عزة مختار تكتب: أدواء الأمة والخروج من المأزق الحالي   

الحقيقة المؤلمة التي لا يستطيع أن ينكرها منصف .. هي كثرة أمراض هذه الأمة حتى صارت كالكسيح الذي لا يستطيع حراكا، ولا أن يذب عن وجهه ذبابة، ليس كسيحا فحسب، وإنما كسيح وأعمي أصم، لا يدرك ما يدور حوله من أحداث، وربما لا يشعر بدائه ومصابه. تعددت الأمراض حتى اختلط علي المداوين كيفية البدء في العلاج أو تحديد أصل كل ما يمر به.
صارت أمتنا مرتعا خصبا لجراثيم المحتلين، وأذى المغتصبين، ومسرحا لعمليات مخابرات العالم تتلاعب فيها وبها على مدار الساعة، فها هي سوريا تنزف, واليمن ومصر والعراق وليبيا وغيرها من بلاد العرب والمسلمين.
أمة أصابها الوهن فصارت هينة علي نفسها فهانت بين الأمم، اعتراها الجهل الذي نخر فيها كالسوس فأصبحت كعصا سليمان هشة في مهب ريح أضعف الحضارات.
تشرذمت وتمزقت دويلات هزيلة بفعل مستعمرٍ فرضَ عليها هيمنته حتى بعد أن خرج منها صوريا, وفرض عليها سلاطين متسلطين على رؤوس العباد بالاستبداد والعجرفة.
فما الذي طرأ على الأمة فجعلها تحيد عن مسار تاريخها الذي خلف حضارة من أعظم الحضارات الإنسانية؟ هل هو داء الوهن الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم  عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قُلْنَا: مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْل، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، قِيلَ: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ “.
هل تفتقد الأمة لتلك العقيدة المحركة والتي أعزتها قديما وقال عنها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ” نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”؟   
هل هي مؤامرة خارجية على الأمة ورغبة عالمية في الإطاحة بالدين لصالح المشروع الصهيوني المغروس في قلب الأمة ليحيلها عالة على الأمم ويميت فيها أي رغبة في الانتفاضة والتحرر الذي يضعها على أول طريق النهوض وبعث روحها من جديد في تجديد دينها والعمل به, ومن ثم ميلاد حضارة جديدة قد تبهر البشرية وتقدم لها ما تفتقده من إنسانية غابت عنها في حضارتها المادية العرجاء؟
وفي معرض البحث عن أسباب تلك الأدواء التي تعانيها أمتنا جميعا وجدت أنها لا تخرج أسباب ثلاث:
أولا: الاستبداد
يقول الله تبارك وتعالي عن فرعون علي لسان موسي ” وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ”  يونس: 88،89
فالاستبداد أصل داء الأمم، به تخور العزيمة، وتسفل الغاية، وتتفكك الروابط الاجتماعية، وتهون الذات، وتضعف الهمم، وينكفئ  المستبد به على ذاته غير عابئ بغيره ، تفسد الأخلاق وتخرب الذمم، يتعدد البلاء علي الناس، وتكثر الفتن والمشاحنات وتضيع الهوية، وتضيع حقوق الناس في متاهات الاكتفاء بالبحث عن لقمة عيش مغموسة بالذل تنشغل بها الشعوب. الاستبداد يجعل الأمة مهزومة بلا أمل في مستقبل ولا عبرة من تاريخ.
وقد انشغل المصلحون على مدى التاريخ بقضية الاستبداد التي توقف نمو البشرية، بل ترجعها إلي الوراء، انشغلوا بآثار الاستبداد على الفرد, وعلى المجتمع وكيفية خلاص الأمم من المستبدين بها ووضعوا لذلك قواعد، منهم عبد الرحمن الكواكبي الذي وضع قواعد عامة للخلاص من المستبد يقول فيها:
1-  الأمَّة التي لا يشعر كلُّها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحقُّ الحريّة.

2- الاستبداد لا يقَاوَم بالشِّدة إنما يُقاوم باللين والتدرُّج.

3- يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ما يُستَبدَل به الاستبداد.

ثانيا:  تعطيل العقيدة والتهاون في الدين
العقيدة لم تغب شمسها عن سماء أمتنا، فالمساجد تقام فيها الصلوات على مدار الساعة، والحج كل عام يؤديه ملايين المسلمين، وراية التوحيد لم تسقط من قلوب المسلمين، إنما الخلل في عدم تفعيل تلك العقيدة؛ فالصلاة لم تنهَ صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والحَج لم يرسخ عقيدة الاستسلام لله في كل مناحي الحياة، والصوم لم يمنع من التناحر والتشاحن، وعقيدة التوحيد المنطوقة بملايين الألسنة كل يوم لم تحرك الأمة المغتصبة للانتفاضة واستعادة الحقوق المسلوبة من حكامها وأعدائها.
ما ينقص الأمة هو فقه العبادات, وفقه العقيدة, وتفعيل كل ذلك لتنشط وتستعيد وعيها وحركتها ودورها المنوط بها.
ثالثا: العوامل الخارجية والمؤامرات التي أحاطت بالأمة

ولم تخلُ فترة من فترات تاريخ الأمة من المؤامرات التي تحاك لها خارجيا، ولا ينكر ذلك إلا صاحب مصلحة مع عدوها، أو جاهل بتاريخها؛ يقول الله تبارك وتعالى في سورة آل عمران الآية 69 “ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ” ولم تتوقف تلك المؤامرات حتى وقتنا هذا رغم حالة الهوان والضعف التي تمر بها الأمة, وذلك لعلمهم كيف يكون حالها إذا نفضت عنها غفوتها، وإذا صارت لحالة الحضور المطلوب لتستحق الشهادة على الغير بعدما تشهد بحق علي ذاتها.

إن اتفاقية سايكس بيكو ببنودها التقسيمية لبلاد المسلمين لضمان استمرار ضعفها وتبعيتها ما زال معمولا بها حتى الآن دون أن ندري، وما زال مسلسل التقسيم للقطر الواحد مستمرا لفرض مزيد من الهيمنة، وخلق الصراعات في المنطقة، حتى تحولت الصراعات العالمية لتدور على أرض العرب وبأيديهم, واليوم لو أمعنا النظر فيما يحدث في سيناء بمصر, والعراق, واليمن, والسودان، من فتنٍ طائفية بين المسلمين وغيرهم، ثم بين المسلمين أنفسهم, لفهمنا خط التآمر والمراد بما يثار من قلاقل معظمها مفتعل وبعضها مصنوع بإتقان في روسيا أو أمريكا أو حتى في أروقة قصور بعض الحكام المنقلبين على إرادة شعوبهم.

ختاما؛ أرى أن داء أمتنا يظهر جليا في حالة غياب الوعي التي نمر بها، ذاتيا وخارجيا، ولن يكون هناك خروج إلا بنشر الوعي وفكرة الخلاص بين جموع الشعوب المسلمة.  يجب أن تتضافر الجهود بين أهل الفكر والقائمين على الحركة الإسلامية للوصول لأفضل السبل لكيفية الخلاص، فالحركة الإسلامية تحتاج للفكر والتخطيط الجيد، والمفكرون المسلمون يفتقدون لمن يحمل فكرهم ويتحرك به، وبغير ذلك لن يكون هناك خلاص قريبا، لكني أوقن أن المستقبل للإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل، السؤال هو: ما دوري ودورك في تلك المهمة وأين نحن منها؟

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …