ممدوح الولي يكتب : معاناة القطاع الخاص في ظل النظام العسكري بمصر

رغم قيام القطاع الخاص المصري بتوظيف 72.5% من المشتغلين في منتصف عام 2013، حين استولى الجيش على السلطة في مصر، مقابل نسبة 27% للمشتغلين بالحكومة والقطاع العام، فإن النظام العسكري لم يسع لتشجيع القطاع الخاص، حين جرى فرض الطوارئ وتعطيل السكة الحديد، في نفس الأوقات التي جرى فيها حرق بعض من محلات ومعارض الإسلاميين التجارية، بما فيها من بضائع، وبدء صدور قرارات التحفظ على أموال المعارضين، في سبتمبر/أيلول 2013. قرارات تلتها إجراءات الاستيلاء على المحلات المملوكة لرجل الأعمال حسن مالك، ونظيرتها المملوكة لرجل الأعمال عبدالرحمن سعودي، وكذلك خيرت الشاطر، ما أثار الفزع في مجتمع رجال الأعمال. ولوجود علاقات تشابكية بين رجال الأعمال الذين تم التحفظ على أموالهم والمتعاملين معهم بالسوق أُربك السوق وأصيب بالركود، وهو ما تسبب في عدم صدور أية قرارات استثمارية بمؤتمر رجال الأعمال السعوديين، الذين دفعتهم الغرفة التجارية بالسعودية لمساندة النظام العسكري الصاعد حينذاك، وبدلاً من أن يسعى النظام العسكري لطمأنة القطاع الخاص، أخذ يتوسع في التحفظ على أموال المعارضين وشركاتهم ومستشفياتهم ومدارسهم.

لم يتراجع النظام العسكري الجديد عن سياساته التقييدية في ضوء خروج استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 6.8 مليار دولار خلال عامه الأول، معتمداً على المعونات السخية من الدول الخليجية، ومع تراجع أسعار النفط منتصف 2014، تحول النظام العسكري للاعتماد على الاقتراض الخارجي، خاصة من دول الخليج الثلاثة السعودية والإمارات والكويت.

بدلاً من تهدئة القطاع الخاص الخائف، تم تصوير عملية القبض على رجل الأعمال صلاح دياب، الموالي للنظام، والقيود الحديدية بيديه

منافسة غير متكافئة مع الجيش 

لم يبالِ النظام العسكري كثيراً بأنين القطاع الخاص، خاصة مع نقص العملة الأجنبية واضطراب الحالة الأمنية، واتجه إلى الاعتماد على الجيش ليس فقط في حفظ الأمن، ولكن بالأنشطة الاقتصادية المختلفة، واحتكار بعض الأنشطة مثل استيراد اللحوم. الأمر الذي أضر بالقطاع الخاص نظراً لعدم التكافؤ في المنافسة، مع طرف لا يدفع ضرائب ولا جمارك ولا أجوراً لعماله من المجندين، ويحصل على مساحات شاسعة من الأراضي مجاناً. 

ومع نقص السيولة توسع النظام في فرض الضرائب والرسوم وخفض الدعم ورفع أسعار المنتجات البترولية والكهرباء، وجاء قرار تحرير سعر الصرف، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ليتسبب في تضاعف قيمة قروض الشركات بالعملات الأجنبية، ما أدى لتعثر بعضها، كما أدى ارتفاع أسعار السلع إلى تراجع القدرة الشرائية لدى المستهلكين، ما زاد من حالة الركود، في ظل ارتفاع فائدة الاقتراض المصرفي، إلى جانب مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في أموال البنوك، التي تفضل شراء أدوات الدين الحكومي عن الإقراض الأعلى بالمخاطر للشركات. 

وبدلاً من تهدئة القطاع الخاص الخائف، تم تصوير عملية القبض على رجل الأعمال صلاح دياب، الموالي للنظام، والقيود الحديدية بيديه، وهو الذي سخّر جريدة المصري اليوم التي يملكها للهجوم على نظام الرئيس الأسبق محمد مرسي، وكذلك الضغوط التي تمت على نجيب ساويرس لبيع القناة الفضائية التي يملكها، رغم مساهمتها في الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.

ثم كان قرار إضافة أموال جميع المتحفظ عليهم إلى الخزانة العامة، في سبتمبر/أيلول 2018، ومنهم رجال أعمال كبار مثل حسن مالك، وعبدالرحمن سعودي، وخيرت الشاطر، وصفوان ثابت، بالإضافة إلى أولادهم، إلى جانب إضافة أموال 118 شركة إلى الخزانة العامة، بخلاف 104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعاً إلكترونياً وقناة فضائية و1133 جمعية أهلية. 

إيثار السلامة شعار المرحلة 

آثر الكثيرون من رجال الأعمال السلامة، فمحمود العربي، رجل الأعمال الذي اعترض على قانون ضريبة المبيعات عام 1991، وتحمّل تبعات موقفه بفترة الرئيس مبارك، عندما وجد النظام العسكري يعيق استيراد قطع الغيار لمصانعه، جمع عدداً من الصحفيين ليعلن محبته للجنرال المصري، واتجه آخرون للتبرع لصندوق تحيا مصر، الذي أنشأه الجنرال للاستحواذ على كافة التبرعات للجهات الحكومية. 

ولم يكن لجمعيات رجال الأعمال موقف مع الرفع المتتالي لأسعار البنزين والسولار والكهرباء، ومع زيادة سعر طن المازوت للصناعة من 1500 جنيه إلى 3900 جنيه، وارتفاع سعر طن الغاز الصب من 640 جنيهاً إلى 5200 جنيه، وعند فرض مساهمة تكافلية بنسبة اثنين ونصف بالألف من الإيرادات السنوية، للمنشآت الفردية والشركات أياً كانت طبيعتها أو النظام القانوني لها، لتمويل نظام التأمين الصحي الشامل، وعدم اعتبار تلك المساهمة من التكاليف واجبة الخصم في تطبيق قانون ضريبة الدخل. ذلك رغم تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل بمحافظة واحدة فقط هي بورسعيد، وتطبيقه تجريبياً بمحافظتين، هما الإسماعيلية والأقصر، وتوقع امتداده لباقي المحافظات عام 2030، بينما تم تطبيق المساهمة التكافلية منذ عام 2018 بجميع المحافظات، ولم تستجب السلطات لمطالبة البعض بجعل تلك النسبة على الأرباح وليس على الإيرادات. 

وتحمل الكثير من رجال الأعمال تأخر صرف حوافز التصدير لخمس سنوات، وقبلوا مقايضتها بالمستحقات الحكومية من ضرائب وخلافه، ثم قبلوا الحصول عليها بخصم 15%، لأنه لا سبيل لديهم سوى الانصياع لما تراه الحكومة، واستسلموا لبلوغ نسبة ما يدفعونه للتأمين الاجتماعي لأصحاب الأعمال 21% من دخل الاشتراك الشهري، وبلوغ حصة صاحب العمل بالتأمينات الاجتماعية للعاملين لديهم 12% في قانون التأمينات الاجتماعية الجديد. 

ونفس الأمر للزيادات المتتالية في رسوم تراخيص السيارات، ما زاد من تكلفة مكون النقل بسبب ارتفاع سعر الوقود والتراخيص وأسعار المركبات وقطع غيارها، ولم يعد أحد يسمع صوتاً لجمعيات المستثمرين في الأمور التي تضر مصالح القطاع الخاص، حتى لا تتضرر مصالح من يعلنون مواقف غير مؤيدة، بل إن من يودون التعبير عن شكواهم لن يجدوا مجالاً إعلامياً لنقل وجهة نظرهم في ظل إعلام الصوت الواحد والاكتفاء فقط بعرض الإنجازات. 

لجأ البعض إلى استقدام شريك أجنبي لامتلاك نصف رأسمال شركاتهم، ليكون ذلك حاجزاً أمام عملية الاستيلاء على الشركات، كما فعل صاحب محلات “أولاد رجب” للسلع الغذائية

استقدام شريك أجنبي بالشركات المحلية 

استجاب رجال الأعمال لزيادة نسبة الضريبة بضريبة القيمة المضافة، التي حلت محل ضريبة المبيعات، وكذلك لتعديلات قانون ضريبة الدمغة وضريبة رسم التنمية وغيرها من الرسوم لتمويل العديد من الصناديق التي أنشأتها الحكومة، وذلك خشية توقيع الحجز الإداري على الأموال بالبنوك على الممتنعين عن دفع الضرائب، كما حدث لعشرات الآلاف منهم.

كما استجابوا للضغوط الأمنية للتبرع للحملات الانتخابية والاحتفالات التي يقيمها النظام بين الحين والآخر، بعد أن شاهدوا الأضرار التي لحقت بمن امتنعوا عن الدفع، فحين رفض أحد أصحاب مراكز التسوق بمدينة نصر الدفع ذات مرة فوجئ بقرار إغلاق بعض فروعه، ما دفعه لعرض دفع ما طلبوه، لكنهم حينها طلبوا مبالغ أكبر عن كل فرع. 

كما خضع الكثيرون للضغوط التي تمارسها الصحف الحكومية، لنشر إعلانات تأييد للجنرال إيثاراً للسلامة، وحتى لا يتم تفسير عدم مشاركتهم في تلك المناسبات المتكررة على أنها تعبر عن موقف غير مؤيد للنظام الحاكم. 

صفوان ثابت مؤسس شركة جهينة المصرية

وحتى لا تتعرض شركاتهم للمضايقات من قبل الأجهزة الحكومية، التي يمكن أن تعطل أعمالهم، مثلما حدث مع شركة “جهينة”، بمنع ترخيص سيارات النقل، وسحب تراخيص بعضها، في شركة تعتمد على النقل بشكل كبير لنقل منتجاتها الاستهلاكية يومياً إلى متاجر التجزئة بأنحاء البلاد، ومثلما حدث باستخدام الجهاز المسؤول عن الملكية الفكرية للتفتيش عن استخدام برامج الكمبيوتر الأصلية بأجهزة الكمبيوتر الموجودة ببعض الصحف والمواقع الإلكترونية، والقبض على المسؤولين بها بسبب ذلك. 

ولجأ البعض إلى استقدام شريك أجنبي لامتلاك نصف رأسمال شركاتهم، ليكون ذلك حاجزاً أمام عملية الاستيلاء على الشركات، كما فعل صاحب محلات “أولاد رجب” للسلع الغذائية، وصاحب شركة جهينة، وصاحب شركة أسمنت سيناء، إلا أن الرئيس السابق لشركة “جهينة” لم يلجأ لتلك الحيلة، وألقي القبض على صفوان ثابت وابنه، وعلى حسن راتب الرئيس السابق لشركة أسمنت سيناء، والذي سخّر قناة المحور التي كان يملكها للنيل من معارضي النظام، بتهمة الاتجار بالآثار. 

ومع تلك الحالة المضطربة المتوجسة من مفاجآت النظام العسكري، لجأ الكثيرون من رجال الأعمال إلى إخراج أموالهم للخارج، خاصة لدبي، والعمل بأموال مقترضة من البنوك تحسباً لاحتمالات الاستيلاء على الشركات، كما لجأ الكثيرون إلى عدم وضع أسمائهم على الشركات التابعة لهم.

حتى إن البعض يقوم بالسكن بالإيجار، رغم ما يملكه من عقارات، تحسباً لحالات الاستيلاء على الممتلكات، وفي تلك الظروف التي تؤثر السلامة يقل التفكير في توسعة النشاط، ما يحرم السوق من النمو، ويقلل من توفير فرص العمل، لتستمر حالة الركود بالأسواق ويتزايد الاستيراد وحالة ارتفاع نسب البطالة.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …