موفق السباعي يكتب : الولاء لله أم للتراب أم للقوم أم للوطن ؟!

يشكل الولاء .. الركيزة الأولى .. والدعامة الأساسية .. في عقيدة الإسلام .. بعد النطق بشهادة ( لا إله إلا الله ) ..

إنه يأتي أولا .. وقبل القيام بأي شعائر تعبدية ..

إذ لا قيمة للشعائر التعبدية .. إن لم يكن الولاء .. مترسخا .. ومتجذرا .. في أعماق المسلم .. ومعلوما ومفهوما .. ومطبقا تطبيقا كاملا .. في حياته اليومية . . منذ البداية ..

إذا صلح الولاء .. صلحت حياة المسلم بكل نواحيها .. بالشعائر التعبدية .. والأخلاقية .. والسلوكية .. والعلاقات الاجتماعية .. والدولية .. والسياسية وسواها .

وجاءه المدد والعون الرباني .. يترى ..

وإذا فسد الولاء .. أو توجه إلى غير الله .. إلى التراب .. أو الوطن .. أو القوم .. أو إلى الله وإلى ما سواه ( وهذا هو الشرك ) .. فلا قيمة لدعوى الإيمان والإسلام .. فلا إيمان لمن يوالي غير الله .. ويفضل غير الله على الله ..

والله تعالى يحذر .. وينذر المؤمنين .. من موالاة أعدائهم ..

( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ ) الممتحنة 1 .

ولا قيمة للطقوس المزيفة .. الكاذبة المخادعة .. التي يمارسها خمس مرات في اليوم !!!

وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ ) المائدة 81 .

ولذلك  كان الصحابة .. حينما كان يعلن أحدهم .. دخوله في الإسلام .. يتحول مباشرة 180 درجة .. ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم : والله كنتَ أبغضَ الناس إلي .. وكنتُ أسعى لحربك في كل مكان .. والآن أنت أحبُ إلي من كل شيء .. وسأحارب وأقاتل .. من يقاتلك في كل مكان .. قاتلتك فيه .

ما هو الولاء ؟ ولماذا كل هذه الأهمية الكبيرة له ؟

الولاء هو التطبيق المنهجي .. والعملي للإسلام .. والإيمان .. وهو العلامة الأولى الفارقة .. والمميزة والمفصلية .. لإثبات صحة إسلام .. وإيمان المرء ..

وهو المفاصلة والمفاضلة .. بين الله .. وبين ما عداه من أصنام وأوثان ..

فالذي يؤمن بالله .. ويعتمد عليه كليا .. ويثق به .. ويحسن الظن به .. لا يأبه للعبيد .. ولا يبالي بهم .. ولا يستجديهم .. ولا يناشدهم أن يساعدوه ..

وإلا حينئذ يجعل قيمة الله عز وجل .. أدنى من قيمة العبيد !!!

وتلك قسمة ضيزى .. لا يقبلها الله ..

لأن الله لا يقبل من العمل .. إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم ..

فلا  يستجدي العبيد .. ويشكو أمره إليهم .. ويقدم شكوى إلى هيئة الأمم الكافرة المتحدة .. إلا من فقد الثقة بالله .. وتشكك في صدقه !!!

 ومن يفعل ذلك .. فليس بمؤمن بالله ..  وحينئذ يتركه الله .. إلى أمر العبيد .. الذين ناشدهم .. واستجداهم .. وتوسل إليهم .. وشكى أمره إليهم .. وطلب مساعدتهم ..

وحينئذ يتخلى الله عنه .. ويخرجه من كنفه ورعايته ..

لأنه إما الله .. أو العبيد ..

ولا يصح كلاهما .. فهذا شرك صريح واضح ..

( وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا ) الطلاق 3 .

( وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذۡنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ) الأعراف 96 .

والولاء يعني .. الإنقياد الكامل لمنهج الله ونظامه في الحياة .. والانصهار التام في بوتقة الإسلام .. والانتماء الشامل للعقيدة فقط .. وليس للأرض .. أو الوطن .. أو لشعب معين .. أو قومية محددة !!!

وهو الهوية والجنسية العالمية الربانية .. التي تميز المؤمن عن بقية العبيد .. وتجعله يحتل المرتبة الأولى عالميا .. فيخترق كل الحواجز .. وكل الحدود .. رغم أنف العالمين .. وهو العلامة التجارية المميزة .. والمفضلة عالميا لدى رب العالمين ..

أما سمات الولاء .. وصفاته .. وخصائصه فهي :

1-    محبة الله حبا خالصا .. صادقا .. بحيث يملأ القلب بكل جوانحه .. وبشكل كامل .. ولا يترك ذرة واحدة لحب ما سواه .

( يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ) المائدة 54 .

2-    محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بنفس الدرجة .

ففي صحيح البخاري .. ( عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .

3-    مودة الله مودة غامرة .. جامعة شاملة .. تهيمن على كيان الإنسان بأكمله .. ولا تنازعه مودة أقرب المقربين إليه .

( لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ ) المجادلة 22 .

4-    الإعتقاد الجازم والحاسم .. والقاطع والبات .. بأن الله هو مالك كل شيء .. وبيده كل شيء .. والقادر على كل شيء .. والرازق لكل شيء .. والمقدر لكل شيء ..

 فلا يخاف من العبيد .. ولو اجتمعوا كلهم لمحاربته .. لأنه يعلم يقينا أنهم أضعف من الله .

( إِنَّ وَلِـِّۧيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡكِتَٰبَۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّٰلِحِينَ ) الأعراف 196 .

( أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ) يونس  62 . 

ولا يقلق على رزقه .. لأنه مكتوب له .. من قبل أن يخرج من بطن أمه .. إلى الحياة ..

ففي صحيح الترمذي .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ [ص: 389] ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ) ..

وفي القرآن .. ( وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ ﴿٢٢﴾ فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ ) الذاريات . 

( يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ ) لقمان 16 .

ولا يحزن إذا حاصرته جيوش الظلام .. وقوى الأرض كلها .. ومنعت عنه الطعام والشراب .. 

 فلا يُهين نفسه .. ولا يذلها .. ولا يستجدي الرافضة .. ويتسول منها .. وهي صنو اليهود في عداوتها للمسلمين .. 

 بل هي أشد عداوة منهم !!! 

متعلللا ومتذرعا .. بأن إخوانه العرب والمسلمين قد تخلوا عنه !!! 

وكأن هؤلاء هم الرازقون ؟!

( قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ )  سبأ 24 .

( أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي يَرۡزُقُكُمۡ إِنۡ أَمۡسَكَ رِزۡقَهُۥۚ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوّٖ وَنُفُورٍ ) الملك 21 .

وقديما قالوا : ( الحرة تموت جوعا .. ولا تأكل بثديها ) .

لا يقول هذا الكلام القبيح الانهزامي .. مؤمن بالله وواثق بوعده .. وهو يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته .. قد سبق وأن حاصرتهم قريش في شعب علي .. لمدة سنتين .. ذاقوا فيهما الأمرين .. وأكلوا ورق الشجر .. وجلود الأنعام .. 

ولم يمدوا يدهم .. ويستجدوا أي مشرك .. حتى جاءهم الفرج من الله تعالى . 

ولا يقول هذا الكلام المشين .. وهو يعلم  أن يوسف عليه السلام .. بمجرد أن توجه باطلب إلى رفيقه الخارج من السجن .. ليذكره عند سيده .. مؤثرا إياه على الله ..عاقبه الله مباشرة بالمكوث في السجن سنوات أخرى ..

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ ﴿٤٢﴾ يوسف .

5-    الاعتزاز بالله والافتخار بالدينونة .. والعبودية له .. وتعظيم أسمائه الحسنى .. والوقوف عند حدوده وعدم تجاوزها قيد شعرة .

أما أهمية هذا الولاء .. فإنها تنبع من أن تحقيقه كاملا .. هو الطريق الوحيد .. للحصول على رضا الله ..  ومن ثم الحصول على الفرج والنصر .. وأخيرا دخول الجنة .. 

وهذا هو الهدف الأسمى للمسلم .. 

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …