على خطى السيسي في الفشر .. رئيس الوزراء يزور حسابات المعاشات والحماية الاجتماعية

في مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، يوم الخميس 29 يوليو 2022 تباهى بحجم المساعدات التي تُقدمها الدولة لقرابة 58 مليون مواطن في ظل الأزمة الاقتصادية.

امتلأ المؤتمر بأرقام مليارية أهمها أن إجمالي تكلفة برامج الحماية الاجتماعية 490 مليار جنيه.

اعتبر مدبولي هذه الأرقام إنجازًا كبيرًا وقارنها بما كانت عليه قبل ست سنوات في 2016، وقيمتها 290 مليار جنيه. بالنسبة له، هذا هو فارق الزيادة الكبيرة التي قررت الدولة تحمله.

ومن بين هذه الأرقام المليارية التي ذكرها مدبولي كانت المعاشات، حيث تدفع الدولة 190 مليار جنيه دعمًا للمعاشات، بحسب تصريحه.

ولكن هذه الأرقام مزورة وليست دقيقة، واحتسابها ضمن إنفاق الحماية الاجتماعية يبتعد تمامًا عن الحقيقة بحسب قراءة متأنية للموازنة العامة قام بها موقع “مدي مصر”.

القراءة المتأنية للموازنة العامة تكشف كذلك فارقًا كبيرًا بين ما أشار إليه مدبولي كمصاريف الحماية الاجتماعية والرقم الحقيقي، وهو فارق بعشرات المليارات على الأقل لم يتمكن حتى مسؤولي لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، الذين سألهم «مدى مصر»، من تفسيره.

أموال المعاشات

أموال المعاشات (التأمينات هو اسمها الرسمي) هي مجموع المبالغ التي تحصل من أصحاب العمل ومن العاملين المؤمن عليهم، كنسبة مقتطعة من رواتبهم، في شكل اشتراكات شهرية طوال فترة الخدمة في الوظيفة أو العمل، ليحصل عليها العامل أو الموظف كمعاش عقب انتهاء مدة الخدمة والتقاعد.

ويتم ادخار حصيلة اشتراكات المؤمن عليهم في صناديق استثمارية مختلفة لضمان تنمية موارد سداد مستحقات أصحاب المعاشات.

ينقسم المبلغ الذي أشار إليه مدبولي إلى جزأين الأول، بحسب مستشار اتحاد أصحاب المعاشات، عبد الغفار مغاوري، يمثل اشتراكات الموظفين العاملين في الحكومة في التأمينات بوصفها صاحب عمل والثاني يمثل سدادًا لأقساط مديونية الحكومة لصالح صندوق التأمينات والمعاشات.

ترجع هذه المديونية إلى عام 2005، بعدما قرر وزير المالية وقتها، يوسف بطرس غالي ضم نحو تريليون جنيه من صناديق المعاشات والتأمينات الاجتماعية إلى الخزانة العامة، لسد عجز الموازنة والمضاربة في البورصة.

تفاقمت أزمة هذه المديونية منذ هذا الوقت حتى إقرار قانون التأمينات والمعاشات الجديد في 2019.

وضع القانون تصورًا لطريقة سداد هذه المديونية على 50 عامًا، بحيث تبدأ الحكومة بدفع 160 مليار جنيه في العام الأول بعد تطبيق القانون.

ويرتفع هذا المبلغ كل عام بنسبة 5.7%، وبحساب نسبة هذه الزيادة في السنوات الأخيرة منذ تطبيق القانون، يصبح مبلغ 190 مليار جنيه الذي أشار إليه مدبولي منطقيًا، حيث يشمل مجموع ما تلتزم الدولة بسداده لصندوق التأمينات والمعاشات هذا العام!!

يظهر هذا بوضوح في البيان المالي للموازنة العام والذي يصف هذا المبلغ بأنه «مقابل إسقاط كافة المبالغ المستحقة على الخزانة العامة لصالح الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي»، فيما يصفه مغاوري بـ «حق أصيل لأصحابها وليست دعمًا». ولكن رغم هذا، اعتادت الحكومة احتساب هذه الأموال ضمن

تكلفة برامج الحماية الاجتماعية.

لكن ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لإجمالي الإنفاق الحكومي على برامج الحماية الاجتماعية؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر في الموازنة فهناك عدة زوايا للنظر إلى الموازنة تستخدمها الحكومة.

من إحدى الزوايا، تبلغ تكلفة برامج الحماية الاجتماعية في الموازنة 290 مليار جنيه تقريبًا في الموازنة الحالية. لكن الحكومة تستخدم زاوية أخرى للنظر إليها بهدف رفع هذه القيمة.

هذه الزاوية اسمها «التقسيم الوظيفي للموازنة» والمقصود بالتقسيم الوظيفي، كما يشرح رئيس لجنة الخطة والموازنة، فخرى الفقي لـ«مدى مصر»، هو تقسيم النفقات وفقًا للوظائف العامة التي تتولاها الدولة (ومن بينها الحماية الاجتماعية).

وتستخدم الحكومة هذا التقسيم ليصبح الرقم الذي تعتبره تكلفة «الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية» أكبر كثيرًا.

وتحت هذا التقسيم، يُضاف إلى بند «الحماية الاجتماعية» بنودًا أخرى مثل «النظام العام وشؤون السلامة العامة» و«حماية البيئة» و«الشباب والثقافة والشؤون الدينية». وبعد إضافة هذه البنود، ترتفع التكلفة الإجمالية لما تعتبره الدولة دعمًا إلى حوالي 356 مليار جنيه (يشمل هذا الرقم مستحقاتها الحكومة للمعاشات من اشتراكات موظفيها، والذي تعتبره الحكومة لسبب ما دعمًا اجتماعيًا).

وإذا سلمنا بأن إضافة هذه البنود منطقيًا، كيف يمكن تفسير الفارق الكبير بين الـ 356 مليار جنيه، والرقم الذي ذكره مدبولي والبالغ 490 مليار جنيه؟

أحد الجوانب التي قد تفسر جزءًا من هذا الفارق هو أن مدبولي ربما أضاف كذلك باقي مستحقات المعاشات التي تتمثل في أقساط مديونية الحكومة وفوائدها، وليس فقط قيمة الاشتراكات.

إذا أضفنا هذا فعلًا، وهي إضافة لا يوجد أي منطق ورائها، يصبح الإجمالي 420 مليار جنيه، وحتى بعد هذا، لا يزال الرقم أقل من رقم مدبولي بفارق حوالي 70 مليار جنيه.

تواصل «مدى مصر» مع عدد من مسؤولي لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب لإيضاح هذه الفروقات بين هذه الأرقام، لكن لم يتمكن أي أحد من تفسيره.

فقط رئيس لجنة الخطة والموازنة، فخري الفقي، حاول تحليلها في البداية، اعتبر الفقي أن رقم مدبولي ينقسم إلى قسمين: الأول بند الحماية الاجتماعية (290 مليار جنيه)، والثاني بند المعاشات (190 مليار جنيه) ومجموع الرقمين، بحسب الفقي، يقترب بنا من الرقم الإجمالي الذي ذكره مدبولي.

لكن هذا يعني أن بند الحماية الاجتماعية يستبعد كافة أموال المعاشات وهو غير صحيح كما أوضح مدبولي، أن تُحتسب أموال المعاشات ضمن الحماية الاجتماعية، كما يعني هذا أن الرقم الذي ذكره مدبولي يحتسب على الأقل جزءًا من أموال المعاشات مرتين، وهو أمر مستحيل.

لم يملك الفقي إجابة محددة لتفسير هذا لكنه اكتفى بعرض عدد من السيناريوهات المحتملة، أحد هذه السيناريوهات مثلًا هو أن الحكومة تنفذ مشاريع خارج نطاق الموازنة لا تعرف عنها لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب شيئًا، أو أنها تعتبر احتياطي الموازنة ضمن الحماية الاجتماعية!!.

لكنه لا يعرف على سبيل اليقين السبب في هذا الفارق، وكل ما يعرفه أن «الرقم اللي اعتمدناه [في مجلس النواب] هو 356 مليار جنيه في إجمالي

الدعم، يصبح إجمالي الدعم هذا العام حوالي 230 مليار جنيه.

وفي 2016، وبنفس الحسابات، كان إجمالي الدعم حوالي 180 مليار جنيه ويعني هذا أن إجمالي حجم الزيادة في القيمة الحقيقية لبنود الدعم والحماية الاجتماعية بعد ست سنوات، شملت تحريرًا لسعر صرف الجنيه مرتين ووباء كورونا وحرب روسية أوكرانية تسببوا في أزمات اقتصادية هائلة، لم تتجاوز 50 مليار جنيه.

وتنخفض هذه القيمة كثيرًا إذا أخذنا في الاعتبار معدلات التضخم التي شهدتها السنوات السابقة والانخفاض الكبير في قيمة الجنيه أمام الدولار.

شاهد أيضاً

ألاف المتظاهرين يحاصرون سفارة اسرائيل في الأردن ويدعون المصريين للحاق بهم

شارك عشرات آلاف الأردنيين، مساء الأربعاء 27 مارس 2024، في وقفة بالعاصمة عمّان للتضامن مع …