مجدي مغيرة يكتب: التدين السلبي .. الوجه الآخر للعلمانية

حينما تُذكَر العلمانية يخطر على البال فورا هؤلاء الذين يسخرون من الدين، ويهاجمون تعاليمه، ويستهزأون بمعتقداته .

لكن لهذه العلمانية التي نرفضها وجه آخر.. إذ لا مانع عند فريق من العلمانيين أن يكون الإنسان المسلم ملتزما بشعائر دينه، وحريصا على الهدي الظاهر من لحية وجلباب وغترة وسواك … إلخ ، دارسا لمتون قديمة عن قضايا عقدية أو شعائر تعبدية أو أحكام معاملات ربما أصبحت في ذمة التاريخ ولم يعد لها وجود في واقعنا المعاصر..

لكنه في مقابل ذلك يلوي أعناق النصوص ليبرر ظلم الحاكم وجبروته انطلاقا من مبدأ طاعة ولي الأمر – وإن كان متغلبا – وإن جَلَدَ ظهرَك وأخذ مالَك، اعتقادا منه أن السياسة نجاسة، ولا ينبغي للمسلم أن يوظف الدين المقدس في المجال النجس الممتلئ بالأكاذيب والمؤامرات .

وكم سمعنا من شخصيات تنكر على بعض التيارات الإسلامية وبعض علماء الشرع في بلادنا عملهم بالسياسة، وتعيب عليهم منافستهم للأحزاب والجماعات السياسية .

والعجيب أن هذا النوع من التدين، وهذا الصنف من الناس هو عين المطلوب من حكومات العالم الغربي الذي يتحكم في بلادنا وينهب خيراتها، ويستنزف عقول أبنائها .

وأحد الوسائل الفعالة للغرب في تحقيق ذلك؛ سيطرة حكامٍ طغاة مستبدين على مقدرات الشعوب.

وأحد الوسائل الفعالة لاستمرار بقاء هذا الصنف من الحكام الطغاة المستبدين هو انتشار مثل هذه المفاهيم المغلوطة عن الدين .

وخير من ينشر هذه المفاهيم هم علماء يثق الناس فيهم، وينخدعون في علمهم، ويظنون أنهم يقولون الحق الذي لا شائبة فيه، فتستضيفهم الفضائيات، وتقدمهم الإذاعات، وتنشر لهم الصحف والمجلات .

ومع تأكيدهم المستمر على وجوب طاعة ولي الأمر مهما كان ظالما، ينسون أحاديث كثيرة حثت المسلمين على وجوب النطق بكلمة الحق أمام الطغاة ولو أدى ذلك إلى الموت، منها :

1- ما ورد في رياض الصالحين للإمام النووي عن طارق بن شهاب بسند صحيح ” أنَّ رجلًا سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وقد وضعَ رجلَهُ في الغَرزِ: أيُّ الجِهادِ أفضلُ؟ قالَ: كلمةُ حقٍّ عندَ سلطانٍ جائرٍ”.

2- ما صححه الألباني عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” سيكونُ أُمَراءُ مِن بَعدي، يقولون ما لا يفعلونَ، ويفعلون ما لا يُؤمَرون، فمن جاهدَهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدَهم بلسانِه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدَهم بقلبِه فهو مؤمنٌ، لا إيمانَ بعدَه”.

3- وكذلك ما ورد في سنن الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن السيدة أم سلمة هند بنت أمية – رضي الله عنها – أن رسول الله                صلى الله عليه وسلم قال: ” إنَّهُ سيكونُ عليكم أئمةٌ تعرفونَ وتُنكرونَ، فمن أنكرَ فقد برئَ، ومن كرهَ فقد سَلِمَ، ولكن من رضيَ وتابعَ. فقيلَ: يا رسولَ اللهِ أفلا نُقاتلُهم؟ قال: لا ما صلَّوا”.

إن الإسلام الذي ربى أتباعه على العزة والإباء، وحث المسلم على أن يكون مرفوع الرأس، رافضا للظلم لا يمكن أبدا أن يبث في المسلمين الذل والخضوع لظالم، وصدق الله العظيم حين قال { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …