رأسه، ومن جرى خلفه ليكون ضيفا عنده؛ فيستفيد من ضيافته، ويجنى ثمار محاضراته، ويتفاخر بين الناس أن تلفازه استضاف الشيخ العلامة يوسف القرضاوي.

وأعجب ما في الأمر أن عمر العلامة القرضاوي أكبر من عمر دولة من تطاول عليه، نعم هذه إحدى الحقائق العجيبة، فالقرضاوي ولد عام 1926م، بينما دولة من تطاول على الشيخ لم تنشأ إلا في عام 1971م، فما بالك بعمر المتطاوِل نفسه؟!

لقد كان القرضاوي ملئ السمع والبصر فقيها مفتيا، كاتبا مؤلفا، محاضرا مناظرا، شاعرا وأديبا، وحركيا ومربيا؛ وهذا الذي تطاول عليه ما زال في فترة طفولته لا يميز بين التمر والجمر، ولا الحلو والمرّ!

والمنصف العاقل لا يمكنه أن ينكر أن للقرضاوي حضورا قويا في الإمارات، بل لقد أفاض الرجل من علمه وجهده على الإماراتيين في عالم التربية والتعليم، والاعلام والاقتصاد… وغيرها فاستحق أن يكرم مرتين في إمارتين مختلفتين.

وتبدأ القصة حين لمع بريق الذهب الأسود (البترول) في أراضي الإمارات، وكان سابقا لهذا الظهور نمو الصحوة الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي، وكان للصحوة حضور في كل مناحي الحياة ومنها الجانب الاقتصادي فتنبه أهل الإمارات لذلك أكثر من غيرهم فاحتضنوا تجربة من أهم تجارب الاقتصاد الإسلامي (البنوك الإسلامية) من خلال إمارة أبو ظبي وغيرها، وهنا كان القرضاوي حاضرا بفكره وفقهه وتجربته الاقتصادية الفريدة، ولمَ لا وهو صاحب موسوعة (فقه الزكاة)، ولم تمض الأيام حتى كان الشيخ – ولسنوات طويلة- رئيسا لهيئة الرقابة الشرعية ببنك أبو ظبي الإسلامي.

ولما كان القرضاوي قيمة علمية؛ فهو الفقيه المعلم، والداعية المفوّه، والأصولي المفسر، والحركي المربي، والشاعر الأديب، لهذا  -وغيره- حرصت جامعة (الإمارت العربية المتحدة) وربما غيرها  أن يكون الشيخ ضيفا عليها يحاضر طلابها وأساتذتها, وللشيخ في الجامعات كلمات لا ينكرها أحد.

وفي عالم الصحافة تنافست الصحف والمجلات في بث كتب الشيخ ومقالاته، فنشرت مجلة (منبر الإسلام) مجموعة مقالات للشيخ، ومنها  (الدين في عصر العلم)، ثم نشرت في بحث مستقل مع المجلة، وقد جعله الشيخ الفصل الأول من كتابه بينات الحل الإسلامي.

بل إن صحيفة (الاتحاد) الإماراتية التي تطاولت على الشيخ منذ فترة، كانت هي الأخرى من الصحف التي لهثت خلف الشيخ ليسمح لها بنشر بعض مقالاته، وأخيرا سمح الشيخ لها بأن تنشر بعض كتبه القديمة في صورة مقالات، ولم تستنكف الصحيفة ذلك، فقديم الشيخ لا يزال يعالج كثيرا من أمراض الأمة وقضاياها..

وأما عن عالم الفضائيات، فلم يكن الشيخ حريصا بقدر ما كان مسؤولو الإمارات حريصين على تواجده بفقهه وفكره في الإمارات من خلال شاشات تلفزتها، نعم لقد كان الشيخ وهو المقيم في قطر يذهب أسبوعيا إلى الإمارات ليُستضاف في برنامج (المنتدى) الذي تقدمه شاشة أبو ظبي، واستمر الشيخ أعواما، وكان كلما أبدى اعتذارا لضيق وقته وكثرة أعماله وواجباته؛ أبدى له المسؤولون وفي مقدمتهم وزير الإعلام (وزير الخارجية الحالي) حاجة الناس ليس في الإمارات ولكن في الخليج كله لعلم الشيخ وفكره الوسطي الرصين.

