ممدوح الولي يكتب : في عالم الشباب المصري.. المجهول أكثر من المعلوم

مع تكرار حالات العنف والانتحار بين الشباب المصري تتجدد دعوات أهمية الالتفات إلى معالجة مشاكل الشباب الذي يمثل مستقبل الأمة، إلا أنه مع تعدد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تنزوي قضية الشباب، ليقتصر الاهتمام الرسمي بها على عقد مؤتمرات شبابية دورية يتم انتقاء من يحضرونها، وتكون أداة لعرض إنجازات الحاكم غير المسبوقة على حد زعم التصريحات الرسمية.

ويجد الشباب المصري نفسه محاصرا بالعديد من المشاكل، من صعوبة تدبير نفقات الطعام والشراب والملبس والانتقال والاتصالات، إلى صعوبة تدبير نفقات الزواج من مسكن وأثاث وأدوات وأجهزة منزلية ومفروشات، ليظل محاصرا بمضمون غير أخلاقي عبر وسائل التواصل أصبح الوصول إليه يتم خلال ثوان معدودة، مما يؤجج سعار شهواته الجسدية التي يسعى البعض لإطفائها عبر الزنا والإدمان.

وحسب البيانات الرسمية لجهاز الإحصاء الحكومي فهناك أكثر من 21 مليون شاب في الفئة العمرية الواقعة بين 18 و29 عاما، كما يبلغ عدد الطلاب المقيدين بالتعليم العالي في كليات جامعية ومعاهد فنية حوالي 3 ملايين طالب، ويمثل طلاب الكليات النظرية نسبة 78% من طلاب الجامعات، مقابل 22% في الكليات العملية.

ويبدو أن اهتمام وزارة الشباب بالرياضة أعلى من اهتمامها بالشباب؛ فرغم بلوغ موازنة المجلس القومي للشباب مليار و375 مليون جنيه في العام المالي 2020/ 2021 فإن نسبة 60% من تلك المخصصات تتجه للإنشاءات و30% لدعم مراكز الشباب و8% لأجور العاملين لتتبقى نسبة 1% للأنشطة.

 37 % من القرى لا مراكز للشباب فيها

ورغم وجود 3937 مركزا للشباب بالقرى يمكن أن تكون ملاذا لممارسة الرياضة لتفريغ الطاقة، فإن هذا العدد يقل عن عدد القرى البالغ 4733 قرية، فضلا عن 901 شياخة وهو كيان جغرافي يشبه القرية، وعن 635 وحدة اعتبارية وهي مناطق جغرافية لم يصدر قرار حكومي بتحديد كونها قرية أو شياخة، وهو ما يعني أن نسبة 63% من القرى والشياخات والوحدات الاعتبارية بها مراكز شباب.

كما يوجد 498 مركز شباب بالمدن البالغ عددها 232 مدينة فضلا عن 42 مجتمعا عمرانيا جديدا، لكن رسوم العضوية ببعض مراكز شباب المدن تصل إلى 25 ألف جنيه، وبما يمثل ذلك حاجزا ماديا أمام الغالبية، في مجتمع تصل نسبة الفقر الرسمية فيه قبل ظهور فيروس كورونا إلى 29.7%، وترتفع إلى 42.8% بريف الوجه القبلي حسب البيانات الرسمية قبل ظهور كورونا التي زادت نسب الفقر.

وتقوم مصلحة الأمن العام بإعداد تقرير سنوي عن معدلات الجريمة بالبلاد بمختلف أنواعها، من قتل وسرقة وخطف ونصب وانتحار ومخدرات ومخالفات مرورية وإحراق وأخذ أموال عامة ومصنفات فنية وغيرها، ومعدلات نموها بالمقارنة مع السنوات الماضية، وأماكن تركز كل نوعية منها، مما يجعل صفحات التقرير تصل إلى 3500 صفحة.

لكن هذا التقرير تم حجبه عن التداول العام لدى الباحثين والإعلاميين منذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، بحيث أصبح من يريدون معرفة عدد حالات الانتحار السنوية بمصر مثلا يلجؤون إلى جهات دولية مختصة بالجرائم.

ورغم وجود المركز القومي للبحوث الاجتماعية المنشأ منذ عام 1955، الذي يضم شُعبًا منها شعبة لبحوث الجريمة والسياسة الجنائية، فإنه لا يصدر بيانات دورية عن الجرائم، وهو المركز الذي حصل بموازنة العام المالي 2021/ 2022 على 79 مليون جنيه، منها 40 مليون لأجور الباحثين العاملين به و34 مليون جنيه للاستثمارات التي تتجه عادة إلى الدراسات والأبحاث والإنشاءات.

وجاءت مخصصات المركز القومي للبحوث الاجتماعية أقل مما حصلت عليه الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب، التي نشأت عام 2017 ويرأس مجلس أمنائها رئيس الجمهورية وينوب عنه بالحضور رئيس المخابرات العامة. وقد بلغت مصروفاتها في العام المالي 2020/ 2021 نحو 90 مليون جنيه، وهي النفقات التي زادت عن ذلك حاليا.

  واقع شبابي مجهول

وكان جهاز الإحصاء يتيح ضمن كتابه الإحصائي السنوي بعض البيانات حول إحصاءات القضايا من خلال وزارة العدل، إلا أنه توقف عن ذلك منذ بيانات عام 2013، التي اقتصرت على صفحة واحدة تضم إجماليات القضايا التى تم عرضها من مدنية وجنائية وأحوال شخصية، وعدد القضايا التي تم عرضها على الجهات القضائية المختلفة.

وهكذا يصبح التعرف على واقع الشباب المصري الحقيقي أمرا متعذرا، فمع انتشار حالات الزواج العرفي لا نستطيع تحديد أعداد تلك الحالات المختلفة النوعية، ومع انتشار حالات الإدمان لا نعرف أعداد كل نوعية من أنواع الإدمان سواء الحشيش أو الحبوب أو البانجو أو الخمور وغيرها من الأصناف، كذلك من غير المعروف معدلات الانخراط في الأنشطة غير المشروعة كالدعارة وتجارة المخدرات والتهريب وتجارة الآثار والسلاح وغيرها.

ولا يُعرَف حجم الأموال التي يتعامل بها الشباب في العملات الرقمية عبر الإنترنت أو التعامل في العملات الدولية، كذلك من غير المعروف عدد حالات الاغتصاب والإجهاض، وبيع الدم للحصول على المال وبيع الأعضاء لنفس الغرض، وعرض الجسد على الإنترنت مقابل المال، وحالات الزواج بالأجنبيات المسنّات بالأقصر والغردقة وغيرها من أجل المال، وعدد حالات الهجرة غير الشرعية وضحاياها، وغير ذلك من الأمور غير المعروفة بدقة بحياة الشباب ذكورا وإناثا.

وها هي بيانات العمالة بمصر خلال العام الماضي حسب جهاز الإحصاء الرسمي تشير إلى أن نسبة البطالة بين الشباب الذكور من سن 15 إلى 24 عاما قد بلغت 12.8% على مستوى البلاد، والمعروف أن جهاز الإحصاء يعتبر من يعمل ساعة واحدة في الأسبوع مشتغلا وليس عاطلا، ورغم ذلك فقد أشار إلى أن نسبة البطالة بين الشباب الذكور قد بلغت 63% بمحافظة جنوب سيناء، و43% بمحافظ البحر الأحمر و42% بمحافظة بورسعيد، و32% بمحافظة الوادي الجديد و31% بالسويس و30% بالقاهرة، و26% بالإسكندرية و23% بمحافظة دمياط.

       169 ألف وحدة للإسكان الاقتصادي خلال عام

وأشار جهاز الإحصاء إلى تدني الأجور بنسبة عالية بالنسبة للشباب الذكور المشتغلين بقطاعات تجارة الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية والزراعة والصيد، وبالتالي لا تكفي تلك الأجور للوفاء بمتطلبات المعيشة، فضلا عن تدبير نفقات الزواج في ظل نقص المعروض السكني المتوافق مع قدرات الشباب المادية.

ففي عام 2021 بلغ عدد عقود الزواج 948 ألف عقد وهو عدد يشمل كل الأعمار وليس زواج الشباب فقط كما يشمل الزواج الثاني، وبلغ عدد حالات الطلاق 255 ألف حالة بنسبة نمو تصل إلى 15% عن حالات الطلاق في عام 2020، أي أن عدد حالات الطلاق يمثل نسبة 27% من عدد عقوق الزواج.

وعلى الجانب الآخر أشارت بيانات رسمية إلى بلوغ عدد الوحدات السكنية المنفذة خلال العام المالي 2020/ 2021 نحو 336 ألف وحدة سكنية منها 169 ألف وحدة للإسكان الاقتصادى و124 ألف وحدة للإسكان المتوسط، و44 ألف وحدة لما فوق المتوسط والفاخر، وتسببت زيادة أسعار مواد البناء في ارتفاع أسعار تلك الوحدات بما يفوق قدرات غالبية الشباب المادية.

وبلغ عدد وحدات الإسكان المنخفض التكاليف 48 وحدة فقط، أي لم يصل العدد إلى خمسين وحدة في مجتمع ثلث سكانه من الفقراء حسب البيانات الرسمية التي لا تجد قبولا من الكثيرين.

وإذا كانت هناك رغبة رسمية للتعرف على واقع الشباب الحقيقي، فإنه يمكن الاستفادة من خريجي أقسام الاجتماع بكليات الآداب للقيام بهذا الدور بالتنسيق مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية، وكذلك أقسام الاجتماع بكلية البنات بجامعة عين شمس وبكليات التربية، علاوة على خريجي كليات الخدمة الاجتماعية، ويمكن قيام الجمعيات الأهلية الكبيرة بالقيام بدراسات محددة في هذا الشأن.

وسوف ترحب الجهات الأجنبية المانحة بتمويل مثل تلك الأنشطة، كي تحصل على نسخة من مخرجات تلك الدراسات! كذلك سترحب جمعيات المستثمرين بتمويل تلك الدراسات، سعيًا نحو إيجاد عمالة أكثر كفاءة وصحة وتركيزا، في ضوء تدني المستوى الصحي للمتقدمين للعمل بالشركات حسب تصريحات لبعض رجال الأعمال.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …