في تطور غريب يوحي بشعور السلطة بأزمة مع قرب إعادة ترشيح رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثالثة عام 2024، نشر المفكر المصري سعدالدين إبراهيم مقالا أثار جدلا كبيرا تحت عنوان “أؤيد السيسى لفترة رئاسة جديدة”
“إبراهيم” (85 عاما)، وهو أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية بالقاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ومعروف بالمعارضة، روج في مقاله لما أسماه “إنجازات السيسي التسعة”، لذا رجح نشطاء أن تكون الأجهزة الأمنية هي التي كتبت المقال أو أملته عليه، حسبما ذكر موقع “الاستقلال”.
وهو ما طرح تساؤلات حول ما إذا كانت الأجهزة الأمنية في مصر قررت اللجوء لدعاية جديدة للسيسي تروج لتوليه فترة رئاسية ثالثة في انتخابات 2024 عبر استغلال مشاهير من المعارضين بدلا من دعاية إعلام النظام التقليديين.
شغل سيادي
الناشط والحقوقي المصري “عمرو البقلي” أكد عبر حسابه على تويتر أن “الوقاحة وصلت لدرجة كتابة مقال في أحد الأجهزة السيادية، ونشره جبرا باسم سعد الدين إبراهيم في صحيفة المصري اليوم”
لم يقل “البقلي” من أين حصل على هذه المعلومة، ورفض ذكر تفاصيل حين سألته “الاستقلال”
لكنه كتب يقول إنه لو كان “إبراهيم” اعترض على ما فعلوه لتحمل العواقب، في إشارة إلى أنه ربما استقى المعلومة من إبراهيم أو أحد المقربين منه بأنه ليس كاتب المقال.
الإعلامي المصري المقيم في أمريكا حافظ الميرازي، من جانبه أكد في 13 مارس ما قيل أيضا عن أن المقال تم إملاؤه على “إبراهيم”
وقال الميرازي وهو يقدم برنامجا عبر يوتيوب يستضيف فيه بصورة سياسية شخصيات متنوعة، “تحدثت في السابق عن عدم مهنية وأخلاقية إجراء مقابلة مع شخص مغلوب على أمره، سواء كان معتقلا أو أسيرا أو رهينة”
وأضاف: “لكنني لم أتطرق إلى نوع آخر من المحاذير، لم أطبقه على نفسي بشكل مختلف، ألا وهو معضلة إجراء مقابلات مع مواطن، سواء كان عاديا أو سياسيا أو معارضا، ليس في سجن تقليدي بل في بلد متسع الأطراف والمساحة”
واستدرك: “لكن القائمين عليه ضيقو الصدر ولا يتحملون رأيا مخالفا او انتقادا حرا، وهم قادرون على الوصول لمن يفتح فمه ويخرج عن النص، لتذكيره بأنه حر في الحركة وليس في الكلام، فحريته أو عودته مشروطة بمبدأ الصمت مقابل السلامة”
ويشير الميرازي بهذا الكلام إلى مقابلة أجراها مع “إبراهيم ببرنامجه على يوتيوب في 26 فبراير/ شباط 2023، يبدو أن الأخير تجاوز فيها الخطوط الحمراء، لذا اضطر إلى العودة سريعا عن تصريحاته.
وكان إبراهيم قد كشف للميرازي أن مدير مكتب الفريق السيسي (عباس كامل مدير المخابرات العامة الحالي) تحدث معه عندما أراد السيسي الترشح للرئاسة عام 2014.
وأكد أن (عباس كامل) “طلب منه أن يساعدهم في الحملة كما ساعد من قبل الفريق أحمد شفيق في وضع برنامج حملته الانتخابية”، وهذا ما يبدو أنه حدث مجددا مع اقتراب انتخابات 2023.
وتحت عنوان “أؤيد السيسي لفترة رئاسة جديدة”، نشرت صحيفة “المصري اليوم” التي يتحكم في خطها التحريري الأجهزة الأمنية 11 مارس/أذار 2023، مقال إبراهيم.
وعدد إبراهيم فيه 9 إنجازات للسيسي هي نفس ما تنشره وسائل إعلام السلطة وتروجه لجانها الإلكترونية لتلميع السيسي، ثم قال: “لن أتردد في تزكية السيسي لفترة رئاسية جديدة”
ودعا إبراهيم الشعب لانتخاب السيسي لفترة رئاسية جديدة، من أجل “نهضة عمرانية جديدة ومبادرة حياة كريمة وإزالة عشوائيات وشراء أسلحة لتعزيز قدرات مصر العسكرية”
وكانت مفارقة أن “إبراهيم” نسب في مقاله للميرازى أنه سأله عبر برنامجه على يوتيوب: هل سينتخب السيسي إذا رشح نفسه؟ وأنه رد بـ “نعم”
إبراهيم زعم أنه قال للميرازي أيضا: “تقييمي لعبد الفتاح السيسي حاليا (2023) إيجابي، في ضوء إنجازاته” إلا أن الميرازي نفى ذلك في منشوره اللاحق.
وقال الميرازي عن المقال: “ملي عليه (أي على سعد الدين إبراهيم) لا أدري من صحفي أو صاحب الصحيفة أو أصحاب البلد!”.
وأضاف: “أعتذر لضيفي سعدالدين إبراهيم اكتب ما شئت عن لقائنا، فأنت في سجن بلا أسوار”
وتابع: “آسف دكتور سعد لما تسببت لك فيه من مشاكل، ونعدك بألا نعتبر هذا المقال محسوبا عليك، ولن أتضايق لو حتى شتمتني أو كرهت اليوم الذي أجريت مقابلة معي فيه، فهذا خطأي لأنك بجمهورية الخوف، ومن خاف سلم”
وقد كشف الميرازي أنه سأل إبراهيم بعفوية: “هو فين أحمد شفيق؟” ورد قائلا: “ضيفي المسكين حكي دون فرامل الأمان للظروف المحيطة، لقاءه العابر لدقائق في مناسبة مع شفيق، والذي قال لسعد إن “عندي بنات أخشى على سلامتهن فآثرت السلامة والانزواء”
وأضاف إبراهيم أيضا وهو يحكي للميرازي، كما أورد الأخير عبر فيسبوك، أن “محمد البرادعي ترك مصر أيضا لأن لديه ابنة وحيدة ولا يريد أحد تعريض سلامة أبنائه للخطر”
وهي روايات تؤكد أن ما كان يتحدث عنه سعد الدين إبراهيم خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك عن “جمهوريات الخوف”، وسُجن بسببها، تسود مصر حاليا في ظل حكم السيسي.
وفي تعقيبه على مقال سعد الدين إبراهيم عن السيسي، قال الصحفي هشام قاسم، أحد مؤسسي صحيفة “المصري اليوم” إن الأجهزة الأمنية أصبحت تدير الجريدة الآن”.
من “الجملوكية” لـ”السيساوية”
وسبق لسعد الدين إبراهيم أن اعتقل خلال حكم الرئيس السابق مبارك بعد مقال شهير في مجلة “المجلة” السعودية يوليو/ تموز 2000 عن “الجملوكية أو الجمهورية الملكية” رفضا لتوريث نجله جمال مبارك الحكم، وتمت محاكمته وسُجن ثلاث سنوات.
وفي مقاله آنذاك، تكهن أن مبارك يُحضر سرا ابنه جمال لخلافته بعدما تولى المنصب في سوريا بشار الأسد، بعد وفاة والده حافظ الأسد.
لكن وعقب خروجه من السجن، وقبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وقع سعد الدين إبراهيم على استمارة ترشيح لجمال مبارك رئيسا، وطار إلى أميركا.
وقال إبراهيم أيضا في حوار مع موقع “إيلاف” السعودي في أغسطس/ آب 2017 إن السيسي والعسكر في مصر لا يحبون ثورة 25 يناير، والسيسي لم يقل كلمة طيبة في حق ثورة يناير، فالجيش لا يحب أي شيء يتم من دون إرادته، كما حدث في ثورة يناير”
وأكد أن المشهد السياسي مرتبك بشدة، والمجتمع في مرحلة الغليان بدرجة 80 بالمئة، وقد ينفجر الوضع في أي وقت في وجه النظام، كما حدث في ثورة 25 يناير، فالظروف نفسها تكاد تتكرر مجددًا.
وفي 29 أبريل 2021 نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لروبرت كابلان من معهد أبحاث السياسة الخارجية، عن نظام الحكم العسكري في مصر، تضمن حوارا مع سعد الدين إبراهيم.
تساءل فيه “إبراهيم” عما إن كان نظام عبد الفتاح السيسي سيكون مصيره كما حدث لحسني مبارك وقبله جمال عبد الناصر؟
وقال إن “الاقتصاد المصري لا يزال تحت سيطرة الجيش بهيكليته وعدم مرونته، أما المخابرات فتسيطر على الإعلام، وسجل السيسي في مجال حقوق الإنسان بشع، ونظرا لعدم السماح بالنقد من خارج النظام، فهناك مخاطر من تقويضه”
وأضاف: “كانت هذه هي مأساة ناصر ومبارك، فهل سيكون السيسي قادرا على كسر الدائرة؟”
ولم ترد أي جهة مصرية رسمية على ما قاله النشطاء حول أن المقال الأخير كتبته “الأجهزة السيادية” أو أملته علي سعد الدين إبراهيم، وتركت الأمر لصحفيين من لجانها الإلكترونية.
حيث كتب الصحفي محمد مرعي رئيس تحرير عدد من قنوات المخابرات (المتحدة)، والذي يعمل مديرا في المركز المصري للدراسات الإستراتيجية (استخباري)، ينتقد ما قاله الميرازي وينفي أن يكون مقال “إبراهيم” مملى عليه.
قال عبر حسابه علي فيس بوك إن الميرازي “افترض دون أي دلائل أن هناك مشاكل وضغوطا على الدكتور سعد لدرجة تدفعه لكتابة هذا المقال!!”
ودعاه للاتصال بسعدالدين إبراهيم ليسأله “إن كان أحدا أجبره على ذلك أو طالبه بكتابة مقال حول تأييد السيسي”.
ثم عاد “مرعي” التابع للأجهزة الأمنية ليكتب مجددا أنه اتصل بسعد الدين إبراهيم “بعد مطالعة ردود الفعل الغاضبة في الخارج من الشخصيات المصرية”، و”نفى (سعد) نفيا قاطعا أن يكون أحد أجبره على قول شيء أو تبنى موقف بعينه”.
انتخابات على الأبواب
ولم يتبق على دوران عجلة انتخابات الرئاسة المصرية 2024 سوى أشهر قليلة، فمع نهاية 2023 من المفترض أن تُعلن إجراءات ومواعيد الاستحقاق الرئاسي المقرر في أبريل/ نيسان 2024، لكن لا أحد يتحدث عنها في مصر.
وكانت الفقرة التي تنص على انتخاب الرئيس فترتين فقط (4 سنوات في كل مرة) في دستور 2012 والتي بقيت في دستور 2014 تؤرق السيسي لأنها تعني انتهاء رئاسته وتركه السلطة في 2018 أو 2022 لو فاز بفترة جديدة.
لذا تم تعديل الدستور عام 2019 لكي يتم مد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات في كل مرة، وتم تطبيقها بأثر رجعي على السيسي لتنتهي رئاسته في 2024.
ثم تم السماح له بتجاوز الفترتين السابقتين، باعتبار أن الدستور تم تعديله، لكي يرشح نفسه مجددا عام 2024 ويبقى حتى 2030 لو فاز!
ودفعت الأزمة الاقتصادية الحادة، وتدهور شعبية السيسي حتى بين من أيدوا انقلابه، سياسيين لمطالبته لأول مرة بعدم ترشيح نفسه والاكتفاء بما حققه من “إنجازات” لترضي غروره.
وكان أول من تجرأ لمطالبته بعدم الترشح في انتخابات 2024 محمد أنور عصمت السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية المصري، في بيان نشره عبر مدونته وحسابه على تويتر، حمل عنوان “هل يفعلها الرئيس 2024؟”
قال: “أتوقع بحلول عام 2024 موعد الانتخابات الرئاسية، وبعد إكمال الرئيس السيسي عامه العاشر في الحكم (…) أن يعلن في عام 2024 عدم الترشح”
ثم جدد “السادات” الحديث عن انتخابات 2024 قائلا في بيان جديد 7 مارس/آذار 2023: “الرئيس القادم يجب أن يعلم أنه ليس وحده من يملك الحقيقة … لم يعد هذا زمن الرئيس البطل أو الزعيم صاحب الكاريزما”
تابع: “مصر تحتاج إلى رئيس يؤمن بمشاركة الشعب من خلال مجالسه النيابية والمحلية المنتخبة ومؤسساته المستقلة ويمكن سؤاله ومحاسبته عما يفعل”.
وكان قد قال الحقوقي أحمد سميح إن السيسي يواجه بالفعل مأزقا ثنائيا يتمثل في تحديين رئيسين، أولهما الأزمة الاقتصادية الحالية التي من المرجح أن تتبعها اضطرابات اجتماعية في القريب العاجل واضطرابات سياسية.
وثانيها تحدي الانتخابات الرئاسية لعام 2024، لذلك دعا لحوار سياسي وطني ليس ملزما بنتائجه.
وأوضح لموقع “سيفيكوس” في 31 أغسطس/ آب 2022، وهو تحالف عالمي لمنظمات ونشطاء المجتمع المدني مقره جنوب إفريقيا، أن السيسي يعلم أنه سيُطلب منه، كمرشح رئاسي، برنامج انتخابي حقيقي مع جدول زمني.
وأكد أنه (السيسي) لا يستطيع تكرار تجربة انتخابات 2018 الرئاسية التي خاضها في ظل غياب أي منافس حقيقي لذا يحاول الإيحاء بوجود انفتاح سياسي ومنافسه محتملة بينما عينه على الاقتصاد المنهار.