ونظراً للثقة التي يتمتع بها القرضاوي بين العاملين في الحقل الإسلامي فقد رُشح الشيخ لكثير من الجوائز، ونال عدداً غير قليل منها من عدة جهات عربية وإسلامية قدرت جهوده في خدمة العلم والدين والأمة، وكان نصيب الإمارت من التكريم جائزتين:

الأولى: جائزة السلطان العويس بدولة الإمارات العربية المتحدة عن الإنجاز الثقافي والعلمي عام 1999 م .

الثانية: جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم باختياره ” الشخصية الإسلامية ” لعام 1421 هـ ـ 2000 م .

وكم كان الشيخ رائعا, ومسؤولو الإمارت يقبلون رأسه، وهم في هذا يقبلون العلم والفقه والفكر، يوم أن كانوا بحاجة إلى العلم والفقه.

أما وقد استغنى القوم عن العلم والفقه، ورضوا بالتصوف المغلوط، والتسلف المغشوش؛ فقد أضحى الشيخ عدوا لهم، لأنهم رضوا أن يكونوا بجوار الطغاة من الحكام، حتى وإن كان ذلك على حساب الشعوب المطحونة، وقضايا الأمة الكبرى كقضية فلسطين، وثورات الربيع العربي.

أما لماذا الآن؟

فالإجابة يدركها الصغير قبل الكبير، فالعلامة القرضاوي يحتفي به الملك سلمان، ويستقبله ضيفا عليه في رحلة العمرة الآخيرة، وهذا ما حرك طوفانا من الغيظ والكمد في صدر وزير خارجية الإمارات، فأرعد وأزبد، و(تَيتَر) و(شير) لما رأى الشيخ ضيفا مكرما في المملكة، وربما رأى الوزير (المُتَيتِر) أن العلاقة بين المملكة وبين الإخوان ستعود إلى سابق عهدها، ولمَ لا و (مفتي الإخوان، والأب الروحي) كما يقولون, في قصر الملك؟!

هكذا ظن وتوهم، وهكذا (تيتر) و(شيّر).

وأخيرا؛ فالحقيقة التي لا مراء فيها أن القرضاوي أضحى بكتاباته العلمية الرصينة، ومواقفه الأدبية القوية تجاه الطغاة من الحكام؛ حجةً يرجع الناس إليه، وهو إن اختلف البعض معه –وحق لهم هذا- يبقى علما من أعلام الأمة، وفقيها لم يتاجر بعلمه، بل سخر علمه لخدمة أمته حتى وإن خسر على المستوى الشخصي ما خسر، فهو الذي  ردد مع من سبقه من العلماء: مصلحة الأمة تقدم على مصلحة الفرد.

نعم لقد أضحى الشيخ إماما عند الشعوب – مهما حاولت الثورات المضادة تشويه صورته- وقد ظهر ذلك قويا في ثورات الربيع العربي، حيث كان الشيخ حاضرا فيها، وفي كل البلدان بقوة، فهو الذي صلى بالملايين في جمعة النصر في ميدان التحرير، وهو الذي حاضر في مدن ليبيا، وهو الذي صفق له الجمع الغفير في تونس وحواضرها، ولو منّ الله على أهل سوريا واليمن لكان الشيخ خطيبا في المسجد الأموي، وإماما في ساحات اليمن الكبرى.

إن هذه المكانة هي التي أرعبت كل المهزومين نفسيا، والمنبطحين للغرب الحاقد، فغدا القرضاوي وهو ابن التسعين يهدد عروش الطغاة والمستبدين، وسيبقى هذا هو الحال، حتى تسترد الشعوب العربية حقها السليب من الحكام المستبدين، وها هو يقول لهم مذكرا بسنن الله في خلقه:

قل للطغاة الحاكمين بأمـرهم   إمهال ربي ليس بالإهمـال

إن كان يومكمو صحت أجـواؤه     فمآلكم والله شر مـــــآل

سترون من غضب السموات العلا حتمـاً, ويؤذن ظلمكم بزوال

وتزلزل الأرض التي دانت لكـم   يوماً, وما أعتاه من زلـزال

البغي في الدنيا قصير عمـــره    إن احتمى بالجند والأمـوال

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …