عامر عبد المنعم

عامر عبد المنعم يكتب :قطر تفوز في معركة القيم

لقد اطلعت شعوب العالم عن قرب على مجتمع مسلم، ودود مع الضيوف، متحضر يستخدم التقنية الحديثة، ويرفع الأذان ويعتز بالإسلام، يفتح الساحات حتى في الملاعب لأداء الصلوات

استطاعت قطر أن تحقق فوزا غاليا في ساحة القيم والأخلاق، وقدمت نموذجا للصمود في الثبات والدفاع عن الدين والهوية، في مواجهة دوائر متعصبة في الغرب لم يعجبها تنظيم دولة مسلمة لبطولة كأس العالم فأرادت إفسادها بالدعاية الشريرة للانحراف والفساد الأخلاقي.

هي بطولة رياضية لكن حملات الهجوم على قطر حولتها إلى معركة سياسية كبيرة بين الحضارات، رغم أن الدولة المنظمة لم ترد ذلك ولم تخطط له، فقد سعى السياسيون في فرنسا وإنجلترا وألمانيا لفرض وصايتهم على كأس العالم وإعطاء مشروعية لسلوكيات ضد الفطرة السوية، وتحميل الحدث الرياضي أكثر مما يحتمل.

تأتي أهمية الموقف القطري من كونه مباهاة وافتخارا بالانتماء الإسلامي وسط حالة من الانكسار في العالم العربي، وهرولة بعض الحكام للانسلاخ من الدين والهوية لإرضاء اليمين المتطرف في أوربا وأمريكا، طمعا في الحصول على شرعية دولية متوهمة.

رسائل هامة

الرسائل التي خرجت من قطر من خلال آلاف الكاميرات التي تنقل الحدث إلى كل أنحاء الكرة الأرضية ليست فقط التنظيم الفائق والإبهار في الإنشاءات رغم أهمية ذلك، وإنما الرسالة الحضارية التي قدمها الشعب القطري والعرب الموجودون في قطر الذين اختلطوا بالزوار في كل شارع وفي كل حي وفي كل ملعب بروح متسامحة بشكل تلقائي، من دون افتعال ومن دون توجيه.

لقد اطلعت شعوب العالم عن قرب على مجتمع مسلم، ودود مع الضيوف، متحضر يستخدم التقنية الحديثة، ويرفع الأذان ويعتز بالإسلام، يفتح الساحات حتى في الملاعب لأداء الصلوات، وليس مجرد بدو يعيشون في الصحراء ويركبون الجمال في عزلة عن العالم كما يصور الإعلام المعادي.

من الرسائل ذات الدلالة إظهار تأييد الشعوب العربية لفلسطين ورفض التطبيع مع “إسرائيل” وظهر هذا في رفع الأعلام الفلسطينية في كل مكان، وأظهرت لقطات الفيديو رفض العرب وغير العرب من مشجعي فرق أمريكا اللاتينية التصوير مع الفضائيات الإسرائيلية، وهذا يفضح تمثيليات نتنياهو والمهرولين معه للتطبيع.

من أهم الرسائل أن الحاكم المسلم الذي يعتز بدينه يحظى بتقدير شعبه وتحترمه شعوب العالم، وأن الالتزام بالثوابت وتوقير عقيدة الشعب هو الطريق الصحيح والحقيقي لنيل التأييد والتوفيق، وهي رسالة لمن يريد أن يفهم.

 التعصب الغربي

كشفت حملات بعض الدوائر الغربية ضد كأس العالم في قطر عن حالة الغرور التي تسيطر على العقل الغربي، وعدم احترامه للآخر، فالعقلية الاستعمارية كما هي، لا تريد أن تعترف بأن العالم اليوم تغير، وأن الحضارة الغربية قد فقدت بريقها خاصة في بعدها الأخلاقي والقيمي.

يقابل الأفول الحضاري للغرب وتفككه صعود الحضارات الأخرى، وعودة شعوب العالم إلى جذورها وأصولها، ولم يعد النموذج الغربي يحظى بالقبول إلا في دوائر صغيرة في بلادنا مرتبطة بمصالح نفعية؛ سرعان ما تتلاشى مع أول اختبار حقيقي في مجتمعاتنا التي بدأت ترفض التغريب.

مع الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي والانفجار المعلوماتي واتساع تأثير البث الفضائي فقد الغرب عجلة التوجيه والسيطرة الإعلامية لتشكيل العقول، فليس لدى الغربيين محتوى رسالي يستطيع المنافسة في ساحة الفكر والثقافة، ولم يعد الغرب يحتكر التقنية بعد تعدد الأقطاب وظهور قوى أخرى تفوقت عليه.

سلوك مرفوض

احتشاد دوائر أوربية في مساندة الشواذ بالطريقة التي رأيناها في كأس العالم، وبذل محاولات مستميتة لمجرد رفع علم قوس قزح -ولو بالاحتيال- يكشف حالة الانهيار الأخلاقي في هذه المجتمعات، فالسلوكيات المنحرفة التي تحرمها الرسالات الثلاث لا يمكن فرضها على شعوب العالم بهذه الطريقة الصبيانية.

الحقيقة التي يعترف بها كثير من منصفي الغرب أن نموذج الأسرة في المجتمعات الغربية هو أسوأ نموذج في العالم، فالأسرة التي تتكون من زوج وزوجة ينجبان أطفالا هي أساس حياة وتماسك أي مجتمع، لكن النموذج الأوربي القائم على العلاقات الحرة بعيدا عن الزواج وتشجيع العلاقات المثلية أفسد هذه المجتمعات، ونزع منها الحب والتراحم.

تعاني المجتمعات الغربية من تدمير الأسرة وضعف حيويتها فلا زواج ولا إنجاب ولذلك أصابتها الشيخوخة، وتشير التقارير الدولية إلى أنها في طريقها للانقراض بسبب ضعف الخصوبة، ولهذا تعتمد على شباب المهاجرين لتشغيل المصانع والمزارع.

 

العالم الإسلامي لديه أعظم رسالة ولكنه لا يفرضها على الآخرين بالقوة، وعلى الغربيين أن يحترموا عقائد وثقافات الشعوب الأخرى، وأن يقبلوا التنوع ويتعايشوا مع الاختلاف لأن زمن فرض ثقافتهم بالقوة انتهى، فالشعوب التي تتمسك بثوابتها لديها مناعة قوية ولن تقبل الانحراف الأخلاقي الذي هدم أسطورة الغرب.

مشجعون أجانب في ضيافة أهل قطر

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …